الأقسام الرئيسية

جرأة المنافقين والكذابين

. . ليست هناك تعليقات:

بقلم: فهمي هويدي

fahmy howaidy

6 مارس 2011 09:12:41 ص بتوقيت القاهرة

لو توافر لمصر ربع عدد المنافقين من المثقفين والإعلاميين الذين تقرأ لهم وعنهم هذه الأيام لانصلح حالها ولما كنا بحاجة إلى ثورة. أقول ذلك بعد متابعة ادعاءات بعضهم أنهم لم يغادروا ميدان التحرير طول الوقت، وحديث البعض الآخر أنهم كانوا ممن تبنأوا بالثورة وظلوا يرصدون مؤشراتها (سرا طبعا) منذ سنين طويلة. فى حين تباهى آخرون أنهم كانوا بين الأباء الذين تعبوا وأجهدوا أنفسهم كثيرا لكى يتحقق الحلم الذى غاب طويلا وراء الحجب. هذه الظاهرة سجلها بعض الزملاء وانتقدها فى كتابات عدة.

ظللت متفرجا على المشهد، الذى آثار انتباهى فيه أمران، أولهما سرعة التحول لدى البعض من النقيض إلى النقيض، وثانيها مراهنة زملائنا هؤلاء على ضعف ذكراة القارئ أو المشاهد المصرى، وافتراض البلاهة والغباء فيه ــ مع ذلك فقد آثرت أن أبقى متفرجا ومتعجبا مما يحدث، لكننى لاحظت أخيرا أن المسألة زادت على حدها، وأن المنافقين ازدادوا جرأة، فلم يكتفوا بهجاء ولى نعمتهم، وزايدوا على الجميع فى إهانته وتجريحه، ولم يكتفوا بادعاء الشجاعة والبطولة، وإنما أيضا اعتلوا المنصات وراحوا يوجهون إلينا النصائح لكى يبصروننا بما علينا أن نفعله.

إذ بدلا من أن يعتذروا إلينا ثم يختفون من المشهد مؤثرين الصمت، وشاكرين لله أن أحدا لم يحاسبهم على ما اقترفوه بحق الشعب من تضليل ومناصرة للطغيان وترويج للكذب والبهتان، بدلا من ذلك، فإنهم تقدموا الصفوف بكل جرأة وصفاقة ــ مرتدين مسوح الثوار والمناضلين، وشرعوا فى وعظنا وتوجيهنا.

فى عام 2004 اكتشف المسئولون عن صحيفة نيويورك تايمز أن التعليقات والأخبار التى نشروها عن العراق دست عليهم ولم تكن صحيحة، واعتبروا أن جريدتهم ساهمت فى تضليل القراء وتبرير الغزو، حينذاك نشرت الصحيفة اعتذارا مطولا لقرائها سجلت فيه الخطأ الذى تورطت فيه ثم قدمت إلى قرائها اعتذارا أكدت فيه أنها ما كانت لتقدم عليه إلا لأنها حريصة على أمرين؛ شرف المهنة وثقة القارئ.

فى مصر ظل الإعلام الرسمى الذى يمارس الكذب والتضليل والخداع طوال ثلاثين عاما على الأقل، وحين انفجر غضب الشعب وأطار بالنظام الذى لأجله مورست كل تلك الخطايا. فإن كل الأبواق التى استخدمت فى الكذب والتضليل قلبت موجة الإرسال واتجهت إلى الحفاوة بالثورة.

لقد احترمت اثنين من المحافظين قدما استقالتهما بعد الثورة، لأن المحافظ هو ممثل رئيس الجمهورية فى محافظته. وأى إنسان لديه قدر من الكرامة أو النزاهة لا يستطيع أن يمثل رئيسا ثبت فساد عهده، ثم يمثل رئاسة النظام الذى انقلب على ذلك الفساد وأطاح به. الكذابون الكبار فى وسائل الإعلام لم يفعلوا شيئا من هذا القبيل. وقيل لنا إن اثنين منهما قدما استقالتيهما على استحياء، لكنهما لايزالان يؤديان عملهما إلى الآن. أما أقرانهما من جنود فرعون فإنهم لا يكفون عن إقناعنا بأنهم كانوا مضطهدين، ومنهم من كتب قائلا إنه قال كلمة الحق لكن أحدا لم يستمع إليه، واستشهد ثالث بفقرات من كتابات سابقة تضمنت عبارات مبهمة وفضفاضة أراد اقناعنا بأنه كان ثائرا ومتمردا طوال الوقت ولكن بصورة سرية لم يلحظها أحد.

قرأنا أيضا لمن خلع ثياب أمن الدولة وارتدى زى واعظ الثورة، فراح يحذرنا ليس من الضغوط الأمريكية أو الإرهاب الإسرائيلى الذى يتربص بالثورة، ولكن من الإرهاب «المتأسلم» ومن أنفاق سيناء، ومن التشيع الذى يهدد الأمن المصرى ويفتح الباب لنفوذ المراجع والملالى (!!)

إن المنافقين الذين صار بعضهم يحذر من اختطاف الثورة لا يستحون، ولديهم قدرة هائلة على التلون، ولكن لأن أبصارهم معلقة دائما بالسلطان، فإنهم لا يعرفون أن الناس ليسوا بالبلاهة والغباء الذى يظنون. وإذا تابعت انهيار أرقام توزيع الصحف القومية بعد الثورة، فستدرك أن الجماهير صبرت عليهم حقا ولكنها لم تنس ولم تغفر لهم ضلوعهم فى الكذب والتضليل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer