September 7th, 2011 10:28 am
هل أنت من الذين يحبطهم تفشِّى الحديث عن أن ثورة يناير كانت مؤامرة
خارجية؟ هل تضايقك السموم التى ينفثونها بحق ثورتنا فى كل مكان؟ هل يحزنك
اقتناع بعض البسطاء بذلك الكلام الذى لا يحترم دماء الشهداء ولا تضحيات
الثوار؟ نصيحتى الشخصية: لا تهتم بكل ذلك الهراء ولا تبذل أدنى مجهود فى
الرد عليه، لكن ذلك لا يعنى أن تتوقف عن قراءة هذا المقال وتذهب لحال
سبيلك، فما سأقوله لك لاحقا هو الذى سيجعلك تجمد قلبك وأنت تتجاهل ذلك
الهراء.
إذا كنت تحب أن أجيب لك من الآخر، دعنى أقل لك إنه يمكن فعلا دحض كل هذا الهراء الذى يبدو بعضه علميا ومدعما بالأدلة، فى حين لا يبذل بعضه الآخر أدنى مجهود فى إخفاء حقيقة أنه محض هراء، وأنجع وسيلة لذلك هى أن نتحرك جميعا وسط الناس، لكى نكون ثورة تمشى على الأرض، ليس بالصوت العالى والجعجعة والعصبية، بل بالفهم والوعى والقدرة على التواصل مع الناس وتحمل مخاوفهم واحتواء همومهم، ببساطة أنت واجهة الثورة، فانظر كيف جعلت مَن حولك يتواصل معها، وستعرف: هل أحسنت إليها أو أنك أسأت إليها بأكثر مما أساء الذين اتهموها بأنها مؤامرة؟ إذا كنت ترى أن كلامى محض وعظ، لا طائل من ورائه وأننى لم آتك بالجديد الذى وعدتك به، فدعنى أقل لك إن جديدى اليوم قديم، لكن أحدا لا يذكّر الناس به، ببساطة لا توجد ثورة كبرى لم تتعرض للاتهام بأنها كانت مؤامرة، وكان ذلك الاتهام وسيلة أعدائها لمقاومتها، أو وسيلة الذين لم يشاركوا فيها لتبرير خذلانهم لها، ودائما كانت تلك الاتهامات تموت عندما تمضى الثورة قُدما وتشق طريقها لتصبح واقعا أقوى من التشنيعات والاتهامات، فيتحول الذين شككوا فيها إلى مؤيدين لها، طمعا فى مكاسبها، أو حتى قانعين بكف أذاهم عنها خوفا على أنفسهم.
فى مذكرات العالم الأزهرى العظيم الشيخ عبد الوهاب النجار عن وقائع ثورة 1919 (الأيام الحمراء) التى أصدرتها دار الكتب والوثائق القومية قبل ثورة يناير بتقديم وتحقيق المؤرخ الفذ أحمد زكريا الشلق، يروى النجار أن الإنجليز حاولوا مقاومة الثورة بالتأكيد على أن أعداءهم الألمان يقفون وراءها، وتحدثوا كثيرا عن نقود ألمانية تقوم بتمويلها، لكنهم لم ينجحوا، لا هم ولا مناصروهم المصريون فى إثبات ذلك، وعندما فشل السيناريو الألمانى ظهر سيناريو آخر يتداوله الكارهون للثورة من أبناء مصر، إما لأنهم اعتبروا أنها تضرب مصالحهم مع الإنجليز وإما بسبب خوفهم من المجهول، حيث قالوا إن جمعية الاتحاد والترقى التركية التى كانت تصارع ضد الخلافة العثمانية هى صاحبة اليد الطولى فى إثارة الثورة، والغريب أن الشيخ النجار رغم أنه كان يمتلك عقلا نقديا بديعا، جعله يتصدى بالتحليل لكل ما عايشه، منتقدا كثيرا مما عايشه من شطحات وأخطاء، فإنه لم يضيّعْ أكثر من سطر ونصف للرد على ما قيل، حيث كتب بالنص: «فما أسخف العقول التى تتصور ذلك! وما أحط النفوس التى تسمح لنفسها باعتقاد هذه السخافات» بس، هذا كل ما قاله فى مذكراته البديعة التى أرجو أن أعرضها لك بالتفصيل عندما تروق الأحوال قليلا بإذن الله.
كلام مشابه لهذا -وإن كان أكثر علمية وتحليلا- كتبه دارس الثورات كرين برنتون الذى فلقت دماغك به، حيث قال إن «كل الثورات شهدت جدلا حول ما إذا كانت مؤامرة أم لا، المعارضون للثورة الفرنسية ظلوا يصرون على أنها كانت من فعل أقلية مدبرة خبيثة من الماسونيين والمهيجين المحترفين الذين سيطروا على الصحف فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر واعتادوا العمل منظمين. فى حالة الثورة الروسية ما زال بعض المهاجرين الروس يؤمنون بأن أقلية من البلشفيك ممّن لا ضمير لهم تآمروا لقيام ثورتى فبراير وأكتوبر 1917، وفى نظر أنصار أسرة ستيوارت كانت الثورة الكبرى مؤامرة ناجحة، لسوء الحظ قام بها الكلفانيون المحبون للمال ضد إنجلترا ذات التقاليد. وفى الثورة الأمريكية لم تختف نظرية المؤامرة فى التفسير.
نستطيع أن نستنتج من كل تلك الوقائع قانونا، هو أن الثوار المنتصرين ينسبون نجاحهم دائما إلى قيام الغالبية فى وجه الطغيان الفظيع، أما مؤيدو النظام القديم المهزوم فإنهم ينسبون فشلهم إلى خطط أقلية من الأشرار المهرة الذين لا ضمير لهم، وكلا التفسيرين لا يعنى بالتفسير العلمى للحقائق ويستهدف إرضاء العواطف البشرية بهذا الهراء، لأن الثورات تنمو فعلا من بذور، غرسها أناس يريدون التغيير ويبذلون جهدا كبيرا فى تنظيم حديقتهم، لكنهم لا يعملون ضد الطبيعة، بل يعملون فى تربة وطقس ملائمين لعملهم، وثمار الثورة تمثل التعاون بينهم وبين الطبيعة المحيطة بهم».
لاحظ أن ما أنجح هذه الثورات أو أفشلها فى النهاية كان قدرتها على التطور والتواصل مع الشعب، فعندما نجحت لم يتذكر الشعب سيناريوهات المؤامرة، وعندما فشلت انشغلوا بفظائع فشلها أكثر من ملابسات قيامها. أتذكر هنا الكاتب محمد جلال كشك الذى أحب أسلوبه كثيرا رغم اختلافى مع الكثير من أفكاره عندما بذل جهدا مضنيا فى التأكيد على أن ثورة يوليو كانت أمريكية الصنع، مستعينا بترجمات وتفسيرات لا حصر لها، لكن ما أسقط ثورة يوليو فى النهاية لم يكن أنها كانت مؤامرة أمريكية، بل لأنها فشلت فى تحقيق أهدافها التى كان يمكن أن تكفل لها الحياة. المعنى واضح يا صديقى إذا كنت غاضبا، لأن كثيرا ممن حولك مقتنعون بأن الثورة مؤامرة، فعليك أن تسعى -شخصيا- لإنجاحها بالعبور بها إلى مرحلة الحكم الديمقراطى المنتخب الذى لن يشهد الناس ثمار الثورة الحقيقية إلا من خلاله، إذا كنت تخاف من تزوير الانتخابات فقاوم من أجل أن لا يحدث ذلك بكل ما تستطيعه، استحضر ثانية روح 25 يناير عندما هتفنا جميعا «يا أهالينا انضموا لينا قبل بلدنا ما تغرق بينا» تذكر أن الثورة لم تتفجر إلا عندما صدق كثير من الناس هتافنا، لذلك لا تتعال على الناس، لا تجعلهم يأخذون عنك دائما انطباع الثائر العصبى ضيق الخلق، لا تنشر اليأس فى من حولك، قاوم الحجة بالحجة، إذا وجدت حجة أقوى منك فلا تلجأ إلى الشتيمة، بل إلى المعرفة، تذكر أنك أنت أخطر على الثورة من اتهامها بالمؤامرة، واشعر أن فى يدك وحدك مفتاح نجاحها أو فشلها، كن واثقا بنفسك فأنت وحدك الذى تعرف أن الثورة لم تكن مؤامرة، وأنت وحدك الذى تستطيع أن تقنع الناس بذلك.
اللى يحب الثورة يزق!
إذا كنت تحب أن أجيب لك من الآخر، دعنى أقل لك إنه يمكن فعلا دحض كل هذا الهراء الذى يبدو بعضه علميا ومدعما بالأدلة، فى حين لا يبذل بعضه الآخر أدنى مجهود فى إخفاء حقيقة أنه محض هراء، وأنجع وسيلة لذلك هى أن نتحرك جميعا وسط الناس، لكى نكون ثورة تمشى على الأرض، ليس بالصوت العالى والجعجعة والعصبية، بل بالفهم والوعى والقدرة على التواصل مع الناس وتحمل مخاوفهم واحتواء همومهم، ببساطة أنت واجهة الثورة، فانظر كيف جعلت مَن حولك يتواصل معها، وستعرف: هل أحسنت إليها أو أنك أسأت إليها بأكثر مما أساء الذين اتهموها بأنها مؤامرة؟ إذا كنت ترى أن كلامى محض وعظ، لا طائل من ورائه وأننى لم آتك بالجديد الذى وعدتك به، فدعنى أقل لك إن جديدى اليوم قديم، لكن أحدا لا يذكّر الناس به، ببساطة لا توجد ثورة كبرى لم تتعرض للاتهام بأنها كانت مؤامرة، وكان ذلك الاتهام وسيلة أعدائها لمقاومتها، أو وسيلة الذين لم يشاركوا فيها لتبرير خذلانهم لها، ودائما كانت تلك الاتهامات تموت عندما تمضى الثورة قُدما وتشق طريقها لتصبح واقعا أقوى من التشنيعات والاتهامات، فيتحول الذين شككوا فيها إلى مؤيدين لها، طمعا فى مكاسبها، أو حتى قانعين بكف أذاهم عنها خوفا على أنفسهم.
فى مذكرات العالم الأزهرى العظيم الشيخ عبد الوهاب النجار عن وقائع ثورة 1919 (الأيام الحمراء) التى أصدرتها دار الكتب والوثائق القومية قبل ثورة يناير بتقديم وتحقيق المؤرخ الفذ أحمد زكريا الشلق، يروى النجار أن الإنجليز حاولوا مقاومة الثورة بالتأكيد على أن أعداءهم الألمان يقفون وراءها، وتحدثوا كثيرا عن نقود ألمانية تقوم بتمويلها، لكنهم لم ينجحوا، لا هم ولا مناصروهم المصريون فى إثبات ذلك، وعندما فشل السيناريو الألمانى ظهر سيناريو آخر يتداوله الكارهون للثورة من أبناء مصر، إما لأنهم اعتبروا أنها تضرب مصالحهم مع الإنجليز وإما بسبب خوفهم من المجهول، حيث قالوا إن جمعية الاتحاد والترقى التركية التى كانت تصارع ضد الخلافة العثمانية هى صاحبة اليد الطولى فى إثارة الثورة، والغريب أن الشيخ النجار رغم أنه كان يمتلك عقلا نقديا بديعا، جعله يتصدى بالتحليل لكل ما عايشه، منتقدا كثيرا مما عايشه من شطحات وأخطاء، فإنه لم يضيّعْ أكثر من سطر ونصف للرد على ما قيل، حيث كتب بالنص: «فما أسخف العقول التى تتصور ذلك! وما أحط النفوس التى تسمح لنفسها باعتقاد هذه السخافات» بس، هذا كل ما قاله فى مذكراته البديعة التى أرجو أن أعرضها لك بالتفصيل عندما تروق الأحوال قليلا بإذن الله.
كلام مشابه لهذا -وإن كان أكثر علمية وتحليلا- كتبه دارس الثورات كرين برنتون الذى فلقت دماغك به، حيث قال إن «كل الثورات شهدت جدلا حول ما إذا كانت مؤامرة أم لا، المعارضون للثورة الفرنسية ظلوا يصرون على أنها كانت من فعل أقلية مدبرة خبيثة من الماسونيين والمهيجين المحترفين الذين سيطروا على الصحف فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر واعتادوا العمل منظمين. فى حالة الثورة الروسية ما زال بعض المهاجرين الروس يؤمنون بأن أقلية من البلشفيك ممّن لا ضمير لهم تآمروا لقيام ثورتى فبراير وأكتوبر 1917، وفى نظر أنصار أسرة ستيوارت كانت الثورة الكبرى مؤامرة ناجحة، لسوء الحظ قام بها الكلفانيون المحبون للمال ضد إنجلترا ذات التقاليد. وفى الثورة الأمريكية لم تختف نظرية المؤامرة فى التفسير.
نستطيع أن نستنتج من كل تلك الوقائع قانونا، هو أن الثوار المنتصرين ينسبون نجاحهم دائما إلى قيام الغالبية فى وجه الطغيان الفظيع، أما مؤيدو النظام القديم المهزوم فإنهم ينسبون فشلهم إلى خطط أقلية من الأشرار المهرة الذين لا ضمير لهم، وكلا التفسيرين لا يعنى بالتفسير العلمى للحقائق ويستهدف إرضاء العواطف البشرية بهذا الهراء، لأن الثورات تنمو فعلا من بذور، غرسها أناس يريدون التغيير ويبذلون جهدا كبيرا فى تنظيم حديقتهم، لكنهم لا يعملون ضد الطبيعة، بل يعملون فى تربة وطقس ملائمين لعملهم، وثمار الثورة تمثل التعاون بينهم وبين الطبيعة المحيطة بهم».
لاحظ أن ما أنجح هذه الثورات أو أفشلها فى النهاية كان قدرتها على التطور والتواصل مع الشعب، فعندما نجحت لم يتذكر الشعب سيناريوهات المؤامرة، وعندما فشلت انشغلوا بفظائع فشلها أكثر من ملابسات قيامها. أتذكر هنا الكاتب محمد جلال كشك الذى أحب أسلوبه كثيرا رغم اختلافى مع الكثير من أفكاره عندما بذل جهدا مضنيا فى التأكيد على أن ثورة يوليو كانت أمريكية الصنع، مستعينا بترجمات وتفسيرات لا حصر لها، لكن ما أسقط ثورة يوليو فى النهاية لم يكن أنها كانت مؤامرة أمريكية، بل لأنها فشلت فى تحقيق أهدافها التى كان يمكن أن تكفل لها الحياة. المعنى واضح يا صديقى إذا كنت غاضبا، لأن كثيرا ممن حولك مقتنعون بأن الثورة مؤامرة، فعليك أن تسعى -شخصيا- لإنجاحها بالعبور بها إلى مرحلة الحكم الديمقراطى المنتخب الذى لن يشهد الناس ثمار الثورة الحقيقية إلا من خلاله، إذا كنت تخاف من تزوير الانتخابات فقاوم من أجل أن لا يحدث ذلك بكل ما تستطيعه، استحضر ثانية روح 25 يناير عندما هتفنا جميعا «يا أهالينا انضموا لينا قبل بلدنا ما تغرق بينا» تذكر أن الثورة لم تتفجر إلا عندما صدق كثير من الناس هتافنا، لذلك لا تتعال على الناس، لا تجعلهم يأخذون عنك دائما انطباع الثائر العصبى ضيق الخلق، لا تنشر اليأس فى من حولك، قاوم الحجة بالحجة، إذا وجدت حجة أقوى منك فلا تلجأ إلى الشتيمة، بل إلى المعرفة، تذكر أنك أنت أخطر على الثورة من اتهامها بالمؤامرة، واشعر أن فى يدك وحدك مفتاح نجاحها أو فشلها، كن واثقا بنفسك فأنت وحدك الذى تعرف أن الثورة لم تكن مؤامرة، وأنت وحدك الذى تستطيع أن تقنع الناس بذلك.
اللى يحب الثورة يزق!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات