وفرحت أكثر عندما طلبت جهات فى الجيش ملف تلك التجاوزات، وقمت بأخذ ملف كامل موثق من منظمات حقوق الإنسان وقمت بتسليمه للجهتين، ووعدت بأنه سيتم تحقيق جاد فى الأمر، وقال لى الدكتور عصام قبل أسبوع إن الموضوع تمت إحالته للجنة تقصى الحقائق، ووعدنى اللواء ممدوح شاهين بأن نتائج التحقيق ستعلن قريبا، وأنه ستكون هناك إجراءات للإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين الذين تم التعامل معهم بوصفهم بلطجية، وأنه تتم دراسة ملفاتهم الآن، وأعلم أن هناك حديثا مماثلا فى شأن التعذيب والمعتقلين السياسيين قام به الفنان هشام عبدالله مع اللواء حمدى بدين، قائد الشرطة العسكرية، وقاله الناشط تقادم الخطيب للواء حسن الروينى فى حضور جمع من الأفاضل والمخلصين، لذلك استغربت أن يأتى اللواء إسماعيل بعد ذلك لكى يتحدث عن تلك الانتهاكات كأنها ليست موجودة من أصله،
لذلك أطالب اللواء إسماعيل بإعادة النظر فى موقفه، وليسمح لى بأن أقول له إن الشفافية هى الحل الوحيد فى ملفات حساسة وشائكة كهذه، خاصة أن دفن الرؤوس فى الرمال لن يجعلها تهدأ لا فى الداخل ولا فى الخارج. وكما قلت مرارا وتكرارا نحن نثق فى الجيش وندرك أنه خط دفاعنا الأخير، أو على رأى الدكتور المعتز بالله عبدالفتاح «الجيش آخر عمود فى البيت» لكن الحفاظ على ذلك العمود وتقويته لابد ألا ينسيانا رفض أى انتهاكات لحقوق الإنسان ولو ظن مرتكبوها أن لها ما يبررها، وكنت أُفضّل أن يقول اللواء إسماعيل إن التحقيق جار فى تلك الانتهاكات بدلا من أن يتطوع بنفيها جملة وتفصيلا.
أعتقد أيضا أن حديث اللواء عتمان عن فض الاعتصام الأخير فى ميدان التحرير كان سيكون أكثر توفيقا لو تبنى الدعوة التى أعلنها الدكتور عصام شرف بأن وزير العدل سيفتح تحقيقا قضائيا فى الموضوع، وأعتقد هنا أن التحقيق القضائى سيكون أفضل للجميع خاصة أن القوات المسلحة ليس لديها ما تخفيه، إذا كان الشاب الذى استشهد قد قتل فعلا برصاصة من الأعلى فلماذا لا يتم إعلان ذلك بتقرير من الطب الشرعى يطمئن الناس كلها، ولماذا نترك الباب لإشاعات تتضخم يوما بعد يوم وتتحدث عن أشلاء وجثث وإعدامات.
يمكن للتحقيق القضائى أيضا أن يخرجنا من أزمة حدثت بسبب التسرع فى وصف المعتصمين فى التحرير بأنهم بلطجية وفلول حزب وطنى، مع أن بينهم كثيرين ليسوا كذلك بل هم ناس متحمسون وصادقون أرفض موقفهم لكننى أرفض تخوينهم والحكم عليهم بالباطل، لأن ذلك يزيدهم تصلبا ويزيد الموقف تعقيدا، والثورة هى التى ستدفع الثمن فى النهاية. أشير هنا إلى التعقيد الذى تسببه بعض التفاصيل المتسرعة مثل تفصيلة اتهام الناشط وائل أبوالليل بأنه قام بالتآمر ضد الجيش مع رجل الأعمال إبراهيم كامل صديق جمال مبارك، بينما أقسم لى العديد من الناشطين السياسيين الذين أثق فيهم، وعلى رأسهم شادى الغزالى حرب، أن ذلك ليس صحيحا، وأن وائل برىء وربما ظلمه اسمه الموحى بالغموض، وأن هناك خلافات سياسية مع إحدى الفصائل هى التى ورطته فى هذا الاتهام، واستغربت أن أعرف أن وائل حاول الاتصال بأكثر من وسيلة إعلامية للدفاع عن نفسه ولم يجد سبيلا لذلك سوى فى قناة «الجزيرة مباشر مصر»، وقد أرسل إلىَّ إيميلا يدافع به عن نفسه وينفى أن يكون مديرا لمكتب إبراهيم كامل بل قدم نفسه بوصفه مديرا لشركة سياحة بالغردقة، وشرح موقفه فى الإيميل الذى أضعه تحت تصرف اللجنة القضائية التى سيشكلها وزير العدل للتحقيق فى كل ما حدث والتى ستعفى القوات المسلحة من حرج تبرير العنف المفرط الذى حدث لفض اعتصام لم يوافق عليه الكثيرون وأنا منهم، كما أنهم يعتقدون كما كتبت أمس الأول أنه كان يمكن أن يتم حله باللجوء إلى طولة البال بدلا من صب الزيت على نار مشتعلة.
ختاماً، أُصدق ما قاله اللواء إسماعيل عن الضابطين المعتصمين اللذين نزلا إلى الميدان رغم علاقاتهما المشبوهة، لكننى كنت أظن أن الصورة كانت ستكتمل لو تحدث عن الضباط الآخرين الذين نزلوا إلى الميدان بدافع وطنى بعد أن غلبت عليهم حماسة بريئة أضرت الجميع للأسف، لقد تألمت عندما علمت من الأستاذة بثينة كامل أن بعض هؤلاء الضباط الهاربين يفكرون فى تسليم أنفسهم بعد أن شعروا بالندم على قرارهم المتسرع وبعد أن فوجئوا بالكثيرين يلومونهم عليه فى قلب الميدان، وشعرت بأن هؤلاء أصبح عليهم الآن عبء إثبات حماسهم الوطنى وإثبات شرفهم ونزاهتهم أيضا، وقد سبق أن قلت إنهم على كل حال أشرف وأشجع من أولئك الذين يديرون نضالا ضد وطنهم من الخارج لا يعلم نواياه إلا الله، وأتمنى من الله أن يعينهم على تحمل تبعات قرارهم، ويعيننا أيضا على تحمل تبعاته التى تدفع الثورة ثمنها غاليا الآن.
بمناسبة أولئك المناضلين عبر البحار أقول إننى شاهدت الفيديو الذى خصصه الضابط الهارب شريف عثمان لمهاجمتى وسبى بأقذع الألفاظ انتقاما منى لأننى ساهمت فى فضح حقيقته، ومع أننى حرصت فى كلامى على أن أحسن الظن فيه وأبرئه من تهم التجسس أو العمل لحساب مصالح أجنبية، إلا أنه بما سجله أثبت سوء نيته عندما حاول بطريقة مخابراتية الغلوشة على ما كتبته، لأنه يعلم أن الفيديو ربما شاهده أناس كثيرون لم يقرأوا ما كتبته، ولذلك اختار أن يظهرنى بمظهر من خاض فى عرضه عندما تكلمت عن زوجته ووالدته، وبالفعل جاءتنى رسائل تلومنى على ذلك، بينما لو قرأ الجميع ما كتبته لاكتشفوا كذب الرجل ومغالطته، فأنا لم أذكر زوجته بسوء ولم أتطرق لديانتها من قريب ولا من بعيد، بل ذكرت جنسيتها فقط لكى أقول إنه خالف قانون الجيش بالزواج من أجنبية، وهذه ليست نقطة شخصية بل هى داخلة فى صلب قرار فصله من الجيش، كما أننى حاشا لله أن أكون قد ذكرت والدته الفاضلة بسوء، وكل ما هناك أننى نشرت رسالة من زميل له فى القوات المسلحة يكشف حقيقة هروب شريف من الخدمة بعد أن أنفق الجيش على بعثته مائة وخمسين ألف دولار، ثم تمنى فى رسالته لو كان شريف قد تذكر أن والدته ضابطة برتبة عميد فى القوات المسلحة وكان ينبغى أن يتعلم منها تقديس الخدمة العسكرية، فأين بالله عليكم الخوض فى الأعراض أو تجاوز الحدود فى ذلك، وهل لو قال لى أحد إن والدتى طبيبة مثلا ولذلك كان ينبغى أن آخذ بالى من صحتى يكون قد دخل فى الأعراض.
على أى حال بعد أن انتهى الهارب شريف من وصلة شتائمه بدأ يلقى المزيد من الأكاذيب ليظهر نفسه بمظهر البطل الذى هرب من الخدمة العسكرية لأنه رفض أن يشترك فى الحرب الأمريكية على العراق، مع أن أى أبله يدرك أن تلك الحرب كانت فى عام 2003، وأن هروبه من الخدمة وطرده منها كان فى عام 2006، ولم نسمع عن وجود حرب فى تلك السنة على العراق إلا إذا كانت حربا سرية تم تكليفه وحده بالاشتراك فيها، ولأنه وطنى أكثر من اللازم قرر أن يرفض التعاون مع الأمريكان فاختار أمريكا دون غيرها لكى يهرب إليها ويشرب من نيلها ويظل فيها صامتا لمدة سنين يكتم وطنيته عن الناس، حتى قرر أن يعلن هذه الوطنية فقط بعد فشل زيارة أكثر من مسؤول أمريكى إلى القاهرة حملوا فيها طلبات محددة كانت تطلبها إسرائيل وأمريكا فى أكثر من ملف سياسى وعسكرى وتم رفضها كما قرأنا فى الصحف الأمريكية التى تحظى للأسف بحرية فى نشر هذه الموضوعات أكثر منا، وبعد أن بدأ السيد نبيل العربى، وزير الخارجية المحترم، فى إعلان مواقف وطنية مشرفة حول علاقتنا بإيران ورفضنا لعربدة إسرائيل فى غزة، هنا وفى هذا التوقيت فجأة استيقظت وطنية الهارب شريف والهارب حازم وقرر كل منهما أن يخرج من مخبئه الوطنى فى بلاد الفرنجة لكى يدلى بفيديوهات يعرف أى متخصص من زاوية الكاميرا والإضاءة وطريقة الخطاب أنها ليست بريئة تماما، وحتى لو كانت بريئة جدا ألا يظل من حقنا أن نسأل عن التوقيت وعن سر صمتهما كل هذه السنين لكى تستيقظ وطنيتهما فجأة، إلا لو كانا لم يكتشفا اختراع اليوتيوب إلا فى هذا الأسبوع بالذات.
هنا أدعو الجميع لقراءة سلسلة من المقالات الرائعة التى ناقشت ما حدث فى التحرير يوم الجمعة الماضى من مخطط للوقيعة بين الجيش والشعب، بعضه بحسن نية والبعض الآخر بسوء نية، لعلكم قرأتم فى هذه الصحيفة مقالات رائعة فى هذا الخصوص للأساتذة حسن نافعة وعمرو الشوبكى وعلاء الغطريفى وياسر عبدالعزيز ويسرى فودة وعمر طاهر، أتمنى أن تضموا إليها مقالات رائعة ومهمة فى «الشروق» للأساتذة فهمى هويدى والمعتز بالله عبدالفتاح وعماد الدين حسين، وأربعة مقالات فى غاية الروعة والأهمية نشرها موقع البديل الجديد لكل من الأستاذ خالد البلشى والأستاذة هويدا طه والأستاذة إكرام يوسف والأستاذ أحمد سمير، وأعتقد أن من يقرأ كل هذه المقالات على تباين أساليبها وأطروحاتها سيخرج بنتائج أعتقد أن الغالبية باتت متفقة عليها، وهى رفض أى محاولة لإحداث انقسام فى المؤسسة العسكرية تحت أى مبرر ولو كان نبيل المقصد، ورفض توريط الثورة فى أى انقسام داخل الجيش تحت أى سبب أو مبرر، وضرورة التحقيق القضائى السريع فيما حدث فجر السبت الماضى لأن مجرد البدء فى التحقيق سيؤدى إلى حلحلة الأزمة التى لا نريد لها أن تتفاقم، وإدراك أن الوقيعة بين الجيش والشعب كارثة تهدد الكل حتى لو كان البعض غير راضين عن بعض قرارات المجلس العسكرى، والتفريق بين الدور السياسى للمجلس العسكرى الذى يستحق النقد والدور الوطنى للجيش الذى يضعه كل مصرى على رأسه من فوق.. ليس من مصلحة أحد أن يدخل ويُدخل الجيش فى معارك ليست بريئة ربما كان القصد منها تصفية حسابات بين مبارك وقادة الجيش، وأخيرا التأكيد على أن الديمقراطية هى الضمان الوحيد لتطهير ومحاسبة كل المؤسسات فى مصر بلا استثناء ومهمتنا جميعا أن نصل إليها بأقل الخسائر الممكنة قبل أن نخسر الجلد والسقط بفعل الغباء الثورى على حد تعبير هويدا طه.
أتمنى أن أكون قد لخصت هذه الرؤى التى حملتها هذه المقالات، وأعتقد أنها يمكن أن تشكل إلى جوار بيان القوى الوطنية أرضية لحوار سريع يتم فتحه مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة نحصل فيه على إجابات شافية حول كل ما يسهم فى إحداث وقيعة بين الثورة والجيش الذى أفخر بأننى قلت منذ شهر ونصف إنه الهدف القادم لأذناب نظام مبارك، وكنت بأتمنى أن أكون مخطئا ومبالغا، أما وقد حدث ما توقعته، فيبقى أن أقول إن الهدف الأخطر الذى تحدثت عنه هو تحويل الكتلة الصامتة الحيرانة حينا والمتعاطفة أحيانا إلى كتلة ساخطة فاعلة، وأخشى أن هذا ما يتم ترتيبه الآن لكى يجرى فى يوم 25 أبريل المقبل وتُنفق فى سبيل ذلك أموال ضخمة تستغل كل ما يقوم به بعض الثوار من أخطاء، ولو لم تتحمل كل الجهات مسؤوليتها وتدرك أنه لابد من تقديم تنازلات لن يخسر فيها أحد بل سيكسب الوطن وحده، وما أحوج الوطن إلى مكاسب الآن وهو يئن تحت وطأة الخسائر الاقتصادية التى يظن البعض أن الحديث عنها الآن هو تكرار لمنهج مبارك وشفيق ورغبة فى تكسير مقاديفهم، ناسين أن الحكومة التى تحكم البلاد الآن هى حكومة الثورة، ولو فشلت فى أداء مهمتها الاقتصادية فإن فشلها ستتحمله الثورة لا قدر الله، وأن الميدان أثبت أنه قادر على حماية الثورة فى أى وقت يسعى فيه البعض لحرفها عن أهدافها، والمهم الآن - على حد تعبير صديقنا الروائى إيهاب عبدالحميد - أن تحمى الثورة نفسها من بعض أبنائها أما أعداؤها فهى كفيلة بهم.
هذا، «وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات