الأقسام الرئيسية

الشرطة المصرية من ثورة يوليو حتى عام 2010

. . ليست هناك تعليقات:
يناير
22
2011

. بقلم عمر شعيب


09:38 ص

أظهرت الشرطة المصرية قدرة عالية في التعامل مع المعطيات الأمنية الصعبة في مراحل تاريخية هامة ، فبعد قيام ثورة يوليو عام 1952 م ، كانت البلاد أثناء فترة الانتقال من نظام الملكية الي نظام جمهوري تتطلب قدرا كبيرا من الحكمة في رؤية الأجهزة الأمنية لمنع البلاد من الوصول الي حالة من حالات الفوضي .

وتوضح موسوعة " الشرطة المصرية عبر التاريخ الوطني " الصادرة عن وزارة الداخلية 2011، أن الشرطة المصرية لعبت دورا هاما في ثورة يوليو ، تولي جمال عبد الناصر منصب وزير الداخلية في أول تشكيل وزاري يدخل فيه الضباط الأحرار في عام 1953م ، ذلك ايمانا منه بضرورة الاهتمام بتطوير وتحديث احد اهم أجهزة الدولة التنفيذية .

وبالفعل تم اجراء عدد كبير من التعديلات في نظام الشرطة ، حيث تم تأهيل رجال الادارة والضباط وتدريبهم لمواجهة تحديات المرحلة الجديدة ، كذلك اضافة عدد من المصالح والهيئات الجديدة مثل ، مصلحة الأحوال المدنية ، ومصلحة أمن الموانئ ، وادارة شرطة المسطحات المائية ، اضافة الي اقسام جديدة لمكافحة الاختلاس والتهرب والرشوة ، وقسم اخر لمباحث الضرائب ، كذلك الادارة العامة لشرطة الكهرباء .

وتواكب مع تحديث الهيكل الاداري تطوير للمستوي العام والتقني لجهاز الشرطة ، فقد تم التخلص من الأسلحة القديمة ، اضافة الي تطوير وسائل النقل الخاصة بمؤسسات الشرطة ، كذلك تزويدها بمركبات مدرعة ومائية ، وعربات للإطفاء والانقاذ ، كما تم استخدام نظام انذار في المؤسسات العامة بالقاهرة عام 1960 وتم تعميمه في عام 1961 ، اضافة الي تطوير وسائل الاتصال السلكي واللاسلكي ، وفي عام 1961 غطت الشبكة اللاسلكية جميع مناطق الجمهورية . وفي عام 1974 تم الربط بين الخطوط التليفونية الأرضية وشبكة اللاسلكي.

من ناحية أخرى تم انشاء اجهزة مساعدة ومناوبة للشرطة كإنشاء معمل جنائي متخصص في عام 1957 م بهدف فحص وكشف آثار الحوادث الجنائية ، كذلك تم استحداث شعبة فحص آثار التزوير والتزييف ، وشعبة أخرى للفحوص الطبيعية والكيميائية .

ومن اهم التغييرات التي أجرتها الشرطة ، هو تغيير وتطوير الرسالة التي تعمل من أجلها ، فبعد عام 1952 م ، تم ادخال المضمون الاجتماعي الي رسالة الشرطة ، تماشيا مع الاتجاه العالمي باحترام حقوق الانسان . ظهر هذا التوجه علي سبيل المثال في القانون رقم 396 لسنة 1956 م الخاص بتنظيم السجون ، حيث يراعي القانون تحسين معاملة السجين ، والعناية بتغذيتهم وتثقيفهم وتقويمهم ، اضافة الي توفير الخدمات لهم واستثمار جهودهم وخبراتهم في المشروعات التنموية المختلفة . كذلك تأهيلهم للاندماج في المجتمع بعد انتهاء فترة العقوبة . ولاتنتهي علاقة الشرطة بالسجين بعد الافراج عنه ، فوفقا للقرار الوزاري رقم 1272 لسنة 1972 ، تم انشاء قسم الرعاية اللاحقة بمصلحة الأمن العام ، وبعمل القسم علي رعاية أسر المسجونين اجتماعياً ، ومتابعة المسجونين مهنياً داخل السجن ، ثم مساعدتهم بعد الافراج عنهم ليعملوا ويمتهنوا أعمالا ومهن شريفة .

وامتدت رسالة الشرطة بالاتجاه الانساني والاجتماعي لتشمل مكافحة ومحاربة بعض العادات الاجتماعية السيئة ، والسعي للصلح بين المتنازعين وتصفية الخلافات الفردية والعائلية والمهنية والطائفية ، وعدم انتظار وقوعها.

وعلي صعيد تطوير نظم العمل في مواجهة الجرائم الجديدة والمستحدثة ، والتي تتطلب تنسيقا اقليميا ودوليا مشتركا في الجهود ، بدأت وزارة الداخلية علي توثيق علاقتها مع الأجهزة والمؤسسات المماثلة لها في الدول العربية ، وقامت باتخاذ خطوات عملية في هذا السياق ، مثل فتح باب الالتحاق بكلية الشرطة للاخوة العرب ، اضافة الي نقل الخبرات المصرية في مجال الأمن بارسال خبراء ومتخصصين للدول العربية ، كذلك تشجيع تبادل الزيارات بين وفود الضباط المصريين والعرب .

وهكذا شهدت فترة حكم الرئيس عبد الناصر ( 1952 – 1970 ) تحولات هيكلية كبيرة في مؤسسات الشرطة المختلفة ، تجاوز التطوير الاداري الي تطوير الرسالة والرؤية والأهداف . وخلال فترة حكم الرئيس السادات ، لحق وزارة الشرطة عدد من التغييرات المهمة ، ففي عام 1974 تم انشاء قطاع الأمن السياسي ، وتم اسناد مهمة الاشراف عليه لمساعد وزير الداخلية لمباحث أمن الدولة ، وضم هذا القطاع ادارة شرطة رئاسة الجمهورية ، وادارة شرطة الحراسات الخاصة ، اضافة الي ادارة شرطة مجلس الشعب . وفي عام 1976 م قامت وزارة الداخلية باجراء تعديلات تنظيمية جديدة ، كان أبرزها هو انشاء قطاعات رئيسية تحت رئاسة مساعد أول وزير الداخلية ، وكل قطاع يضم قطاعات فرعية يرأسها مساعد الوزير ، كانت هذه القطاعات كالتالي : قطاع الامن العام ، وقطاع الأفراد ، وقطاع الشؤون الادارية والمالية. وأضيف اليه لاحقا ولأول مرة وظيفة مساعد الوزير للتخطيط والمتابعة ، ويعمل تحت اشراف الوزير مباشرة مع قطاع الأمن السياسي ، والأجهزة الاستشارية والرقابية ، تضمن هذا التنظيم أيضا أكاديمية الشرطة ، وتعمل في قطاع التدريب برئاسة مساعد الوزير .

وكانت فلسفة هذا التطور هو اعتماد مبدأ مركزية التخطيط ولا مركزية التنفيذ ، والأخذ بنظام الاشراف الجغرافي لمساعدى الوزير بالمناطق الي جانب الاشراف النوعي. واستمر هذا التطوير حتى صدور القرار الوزاري رقم 1460 لسنة 1979 ، والذي اعتمد تغييرات واسعة استندت مرجعيتها علي الاستفادة من خبرة التجارب السابقة ، ومواكبة التغيرات المجتمعية الجديدة التي فرضت نفسها علي المخطط والمشرع المصري ، فلم تعد الشرطة مجرد جهاز أمني، وانما أصبحت أحد الأجهزة المهمة التي تلتحم بالمواطنين لتوفر لهم الخدمات ، وتتصدى لحماية الجبهة الداخلية في ظروف السلم والحرب ضد مايهدد الوطن ويعرض المواطنين للخطر .

وخلال فترة حكم الرئيس ، ومع بداية حرب أكتوبر المجيدة كان لوزارة الداخلية دورا بالغ الأهمية ، حيث عكف رجال الشرطة علي تأمين الجبهة الداخلية ، والتصدي لأنشطة التخابر والشائعات ، اضافة الي أعمال الدفاع المدني ، وكذلك تدريب وتنشيط المقاومة الشعبية ، وتأمين خطوط المواصلات وتأمين مؤخرة القوات المسلحة ، وكذا تأمين توفير السلع وقمع محاولات التلاعب بالمواد الغذائية . وتخطي دور الداخلية ذلك ، حيث شهد ضباط الداخلية مواجهات مباشرة مع العدو ، واستشهد عدد منهم في معارك السويس ما بين 23 و 29 أكتوبر ، وتكررت تلك الصور البطولية الخالدة في الاسماعيلية ، وبورسعيد ، حيث قام رجال الشرطة بتغطية الطريق الزراعي بين الاسماعيلية وبورسعيد والقنطرة شرق بالكمائن وذلك بهدف عرقلة تقدم العدو ، اذا حاول التقدم بعد الثغرة إضافة إلي تطوع عدد كبير من قوات الأمن المركزي للمشاركة في قوات الصاعقة لتنفيذ العمليات الفدائية ، من ناحية اخرى قيام قسم الدورية اللاسلكية باحباط محاولات قوات العدو لتعطيل أجهزة الرادار الحربية المصرية ، كما نجحت قوات الشرطة في إفشال محاولة العدو في قطع خط إمداد القوات المسلحة بالاسماعيلية وبورسعيد علي طريق العباسية- الاسماعيلية ، حيث قام أفراد الأمن المركزي بتأمين هذا الطريق رغم غارات العدو المستمرة عليهم .

وبعد حادث اغتيال الرئيس السادات ، وتولى الرئيس مبارك المسؤولية الأولي في مصر ، شهدت وزارة الداخلية تحولا نوعيا ، ففي عام 1994 تم إنشاء أكاديمية مبارك للأمن، وفي عام 1995 بدأ مشروع الرقم القومي وهو من أكبر مشاريع السجلات المدنية في مصر حيث تم انشاء بيانات تضم ما يقرب من 88 مليون سجل ميلاد ، تمثل مواليد الجمهورية ، ابتداء من عام 1900 حتى اللحظة ، كما تم انشاء 8 مراكز للمعلومات المدنية بالعواصم الاقليمية علي مستوى الجمهورية ، كذلك انشاء المركز الاعلامي الأمني في عام 1995 م

ومن أبرز المهام التي تقوم بها الشرطة في الوقت الحالي هو مواجهة جرائم مستحدثة لم يعهدها المجتمع المصري ، مثل جرائم الارهاب ، وتجارة العملة ، اضافة الي شركات توظيف الأموال . ونظرًا لهذه الطبيعة الدولية للجرائم ، كان لابد من وجود اتجاه تطويري يدعم سبل العمل من خلال التنسيق المشترك والمتبادل بين وزارة الداخلية والمؤسسات المناظرة لها في مختلف الدول.

لهذا اختارت وزارة الداخلية المصرية أن تبلور لنفسها استراتيجية أمنية شاملة ، تستهدف كافة محاور العمل الوطني ، ومنهجا جديدا في العمل الأمني ، والانتقال من أسلوب رد الفعل في مواجهة الأزمات ، ومن أسلوب ادارة الازمات بعد وقوعها ، الي أسلوب الفعل الأمني المبكر ، لمنع المخاطر والأزمات وتصفية مصادر التهديد، وهو الأمر الذي يتطلب بناء احدث صيغ أمنية متطورة لحماية عملية التنمية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer