هل تستطيع أحزاب الشباب التى جرى الإعلان عن تأسيسها أن تضمن لنفسها وجوداً حقيقياً تحت القبة؟
الثلاثاء، 22 فبراير 2011 - 12:28
هل تسمح لى أن أناقش معك قضية معقدة و((دمها تقيل شوية))؟!!
هل فكرت فى هذا المشهد فى حال جرت الانتخابات البرلمانية المقبلة، بدون هذه السطوة الحكومية والتزويرية التى كان الحزب الوطنى يتمتع بها فى السابق، وبدون استعداد حقيقى من أحزاب المعارضة الأساسية للانتخابات المقبلة؟
الفريق أحمد شفيق، رئيس الحكومة المؤقتة، قال لرؤساء تحرير الصحف المصرية فى اجتماعنا معه السبت الماضى، إن الانتخابات البرلمانية قد تسبق معركة الرئاسة، أى أننا نتوقع انتخابات مجلس الشعب خلال الأشهر القليلة المقبلة، وهنا تبدو المشكلة التى أدعو للنظر فيها، فنحن أمام انتخابات ستجرى بدون حزب مدنى (أساسى) فى مواجهة جماعة الإخوان المسلمين، وبدون حزب قادر على أن يوفر أغلبية آمنة، تضمن مناخا تشريعيا مدنياً مستقراً فى البلاد، ويحمى المجلس من الانقسامات الحادة فى الفكر التشريعى والرقابى.
أنا لا أدعوك للخوف من الإخوان المسلمين، لكننى فقط أدعوك لأن تتأمل معى حال البرلمان المقبل بدون أحزاب كبرى، قادرة على ضمان هذه الأغلبية، وبوجود مكثف للإخوان المسلمين الأكثر قوة، والأكثر تنظيماً، الأمر هنا قد يدفعنا إلى مرحلة من العمل البرلمانى لم نجربها من قبل، وقد نشهد برلمانا بأغلبية إخوانية، أو إننا سنكون أمام توازن سياسى وحزبى من نوع جديد؟
أرجو أن تضع فرقا هنا بين إيمانى بدور سياسى للإخوان المسلمين فى العمل العام فى مصر، وبين ملاحظاتى على فكرة السيطرة الكاملة للإخوان على البرلمان، فأنا أستطيع أن أقبل من الناحية الليبرالية التعايش مع الجماعة، لكننى لا أستطيع أن أتصور بسهولة شكل البرلمان، أو شكل مصر بالكامل فى حال سيطرة الإخوان على العمل التشريعى، أعرف أن الإخوان يغضبون كثيراً من هذا النوع من الملاحظات، ولكننى لا أستطيع أن أمنع نفسى من طرح السؤال، فهل سيتوقف حلم الإخوان عند السيطرة البرلمانية، أم قد تغريهم هذه القوة بالسعى نحو سيطرة أوسع على مقاليد السلطة فى البلاد، ولا أعرف إذا تحقق ذلك هل سنحقق الديمقراطية التعددية التى خرجت من أجلها الثورة، أم إننا سنرجع، لا قدر الله، إلى المربع رقم صفر.
لا يمكن لأحد أن يقصى الإخوان من اللعبة السياسية بعد الخامس والعشرين من يناير، وفى نفس الوقت لا يمكن لأحد أن يضمن ما الذى يمكن أن تقوم به الجماعة، عندما تؤول إليهم مفاتيح التشريع والرقابة والسلطة؟
مرة أخرى لا أدعوك للانزعاج، ولكن أدعوك لأن تفكر معى: ما هو الحزب المدنى الذى سيخوض الانتخابات المقبلة معبراً عن تيار المدنية الليبرالية المصرية، بشكلها الذى كنا نناضل من أجله قبل الثورة؟ هل تستطيع أحزاب الشباب التى جرى الإعلان عن تأسيسها أن تضمن لنفسها وجوداً حقيقياً تحت قبة مجلس الشعب؟ وهل تستطيع منافسة الإخوان فى المعركة؟
كل هذه أسئلة للتأمل فى شكل الساحة السياسية فى مصر خلال السنوات الخمس المقبلة، أنت ربما تعرف أننى شخصيا كنت أراهن كثيرا على حزب الوفد، باعتبار أن الوفد تاريخيا هو حزب الليبرالية المصرية، ولكننى فى الوقت نفسه لا أثق تماما أن الوفد جاهز لكى ينافس الإخوان المسلمين فى الانتخابات المقبلة، ولا يمكن تصور أن حزبى التجمع والناصرى قادران على براعة التنظيم السياسى الذى يتمتع به الإخوان المسلمون، ولا يمكن أن نتخيل أيضاً تحالفاً بين الأحزاب الجديدة التى انطلقت بعد الثورة، وتلك الأحزاب الكلاسيكية الأكثر عراقة فى العمل السياسى منذ تجربة المنابر وحتى اليوم.
هذا المشهد معقد (ودمه تقيل) كما قلت لك، فالتحدى هنا ليس فى ضخ وجوه جديدة للبرلمان عبر انتخابات تشريعية حرة، ولكن المعركة الحقيقية هى صناعة نسيج متجانس للتكتلات السياسية المصرية، يضمن تداولاً شفافاً للسلطة، وإذا خاضت أحزاب ما بعد الثورة الانتخابات المقبلة، فإنها قد تخلق مجلساً مشتتاً بين أفكار وأحزاب متعددة، وهذه التكتلات الصغيرة لن تضمن استقراراً تشريعياً مدنياً على الإطلاق.
أرجو هنا أن ينتبه صناع السياسة فى مصر إلى هذا التحدى، والسعى مبكرا إلى تشكيل قوام حزب مدنى متكامل، أو ائتلاف مدنى موسع يستطيع بناء سياسات واستراتيجيات مثمرة للبلاد، ومن دون ذلك فقد ندخل إلى أزمات متعددة من الشتات الفكرى والتشريعى، ومن السيطرة الكاملة للإخوان على مقدرات الأمر فى البلاد دون أن يعلنوا من جانبهم عن بادرة، يمكن أن نطمئن إليها لضمان استمرار الدولة المدنية كما نعرفها، أو كما نحلم بها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات