بقلم د.حسن نافعة ٢٥/ ٥/ ٢٠١١
تحدثت فى مناسبات كثيرة عن شهداء ثورة ٢٥ يناير، الذين ضحوا بأرواحهم لتحيا مصر، وليعيدوا إليها الأمل فى غد أفضل بعد أن حرروها من أسر نظام كاد يقضى عليها ويحيلها جثة هامدة. وعندما زرت بنى سويف منذ شهور لمشاركة شبابها احتفالاتهم بانتصار الثورة، لفت نظرى وجود عدد من السيدات المتشحات بالسواد، تبين لى فيما بعد أنهن أمهات شهداء سقطوا أثناء الثورة، وشكون لى بمرارة أن أحدا لم يعترف بأبنائهن كشهداء. وعندما سألت عن السبب أجاب البعض بأن المحافظ كان قد صرح فى إحدى القنوات التليفزيونية فى أواخر أيام الثورة، ربما فى معرض دفاعه عن انضباط الشرطة فى محافظته، بعدم سقوط قتيل واحد فى محافظته كلها إبان الثورة!. ومن الطبيعى، بعد تصريح من هذا النوع، أن تمتنع الأجهزة الإدارية فى المحافظة عن اتخاذ إجراء قد ينطوى على اعتراف ضمنى باستخدام العنف ضد المتظاهرين. لذا طالبت وقتها بأن تتولى جهة واحدة معتد بها مسؤولية تسجيل وحصر شهداء ثورة ٢٥ يناير، لتسهيل حصول أسرهم على حقوقهم المادية المستحقة، خصوصا أن أغلبهم ينتمون إلى الشرائح الاجتماعية الأقل حظا، ولتمكين الباحثين والمؤرخين من تتبع سيرتهم وتدوين الأدوار التى لعبوها إبان الثورة، تخليدا لذكراهم العطرة وحفاظا على حقوقهم الأدبية والمعنوية. واجب الاهتمام بالشهداء يجب ألا ينسينا واجباً أهم، وهو الاهتمام بالجرحى والمصابين، انطلاقا من حكمة مستقرة تقول بأن «الحى أبقى من الميت». فالعدد الرسمى للمصابين إبان أحداث الثورة يقترب من سبعة آلاف شخص، أما العدد غير الرسمى، والأقرب للحقيقة، فيقترب من عشرة آلاف شخص، وهو عدد ضخم يذكرنا بحقيقة ما جرى فى تلك الأيام المجيدة من تاريخ مصر، حيث دارت حرب حقيقية بين الشعب وأجهزة أمن النظام. وكما أن وراء كل شهيد قصة بطولة أسهمت فى صنع الانتصار، ومن ثم تستحق أن تروى، فالأرجح أن وراء كل جريح قصص بطولة كثيرة تستحق أن تروى، وهى لا تخص المصاب وحده، ولكنها تخص أيضا كل الذين أسهموا بشكل أو بآخر فى إنقاذ حياته أو فى تقديم العلاج والرعاية اللازمين له. من بين القصص التى تستحق أن تروى عن هؤلاء الجرحى الأبطال قصة الدكتور مصعب أكرم الشاعر، الذى ورد اسمه فى عمودى أمس وأمس الأول. ومصعب هو طبيب شاب، يقول شهود عيان إنه لعب دورا بطوليا بالفعل يوم ٢٨ يناير، المعروف بجمعة الغضب، وكان أحد الذين انهالت عليهم رصاصات الغدر التى استهدفت القتل مع سبق الإصرار، وعانى كثيرا من الإهمال فى المستشفيات الحكومية. حكى لى الدكتور ممدوح حمزة أن هذا الطبيب البطل نقل من ميدان التحرير بين الحياة والموت، بعد أن ترك ينزف بغزارة لساعات طويلة وقد تحطمت عظامه وتشوهت أجزاء كثيرة من جسده، ثم مكث شهرا كاملا بلا رعاية طبية تقريبا إلى أن تمكنت مؤسسات المجتمع المدنى فى مصر من العثور على مكان لعلاجه فى أحد المستشفيات الألمانية. ولأن نقله إلى ألمانيا تطلب تجهيزات خاصة، حيث تعين إخلاء تسعة مقاعد فى الطائرة لهذا الغرض، فقد تم اللجوء إلى شركة مصر للطيران التى قبلت مشكورة تحمل معظم تكاليف النقل. بفحص الطبيب المصاب تبين أن بجسده ٣٤٠ (ثلاثمائة وأربعين) قطعة من المواد الصلبة (شظايا وطلقات رصاص)، مما جعل الممرضة التى تعنى به تعتقد أنه جندى أصيب فى إحدى ساحات الحرب فى العراق أو أفغانستان، وأصابها الذهول حين تبينت أنه قادم من ميدان التحرير فى القاهرة، الذى كان قد أصبح اسماً شائعاً على كل لسان. وقد علمت أن تكلفة علاج الدكتور مصعب ٢٤٠ ألف يورو (حوالى ٢ مليون جنيه) تكفل بها المستشفى الألمانى، تقديرا منه للثورة المصرية. ولأن هذا المبلغ الكبير كان أقصى ما يستطيع المستشفى تدبيره من صندوقه الخاص، فقد تعين تدبير النفقات الإضافية اللازمة للعلاج الطبيعى، وهو عبء يبدو أن مؤسسات المجتمع المدنى المصرى تتحمل الشطر الأكبر منه. رعاية جرحى الثورة وتأمين مستقبلهم يتعين أن تحظى بأولوية متقدمة وتحتاج إلى مؤسسة ضخمة ومتخصصة تقوم بها. ولحسن الحظ يبدو أن جهود الخيرين من أبناء مصر قد بدأت تثمر فعلا فى هذا الاتجاه، فنأمل من الجميع تقديم الدعم اللازم، وأنتهز الفرصة لتوجيه الشكر إلى كل من رعى جريحا أو أسى على شهيد وعلى رأسهم الدكتور ممدوح حمزة والدكتور محمد أبوالغار. بقى أن نواصل جهادنا حتى لا يفلت المجرمون من العدالة. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات