الأقسام الرئيسية

الشرطة المصرية من عصر محمد علي حتى ثورة يوليو.

. . ليست هناك تعليقات:
بقلم : عمر شعيب

أصدرت وزارة الداخلية المصرية موسوعة فريدة تعرض لتطور ولدور الشرطة المصرية عبر العصور المختلفة ، ابتداء من العصر الفرعوني الي عصرنا المعاصر ، والموسوعة تحت اسم " الشرطة المصرية عبر التاريخ الوطني " وهي تقع في 6 مجلدات ثمينة المعني والجوهر.

لعبت الشرطة دورا مهما في عصر محمد علي ، وارتكز هذا الدور علي عدم رغبة محمد علي باشا في تكرار حالة الانفلات الأمني والذي كان أحد أهم ملامح فترة حكم المماليك ، ففي هذه الفترة كان الناس يطردون من بيوتهم ، وتنهب أموالهم ومقدراتهم ، وتغتصب نسائهم ، ووصل الأمر الي حد انه كان لا يجرؤ أحد علي السير والخروج في الشوارع بعد غروب الشمس.

لكن مع تولي محمد علي مقاليد الحكم في 5 يوليو 1805 ، قام باعتماد نظام اداري جديد ، قسم من خلاله البلاد الي ولايات وأقسام ادارية مركزية ، وبجانب ذلك بدأ في بناء الجيش المصري الحديث واستعان بخبرة الكولونيل الفرنسي " سيف " والذي عرف لاحقا بعد اسلامه بسليمان باشا ، والذي استطاع أن يصل بعدد جنود الجيش المصري الي أكثر من 100 ألف جندي .

وفي بداية عهده ، لم يفرق محمد علي باشا بين الجيش والشرطة ، ذلك استنادا الي رؤيته لفلسفة كل منهم ، حيث ان جوهر عمل الجيش والشرطة يقوم علي الحفاظ علي الأمن والسلام، حتى انه يذكر في عدد من الكتب التاريخية انه كان يتم أحيانا ترقية أحد العسكريين في الجيش ليتولي منصبا اخرا في الشرطة والعكس صحيح . والشاهد في هذا الاطار انه في عصر محمد علي بدأت الدولة المصرية في بناء جيش ونظام أمني حديث ، مستفيدة من الخبرات الأجنبية في هذا الاطار .

ومع بداية سياسات النهضة الحديثة في مصر ، شهد عصر محمد علي باشا الكثير من الأحداث والتحولات والتمردات السياسية والعسكرية ، ظهر معظمها في مدينة القاهرة ، لذلك أولي محمد علي اهتماما أمنيا كبيرا بها ، فقام بتطوير نظام الشرطة بها ، من خلال تقسيمه المدينة الي ثمانية أثمان ، نسبة الي " ثمن " أو ماعرف حتى وقت قريب ب " التمن ". والثمن هو مايعرف حاليا بقسم الشرطة ، وكانت هذه الأثمان هي : ثمن الموسكي ، و الأزبكية ، و باب الشعرية ، والجمالية ، والدرب الأحمر ، والخليفة ، وثمن السيدة زينب ، اضافة الي ثمن عابدين . وانقسمت الأثمان الي " قلقات " جمع كلمة " قلق " ، والكلمة أصلها التركي هو " قول " وتعني العبودية ، وعبيد الباب هم حراسه ، وأصبحت الكلمة فيما بعد تعني دار الحراسة ، أو مكان اقامة الحراس ، وتعني أيضا دار الشرطة.

واستكمالا لإنشاء الهيكل التنظيمي لجهاز الشرطة ، تم استحداث عدد من الوظائف الأمنية ، مثل " الضابط أفندي " يليه " الباشا أغا " ثم ضباط الأثمان ( وعددهم ثمانية ضباط ) . كما اشتمل الهيكل الاداري للشرطة في عصر محمد علي باشا علي وظيفة " المشايخ " . كذلك وظيفة " الضابطخانة " وهي كلمة مشتقة من اسم رئيس جهاز شرطة العاصمة ، وهو " الضابط أفندي " وعرف أيضا تحت مسمى " البيك الضابط " ، وكان للضابطخانة معاونين تحت اسم " نوبتجيه " وهم الأفراد الموكل اليهم مهمة توصيل الأفراد ، والخطابات من الضابطخانة الي الديوان الملكي. ولفظ الضابخانة اشتق من طبيعة الوظيفة ، حيث يقوم هذا الشخص ب " ضبط الوقائع " وتدوينها ثم عرضها علي المسؤولين .

ومهام الضابطخانة كانت بالأساس تتعلق بالحفاظ علي الأمن في منطقته ، فكان يعهد اليه متابعة الشكاوي ، والتحقيق في الحوادث والمشاجرات ، والكشف علي المواشي المعدة للذبح لضمان سلامتها . أي أنه كان يوجد مايشبه مايعرف حاليا بهيئات الطب البيطري التي تتابع المذابح. كذلك كان مخولا بحبس من يراه متهما في قضية ما ، وهو ما عرف بمصطلح " حبسخانة الضابطخانة " ، كما كان له الحق في الافراج عن المحبوسين . أيضا كانت تقع مهمة التحريات ضمن اختصاصاته ، فكان هناك ما عرف ب " البصاصين " وهم الأفراد الذين يقومون بجمع المعلومات والتحري عن أشخاص وأفراد مشتبه بهم ، ومن ثم رفع تقارير الي الضابطخانة بما توصلوا اليه من معلومات وحقائق .

وعلي مستوى " الثمن " كان يوجد بجانب ضابط الثمن ، عدد من الوظائف الأخري ، مثل معاون الثمن ، ومعاون النظافة ، اضافة الي كاتب الثمن ، و القواصة وهم العسكر الذين يقومون بالقبض علي المتهمين ، كذلك كان يوجد بيت الصحة يقوم بتسجيل حالات الوفاة وتحديد أسبابها ، وهو ما يمكن تشبيه بهيئة الطب الشرعي حاليا . ايضا كان يوجد شيوخ الحارات ، واخيرا العسكر .

وبالنسبة للأوضاع الأمنية في الأقاليم ،استبدل محمد علي نظام " الالتزام " بنظام " المسؤولية الجماعية " أي أن شيخ القرية مسؤول أمام الديوان بالحماية والحفاظ علي الأمن في منطقته ، واذا ما حدث تقصير منه يقع عليه الجزاء هو وكل " الخفر " المساعدين له ، سواء بالسجن ، أو بعزله عن منصبه وحرمان أبنائه وكل أقاربه من تولي هذا المنصب مجددا . واستمر هذا النظام حتى توفي محمد علي باشا ، وخلفه ابراهيم باشا ، ثم عباس الأول ، ولم يحظى الجيش أو الشرطة بنفس درجة العناية والاهتمام التي كانت في عصر محمد علي ، وأنشا عباس الأول حرسا خاصا به عرفوا ب " الأرناؤوط " ، وكان لهم دور كبير في تخريب البلاد ، وسرقة ونهب المحلات التجارية والمنازل ، فعاد الوضع مرة أخرى الي ما كان عليه قبل حكم جده محمد علي .

لكن هذا الوضع تحسن في عهد الخديوي اسماعيل ، حيث أنشات في عهده ما عرف بـ " النظارات " أي الوزارات حاليا ، وقام باصدار قرار بإنشاء نظارة الداخلية ، وقسمت الي عدد من الأقسام الادارية ، عرفت بالأقلام ، فكان من بينها قلم الدواوين وكان مضطلعا بهمة الشؤون الداخلية في النظارة ، كذلك قلم الأقاليم وهو المعني بمتابعة شؤون الأمن في المديريات والفروع الاقليمية المختلفة ، أيضا قلم المضابط ويتولي مهمة أعمال المجالس القضائية . كذلك تم اضافة مهام جديدة لجهاز الشرطة مثل المطافئ ، و حماية الآداب ، والمباحث ، والأمن السياسي ، وشؤون الجمارك . الا أن هذا التطور لم يستمر كثيرا ، خاصة بعد تولي الخديوي توفيق مقاليد الحكم في البلاد ، فتدهورت الأوضاع الأمنية في البلاد بشكل غير مسبوق ، وهو الأمر الذي مهد الي ظهور الثورة العرابية .

وما قامت به الشرطة في الثورة العرابية يعد دليلا واضحا لكل قارئ للتاريخ بعين موضوعية علي الدور الوطني للشرطة ، ورسوخ قيم الولاء الأول والأخير للوطن، من حيث الدفاع والحفاظ عليه من أي معتد، سواء كان أجنبيا أو حتى مصريا . فوقفت الشرطة بجانب الثائر الوطني أحمد عرابي، وذلك علي الرغم من ادراكهم جيدا عواقب هذه المساندة في حال فشلت محاولات عرابي في تغيير الأوضاع . وحتى بعد انتهاء ثورة عرابي ، استمر كفاح الشرطة ضد الاحتلال الانجليزي، حيث تم عقد اجتماع موسع بحضور كبار الضباط والمديرون وممثلي الهيئات الحكومية الأخري في نظارة الداخلية لبحث كيفية صد الاحتلال، فقاموا باعلان رفضهم لمنشور الخديوي الداعي الي الاستسلام للانجليز. وهو الأمر الذي انعكس علي ضباط الشرطة بالسلب فشهدوا حالات من الفصل، والسجن، والتنكيل بكل أنواع التعذيب والاضطهاد وصلت الي حد عقوبة الاعدام .

بعد ذلك سيطرت قوات الاحتلال الانجليزي علي جهاز الشرطة ، فكانت المناصب القيادية بالشرطة يتولاها ضباط انجليز، وامتد ذلك للسيطرة أمنياً علي القاهرة، والاسكندرية، وأسيوط، وصل الأمر الي حد اصدار قرار بتولي ضابط انجليزي وكالة نظارة الداخلية .

واستمرت هذه السيطرة حتى عام 1894 حتى تم اصدار قرار خديوي بتنفيذ مقترحات نوبار باشا ، والتي كان من أهمها الغاء الاشراف الانجليزي علي جهاز الشرطة، ومع توقيع معاهدة 1936 مع بريطانيا بدأ التخلص التدريجي من السيطرة الانجليزية علي جهاز الشرطة المصرية.

وتطور نظام العمل بالشرطة ، فتم تأسيس اول مدرسة للبوليس عام 1936 لدراسة علوم الشرطة المختلفة ، وفي عام 1941 م تغير اسم مدرسة البوليس والادارة الي كلية البوليس الملكية ، وفي عام 1944 م تم الاتفاق علي أن يكون خريجي الكلية هم المصدر الوحيد للالتحاق بجهاز الشرطة.

واستمر دور رجال الشرطة في حماية أمن واستقرار البلاد ، ففي عام 1952 ومع نشوب حريق القاهرة ، بذلت قوات المطافئ جهودا مضنية في اخماد الحريق ، وبتطور الأحداث في نفس العام وقيام حركة الضباط الأحرار وتحويلهم مصر من ملكية الي جمهورية ، واصل جهاز الشرطة دوره الوطني في تحسين الأوضاع ، ومساندة الضباط الأحرار ، ليعبر عن استمرارية دور الشرطة في الحركة الوطنية المصرية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer