الأقسام الرئيسية

الثورة وبارونات القمح

. . ليست هناك تعليقات:
الكاتب
Wed, 13/04/2011 - 08:00

فى مثل هذه الأيام من كل عام، وعلى امتداد 7 سنوات، كنت أقضى معظم الوقت فى الرد على اتصالات كبار المزارعين فى الأراضى الجديدة، والعديد من الفلاحين والمزارعين فى الوادى والدلتا، الذين كانوا يستغيثون من الإجراءات شديدة التعقيد التى ابتكرها وزير التضامن الاجتماعى السابق لتعجيزهم عن توريد القمح المحلى للحكومة.

وبدءاً من 15 أبريل من كل عام وحتى منتصف شهر يونيو، كانت الصحف ترصد من وقت لآخر المشاهد المؤلمة لآلاف الفلاحين وهم يصرخون من تعنت موظفى بنك التنمية والائتمان الزراعى ومفتشى التموين الذين يرفضون تسلم القمح المحلى، ويضطرونهم لبيعه إلى التجار المنتشرين حول «الشون» بأقل من سعره الرسمى، أو العودة به من حيث جاءوا واستخدامه علفاً للماشية!

لقد كان ما حدث مع مزارعى القمح طيلة السنوات السبع الماضية، هو أخطر جريمة اقتصادية منظمة تم ارتكابها بقصد وتعمد لصالح حفنة من تجار ومستوردى القمح، تمكنوا من السيطرة الكاملة على حكومة نظيف، ولجأوا إلى تدمير منظومة القمح بفصل هيئة السلع التموينية عن وزارة التضامن، ثم بمنع الهيئة عن الاستيراد المباشر، وإسناد استيراد كل ما تحتاجه مصر من القمح إلى القطاع الخاص. وخلال عامين فقط من تنفيذ هذا المخطط الإجرامى ارتفع استيراد مصر من 5.5 مليون طن قمح، إلى 9.5 مليون طن سنوياً.

وفى الوقت الذى كانت فيه وزارة الزراعة تؤكد أن إنتاج مصر من القمح يدور حول 8 ملايين طن، كان موسم توريد القمح المحلى ينتهى دون أن يتمكن الفلاحون من توريد أكثر من 2.5 مليون طن، وكان الباقى يذهب إلى التجار والمستوردين الذين كانوا يعرفون أن الأقماح المستوردة لا تصلح بمفردها لصناعة الخبز بسبب النقص الشديد فى مادة «الجيلوتين» التى تؤدى إلى تماسك العجين، وأن ستر هذه الفضيحة لن يتحقق إلا بخلط الأقماح المستوردة بالأقماح المحلية الجيدة التى منع وزير التضامن السابق توريدها بحجة أن درجة نقاوتها تقل عن 22.5 درجة.

نعم كانت جريمة اقتصادية غير مسبوقة فى التاريخ الإنسانى المعاصر، استخدم فيها الوزير والتجار أساليب فنية تافهة، ولكنها فى الوقت ذاته كانت ومازالت عصية على إدراك «الأفندية» فى الصحف ووسائل الإعلام المرئية، الذين لم يبذلوا أدنى جهد فى فهم أبعاد هذه الجريمة التى وضعت مصر على رأس قائمة الدول الأكثر استيراداً للقمح، وخصصت موازنة ضخمة لدعم منتجى القمح فى الدول الأجنبية، وتسببت فى خسائر مؤلمة للمزارع المصرى ودفعته إلى هجر الزراعة والإنتاج والنزوح إلى الحزام العشوائى حول المدن للارتزاق من بيع السلع التافهة أو التسول.

والآن وقد ذهبت حكومة نظيف وذهب معها وزير التضامن السابق إلى غير رجعة، الآن، وقبل 48 ساعة فقط من بدء موسم توريد القمح، هل استعد الدكتور جودة عبدالخالق بحزمة إجراءات تساعد الفلاحين على توريد إنتاجهم دون تعنت أو تعذيب؟ وهل قام بتنظيف وزارته من أعوان بارونات القمح الذين كانوا يتقاضون مكافآت ضخمة كلما زاد تعنتهم مع الفلاحين؟

إن أخطر التحديات التى تواجه ثورة 25 يناير لا تتمثل أبداً فيما يحدث فى ميدان التحرير، ولكنها تتمثل فى أهم ميادين الاقتصاد، حيث يتربص الآن بارونات الاستيراد بالقمح المحلى ويستعدون لإجهاض منظومة التوريد وإرغام الدولة على الاستمرار فى استيراد معظم استهلاكها من القمح. ونجاح وزارة التضامن ومعها وزارة الزراعة فى التصدى لهذه العصابة الإجرامية سيكون أهم إنجاز من إنجازات ثورة 25 يناير.

elbrghoty@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer