«السيد...
تحية طيبة وبعد،
أكتب لسيادتكم باعتباركم من أوائل من طالبوا بالتغيير ومن أشد المعارضين للنظام السابق لافتقاده الديمقراطية ولاستشراء الفساد على كل المستويات. ولا يخفى على سيادتكم ما ترتب على انتشار الفساد من إضرار بالمال العام بما أثر على اقتصاد البلاد وحرمان طبقات الشعب من الاستفادة بخيراته لاستئثار قلة قليلة بموارد الدولة بحيث أصبحنا نسمع عمن لديه المليارات ونرى من يقتات من صناديق القمامة.
وفى هذا المقام أود أن أوضح أن سبب انتشار الفساد، بخلاف عدم وجود ديمقراطية حقيقية وتداول للسلطة، يعود إلى عدم وجود آلية قضائية ذات سلطة عليا تكون مهمتها القضاء على الفساد وترك الأمور فى يد النظام بلا رقيب، ومن ثم فلابد من وجود آلية قضائية ذات سلطة عليا يمكنها محاسبة جميع المسؤولين، بمن فى ذلك رئيس الدولة ذاته، وهم فى السلطة. وهذا الأمر ليس بجديد وليس بمثابة اختراع للعجلة، فهذا النظام موجود فى معظم الدول الأوروبية وفى إسرائيل، ورأيناه عندما قامت المدعية العامة باستدعاء (أرئيل شارون) رئيس وزراء إسرائيل الأسبق وهو فى سدة السلطة، وقامت بالتحقيق معه فى واقعة فساد. هذه السلطة القضائية أخذتها الدول الأوروبية عن الدولة الإسلامية بما كان يعرف بقاضى المظالم.
وقد يثور التساؤل عن إمكانية وجود هذه السلطة فى مصر من عدمه. والإجابة عن ذلك أنها موجودة بالفعل وهى هيئة قضايا الدولة، أقدم هيئة قضائية فى مصر التى أنشئت فى عام 1875 لمواجهة القضاء المختلط، وخرج من رحمها القضاء العادى، وقضاء مجلس الدولة، والنيابة الإدارية وعمل بهذه الهيئة كل من سعد زغلول، وقاسم أمين، والمستشار عبدالحميد بدوى، والمستشار عوض المر (رئيس المحكمة الدستورية الأسبق). وقد عمد النظام السابق إلى إضعافها بعدم النص عليها فى الدستور وجعلها هيئة قضائية وليست سلطة قضائية وبعدم إعطائها السلطات المعطاة لمثيلاتها فى الأنظمة المتقدمة حتى لا تستطيع أن تحاسب السلطة التنفيذية، ومن ثم فإن النص عليها فى الدستور وتعديل قانونها لتفعيلها لتكون سلطة قضائية عليا تكون لها وظيفتان. أولاهما: وقائية لمنع وقوع الاعتداء على المال العام. والأخرى: إحالة الفاسدين للمحاكمة واسترداد أموال الشعب.
للسيد المستشار الدكتور عبدالله أحمد خلف (نائب رئيس هيئة قضايا الدولة) بحث نال عليه درجة الدكتوراة فى الحقوق عنوانه (نظرية الدفاع القضائى عن الدولة)، تضمن إنشاء سلطة قضائية عليا تفوق سلطتها السلطة التنفيذية، بما فيها رئيس الدولة، وتتمتع بحصانات كافية لمواجهة السلطة التنفيذية، وتكون متواجدة فى جميع أجهزة الدولة لمنع جرائم الفساد وقبل وقوعها، وإذا ما شرع أحد المسؤولين أو استولى بالفعل على المال العام تحيله هذه السلطة القضائية العليا للمحاكمة واتخاذ إجراءات استرداد الأموال المستولى عليها. وحيث إن هذا البحث القيم لم تتم الاستفاده منه حتى الآن، على الرغم من إتمامه منذ عام 1995، فإنه وإن كان مقبولا فى ظل النظام السابق عدم الاستفادة من العلم والعلماء، فمن غير المقبول أن يظل الوضع هكذا بعد ثورة «25 يناير» ومن ثم فإنه يتعين الاستفادة من البحث المذكور ومما وصلت إليه الدول المتقدمة فى هذا المجال.
وتفضلوا سيادتكم بقبول أسمى آيات الاحترام والتقدير
المستشار / فتحى أحمد سرحان
(هيئة قضايا الدولة)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات