Tue, 04/09/2012 - 21:17
تحية من القلب للشباب الناجين من مراكب
الموت فى ليبيا، وتقديراً وإكباراً لأرواح من نفقوا فى رحلة البحث هذه عن
الرزق بعد أن ضاقت بهم سبل العيش فى بلادهم.
إن هؤلاء الفتية لم يقبلوا بالبطالة التى
فُرضت على جيل كامل من الشباب ووصلت فى بعض التقديرات إلى 25٪ ممن هم فى سن
الإنتاج، وهو ما يعنى أن ربع الطاقة الإنتاجية لمصر معطلة لا تجد من
يلحقها بالعمل.
وقد كان من الممكن لهؤلاء الشباب أن يظلوا
حيث هم عالة على أسرهم، أو أن ينحرفوا إلى الجريمة أو يسقطوا فى بحر
الإدمان مثل الآلاف من زملائهم، لكنهم اختاروا الطريق الصعب وقرروا أن
يغامروا من أجل العيش الكريم، ومعظم هؤلاء دفعوا أموالاً طائلة اقترضوها أو
«شقيوا» للحصول عليها لكى يحظوا بموقع قدم داخل مراكب الموت التى ألقت
بجثثهم فى البحر.
لقد كانوا يعلمون تمام العلم أنهم يجازفون
بحياتهم، لكن ماذا كان أمامهم من خيارات؟ إما المغامرة ومواجهة الموت بحثاً
عن فرصة للحياة لهم ولذويهم الذين كانوا ينتظرون تحويلاتهم من الخارج، أو
مواجهة البطالة والتعطل والعيش عالة على المجتمع، وقد فضلوا الخيار الأول
لأنه الخيار الذى يحفظ لهم كرامتهم حتى لو فقدوا حياتهم فى سبيل تلك
الكرامة، فحياة البطالة والتعطل لا كرامة فيها للنفس، ولا احترام.
قد يقول البعض إن مثل هذا الشاب أهوج لم
يحسب حساباته جيداً، فقد سافر دون أن يضمن فرصة عمل فى الخارج، سافر إلى
المجهول الذى لا يعرف عنه شيئاً، وفى بلاد لم يدرس ظروف المعيشة فيها، لكن
علينا أن نسأل أنفسنا: هل وفرنا له مثل هذه المعلومات فرفضها؟ ألم يكن من
واجب المجتمع الذى لم يوفر لأبنائه فرصة العمل الكريم فى الداخل أن يوفر
لهم ما يلزم من حماية وهم يبحثون عن العمل فى الخارج؟
لقد سألت ذات مرة أديبنا الأكبر نجيب محفوظ
الذى نحتفل هذه الأيام بالذكرى السادسة لرحيله: ما النصيحة التى تقدمها
للشباب؟ فقال: ليس لى أن أقدم لهم النصائح، بل علىّ وعلينا جميعاً أن نعتذر
لهم عما فعلناه بهم، فنحن لم نوفر لهم التعليم السليم ولا هيأنا لهم فرصة
للعمل ولا منحناهم حتى الأمل فى العيش الكريم، وأشعر بأن الأستاذ نجيب لو
كان الآن على قيد الحياة لأضاف لقائمة إخفاقاتنا مع الشباب أننا دفعناهم
أيضاً للانتحار بحثاً عن لقمة العيش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات