الطب بدون هندسة طبية يعود بنا إلى عصر الكهنة والسحرة والعلاج بالراوند والبردقوش، الطب الحديث بنى مجده وتقدمه وإبهاره على أكتاف الفيزياء والكيمياء والرياضيات وعلوم الكمبيوتر، بمجرد دخولك إلى أى مستشفى محترم ستجد بصمات الهندسة الطبية الحيوية فى كل حجرة، وستشم أنفاس المهندس الطبى فى كل ركن، يكفى أن تنظر إلى جهاز الرنين المغناطيسى والسونار ومضخة الأنسولين والأذن الصناعية وغسيل الكلى والجاما كاميرا والماموجراف وجهاز رسم العضلات... إلخ، تخيلوا هذا المهندس الذى يدرس أصعب منهج علمى يجمع بين الطب والهندسة، بين التشريح والفسيولوجى والميكانيكا والكمبيوتر، تخيلوا هذا المهندس الذى لابد أن نحتفظ به كجوهرة نفيسة نادرة نفاخر بها العالم كله، ألقينا به فى سلة قمامة الإحباط والاكتئاب، وأجبرناه على الهجرة لاعناً اليوم الذى دخل فيه هذا القسم كواحد من أوائل الكلية، وكتبنا فى خانة بطاقته مهندس كهربا!
وصلتنى عدة رسائل من خريجى قسم الهندسة الطبية تصرخ من الظلم والإهمال، تفوقوا ودرسوا وسهروا وراهنوا على المستقبل لكن النتيجة «صفر»، نفق معتم فى بلد صار فيه الطب سبوبة، والمهندس سباك صيانة، وإدارة المستشفيات سبوبة سمسرة لمناقصات الأجهزة الطبية، صار المهندس الطبى مجرد بصمجى على مناقصة، أو حامل ملفات ومفكات، أو مجرد محلل لزواج الفساد من الطب، وعقد قران النصب على الصحة.
وصلنى من المهندس محمد عادل البسيونى صرخة ألم يقول فيها: «ببساطة الجهاز الطبى اليوم هو الشريك الأساسى للطبيب شئنا أم أبينا، فى الدول المحترمة الجهاز الطبى = مهندس الأجهزة الطبية، وهنا أسأل: أين مهندس الأجهزة الطبية على خريطة وزارة الصحة المصرية؟ وأين هو على خريطة وزارة الصناعة والتجارة؟ بل أين هو من نقابة المهندسين؟ (فقط للعلم فى كارنيه النقابة فى خانة المهنة مهندس كهرباء)، وهذا ليس سوى مؤشر على التعامل والتفكير، لن أحاول أن أدلل على أهمية وقيمة مهندس الأجهزة الطبية فهذا شىء أعتقد أنى فى حِلِّ منه ولكن على سبيل المثال مراكز (العيون - الكلى الصناعية - الأشعة - التحاليل - الأسنان) الجهاز هنا لاعب أساسى فيها.
هذه المهنة فى مصر، فى اعتقادى أنها أصبحت جثة هامدة، ومهندسوها تم إعداد مقبرة جماعية لهم، فأعداد الطلاب المقبلين على القسم فى هبوط دائم وفى انحدار دائم، أما الخريجون فهم غير مقبلين على الماجستير أو الدكتوراه، وذلك بسبب أنهم لا يرون مستقبلاً لهذه المهنة فى مصر، ومعظم المهندسين الآن فى الخارج بل ينصحون الباقين بالسفر، وعلى سبيل المثال (من إجمالى12000، يوجد حوالى 6000 فى مصر) وهذا رقم تقريبى.
وأخيرا سأصل بك إلى هدفى من وراء إرسال هذه الرسالة، فلقد حاولنا كمهندسى أجهزة طبية أن نجتمع لنضع رؤية للهندسة الطبية فى مصر ومازلنا نحاول وسنحاول، أيضا نحاول أن نضم إلينا مجموعة من الشخصيات العامة من مهندسين وأطباء مؤمنين بما نفعل، وتواصلنا مثلا مع د. أبوبكر يوسف، وهو أستاذ ورئيس قسم الهندسة الطبية – كلية الهندسة جامعة القاهرة، وأيضا نحاول أن تنضم إلينا أو ننضم نحن إليك، فنحن بحاجة إلى طرح رؤيتك وإيضاح وجهة نظرك من خلال مقالاتك أو برنامجك أو كليهما».
فى مصر يا باشمهندس لابد أن تحفظ مقولة ديكارتية ملخصها «أنا متفوق إذن أنا مطحون».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات