بقلم: خالد الخميسي
6 مارس 2011 09:23:19 ص بتوقيت القاهرة
الثورة المصرية ولا شك أمر رائع للأغنياء وللطبقة المتوسطة من الموظفين ذوى الدخل الشهرى. فهم صنعوها ليأخذوا قطعة من الكعكة التى كانت العصابة التى تحكمنا قد استولت عليها بالكامل، كانت العصابة من الغباء أن افترست جسد مصر بالكامل. ثارت الطبقة المتوسطة ــ وهو حق مشروع لهم بالتأكيد ــ للاستئثار ببعض الأطباق الشهية من على مائدة الوطن المفرودة أمام أعينهم جهارا نهارا. طالبوا بتوزيع أكثر عدالة للأطباق. رائع. وإنما نحن المصريين من الطبقات الفقيرة، والتى لا أمل لها أن تحصل على أى شىء من هذه الأطباق الشهية، ولا أن تحلم كذلك أن يصل إليها الدور فى مراحل التوزيع العادل لهذه الأطباق.نحن الذين نعمل باليومية، سائقو التاكسى مثلى وجميع الأجرية من عمال بناء وعتالين ونقاشين وسباكين وخدامين والبائعين الجوالين وغيرهم من ملايين المصريين، الذين لا دخل شهرى لهم، نحن الذين لم نشارك فى الثورة، دخلنا شبه متوقف منذ أكثر من شهر. وهذا يعنى ببساطة أننا سوف نموت من الجوع قريبا. أنا شخصيا مهدد بالطرد أنا وعائلتى من الشقة، التى نسكنها لأننى عجزت عن دفع الإيجار لمدة شهرين الآن. ولكن دعنى أقول لك إننى يمكن على المستوى الشخصى أن أقبل أن أموت لو أن أحد الكبار أكد لى أن التعليم فى مصر سوف يتفجر هو الآخر بثورة تأتى عليه كتلك، التى أسقطت مبارك وتظهر لنا مدارس جديدة ومناهج جديدة ومدرسين يتقنون علم التدريس.
فالثورة التعليمية أهم بالنسبة لى وللفقراء من الثورة ضد نظام مبارك. التعليم هو جواز الحلم الوحيد لغد يحمل اللون الزهرى لأولادى وأولاد كل فقراء مصر. فكرة أن يتعلم أولادى بحق وحقيق كانت حلما مستحيلا، ويجب أن أعترف أن هذه الكلمة «مستحيل» بدأت بعد الثورة فى التراجع قليلا إلى الوراء.
كان شابا فى بداية الثلاثينيات من العمر رغم أن وجهه كان يوحى أنه لم يتخط العشرين. يتحدث بحماس قائد ثورة وهو يهتف أمام مقوده وكأنه يخطب. لم نكن نتحرك على الإطلاق رغم خطابيته وارتفاع صوته، فالقاهرة بعد الثورة أصبحت أكثر ازدحاما مما كانت عليه فى العهد البائد. قلت له إننا ثرنا لأسباب أكثر تعقيدا من حصول الشعب على توزيع عادل للدخل القومى، وأنه دون تغيير نظام فاسد كان لا يمكن أن تحلم بثورة فى مجال التعليم، المسائل كلها مترابطة. فرد بهدوء هذه المرة ودون خطابة: المأساة أنه من الممكن رغم رحيل مبارك ألا تحدث ثورة فى المجال الحيوى الوحيد لنا بل على الأرجح لن يحدث تغيير يذكر فى التعليم المصرى. فأنا سافرت إلى عدد من الدول الأوروبية.
كنت أعمل فيها نقاشا، وتعرفت على العديد من العاملين هناك، وأكد لى هؤلاء أن حتى التعليم فى بلادهم رقم تقدمها وثرائها لا يسير على ما يرام بل يسير من سيىء إلى أسوأ. الأغنياء يستثمرون فى المجالات التى تجعلهم أكثر ثراء، فى المجالات الصناعية والخدمية والترفيهية، والحكومات تدعم دائما هؤلاء الأغنياء أو على الأقل تسير على هواهم. فخطط تطوير التعليم فى العالم كله هو أمر لا يهم أحد من الكبار لأنه على أى حال من الأحوال يتعلم أولادهم فى مدارس خاصة بعشرات الآلاف من الدولارات.
تحركت السيارة أمتارا قليلة إلى الأمام وتوقفت ثانية. فاستكمل حديثه: هل تعرف على سبيل المثال قيمة ما يتم صرفه على ألعاب الفيديو جيم المختلفة.
استمعت فى الإذاعة أن مبيعات هذه الألعاب تخطت العام الماضى فقط الخمسين مليار يورو، هل لك أن تتخيل ذلك خمسين ملياااار يورووووو؟ وكلها ألعاب تروج للعنف. تصور معى لو أن هذا المبلغ توجه لتطوير التعليم. أو توجه لإعداد المدرسين. سوف يتغير وجه العالم، سوف تظهر أمامنا أبوابا جديدة تفتح على عوالم لم يعرفها البشر من قبل. ولكن الأغنياء لا يريدون للبشرية أن تتقدم، يريدون فقط أن يزدادوا ثراء، وكأنهم لا يعلمون أن هذه الأموال تتحرك دائما عبر التاريخ إلى عائلات جديدة فى لعبة روليت كونية تعيد الأغنياء مرة أخرى للفقر شاءوا أم رفضوا. والثورة سوف تأتى بأغنياء جدد لن يهتموا أيضا بالتعليم بل على الأرجح سوف يهتمون بألعاب فيديو جيم جديدة ولكن مصرية هذه المرة.
بهرنى حديثه فسألته عن تعليمه. فقال لى إنه تعلم فى مدارس حكومية، وهذا معناه أنه لم يتعلم شيئا على الإطلاق. ولكنه بعدها تعلم من الحياة. سافر إلى ليبيا وعمل فيها لمدة عامين, ومن هناك إلى إيطاليا وألمانيا ثم فرنسا. ثم عاد أخيرا لممارسة مهنة قيادة سيارات الأجرة فى القاهرة. مستمع جيد للإذاعات المختلفة. ولكنه تعلم أساسا من تربيته لأبنائه الثلاثة. فتربية الأبناء كما قال لى هى أساس تربية النفس. ثم نظر لى، وقال: تبدو لى متعلم. فأرجوك أوصل صوتى إلى المسئولين لو أن هناك أحدا منهم فى هذه الفوضى التى نعيشها. نحن لا نريد تطويرا فى العملية التعليمية نحن نحتاج لثورة كاملة فى كيفية تلقى التلميذ للمادة التعليمية. نحن فى عصر جديد ويجب أن يدخل التعليم هذا العصر. هذه هى الثورة التى سوف تغير مصر إلى الأفضل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات