وإذا كانت ثورة 25 يناير العظيمة قد قامت من أجل إقرار قيمة مهمة فى المجتمع، وترسيخها، فهذه القيمة هى العدل بكل أشكاله، فليس هناك ما هو أعظم منه، ولابد أن يكون العدل، والحال هكذا، متاحاً لأعداء الثورة وخصومها، بمثل إتاحته بالضبط، لأنصارها، ومناصريها، ومؤيديها، سواء بسواء.. فالعدل قيمة عظمى واحدة يستحيل أن تتجزأ، وإذا تجزأت فسوف نكون، دون أن ندرى، نمارس نفس ما كان النظام السابق يقع فيه، حين كان العدل - من جانبه - يتجزأ، وكان هذا - مثلاً - من حقه أن يحظى بمحاكمة عادلة، ثم كان ذاك - مثلاً أيضاً - لا يحظى بالمحاكمة نفسها، ولا يعرفها!
وإذا كانت هناك ملاحظة أساسية، على أصداء حديث الرئيس السابق، إلى قناة العربية، بين الغالبية من الناس، فهذه الملاحظة هى أن هناك رغبة فى الإدانة، قبل المحاكمة، وهذا ما نحذر من الوقوع فيه، وما نربأ بالثورة العظيمة أن تنجرف إليه، لأن أى متهم فى الدنيا، لابد أن يجرى معه التحقيق، أولاً، ثم يحال إلى محاكمة، ثانياً، ثم يصدر عليه حكم، ثالثاً، سواء بالإدانة، أو البراءة.. هذا هو السياق الطبيعى لأى نوع من أنواع التقاضى، وعلينا بالتالى أن نسأل أنفسنا بأمانة، هذا السؤال: هل نريد الإدانة، لأى شخص، وليس للرئيس السابق وحده، قبل التحقق، ثم التحقيق، ثم المحاكمة، أم أن التحقيق ومعه المحاكمة، يجب أن يسبقا أى حكم من أى نوع؟!.. هذا هو السؤال الذى يتعين أن يشغلنا، طول الوقت، وألا يغيب عن أعيننا لحظة واحدة.. وإلا.. فإننا سوف نجد أنفسنا فى النهاية منساقين إلى ما كانت ثورة يوليو قد وقعت فيه، عند قيامها، حين تجاهلت القانون، وتجاهلت الدستور، وراحت تعمل على تفصيلهما بالمقاس، فوجدنا أنفسنا بعد قيامها بنحو 60 عاماً، أمام ما نحن أمامه الآن.. أو بمعنى أدق أمام ما كنا أمامه يوم 24 يناير الماضى، وقبل قيام الثورة بساعات!
يجب أن نوطّن أنفسنا، منذ الآن، على أن حكم القانون هو الذى له أن يكون الأعلى، فى كل وقت، للخصوم قبل الأنصار، فساعتها سوف تتحقق العدالة، كقيمة، على الأرض، ويجب أن نعمل جميعاً على ترشيد عاطفة الجماهير المندفعة، فمن حق هذه الجماهير أن تغضب، وأن تثور، وأن تسخط، ولكن علينا نحن فى الجهة المقابلة، كعقلاء فى كل مكان، ألا نسمح بتكرار ما كان يحدث لدى الرومان زمان، حين كانت الجماهير تصطف وتلتف حول ملعب واسع تتصارع فيه الأسود الجائعة، وكانت هذه الجماهير تصيح بالفرحة المنتشية، كلما ألقوا بشخص إلى الأسود تلتهمه!
تجاوز القانون، أو تجاهله، يمكن أن يكون شجياً، ومثيراً، ولكنه مدمر، وفى المقابل فإن حكم القانون يمكن أن يكون بطيئاً، ولا يكون بطبيعته مثيراً، ولا شجياً.. ولكن.. مع وضع ألف خط تحت «لكن» هذه، علينا أن ننتبه بكل حواسنا إلى أن تجاهل القانون أو تجاوزه، يمكن أن يجعل منك أنت، أو منى أنا، أو منها هى، أو منا جميعاً: ضحية.. وليس من خصومنا فقط!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات