آخر تحديث:
الأحد، ٣ أبريل/ نيسان ٢٠١٦ (٠١:٠٠ - بتوقيت غرينتش)
القدس المحتلة - آمال شحادة
ثلاث ضربات في آن واحد وجهت إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين
نتانياهو، وأدخلته في حال إرباك وإلى حد ما إلى مأزق سياسي: وزير الداخلية
في حكـــومته، أرييه درعي، تورط في قضية فساد جـــديدة. ورئيس لجنة
الموازنة في مجلس الشـــيوخ الأميركي، وعشرة أعضاء آخرين يكتبون رسالة إلى
وزير الخارجية، جون كيري، يطالبونه فيها بتقصّي الأنباء عن إعـــدامات
ميدانية بلا محاكمة للفلسطينيين. وقيام جندي إسرائيلي بإعـــدام جريح
فلسطيني وهو مشلول الحركة في مدينة الخليل، وتم ضبطه بالكاميرا.أخطرها، تتعلق بالكشف عن ملفات فساد جديدة ضد وزير الداخلية أرييه درعي، الذي كان قد دين بتهمة تلقي الرشى عام 1999 وحكم عليه بالسجن 3 سنوات أمضى منها سنتين. وقررت المحكمة أن تهمته مشينة، وعليه أبعدته من الحياة السياسية طيلة 7 سنوات. وقد عاد إلى الحلبة عام 2012، وفـــي الانتخابات الأخيرة تولى رئاسة حزب «شاس» لليهود الشرقيين المتدينين من جديد. هذه القضية كادت تعصف بحكومة نتانياهو، وكان عليه أن يتصرف بسرعة لإيجاد حزب آخر ينضم إلى الائتلاف. ورشح درعي المعسكر الصهيوني، أكبر أحـــزاب المعارضة، والذي يرأسه يتسحاق هـــيرتسوغ وتسيبي لفني، لينضم إلى الحكـــومة. لكـن الصحافة سربت نبأ يقول أن هيرتسوغ أيضاً متورط في قضية فساد، تفحص الشرطة أسرارها. ومع أن هذا الكشف يبعد حل توسيع الحكومة، إلا أنه يخفف العبء عن نتانياهو. فها هو رئيس المعارضة فاسد، وليس فقط وزير الداخلية. لذلك، فلم يعد هناك من خطر يهدده. بل إن مأزق المعارضة بات أشد من مأزقه، حيث ستنشغل الآن في اختيار رئيس آخر مكان هيرتسوغ، في حال ثبوت تورطه.
تعذيب المعتقلين
أما الضربة الثانية، فجاءت من الولايات المتحدة الأميركية. فهناك بادر السيناتور الديموقراطي، باتريك ليهي، ومعه 10 أعضاء في الكونغرس، إلى كتابة رسالة إلى الوزير جون كيري، يطالبونه فيها بالتحقيق في الأنباء التي تتحدث عن خرق لحقوق الإنسان في كل من إسرائيل ومصر. ويذكر كاتبو الرسالة حالات عدة تم فيها خرق حقوق الإنسان في شكل فظ، وبينها تنفيذ عمليات إعدام ميداني بلا محاكمة، لفلسطينيين مشلولي الحركة ممن هاجموا إسرائيليين بغرض قتلهم. وهذا عدا عن الأنباء التي تكشف أن إسرائيل ما زالت تمارس أساليب تعذيب للفلسطينيين المعتقلين في سجونها. وذكرت مصادر إعلامية أميركية مطلعة أن تسريب هذه الرسالة في هذا الوقت مقلق في شكل خاص لإسرائيل، لتزامنه مع الأبحاث الجارية حالياً لتحديد حجم المساعدات الأميركية إلى إسرائيل. فإسرائيل تحاول زيادة هذه المساعدات بنسبة 25 في المئة على الأقل، بدعوى احتياجاتها الاستراتيجية في أعقاب الاتفاق النووي مع إيران. ويزداد القلق في شكل خاص لأن السيناتور ليهي هو صاحب مشروع القانون الذي أقر في الكونغرس ويقضي بحرمان الدول من المساعدات الأميركية في حال ثبوت خرقها لحقوق الإنسان. وقد رد نتانياهو بغضب على هذه الرسالة وأصدر بياناً يقول فيه: «إن أفراد جيش الدفاع الإسرائيلي وقوات الأمن ليسوا قتلة. بل هم جنود جيش دفاع يقومون جنباً إلى جنب مع أفراد الشرطة الإسرائيلية المدنية بالدفاع بأجسادهم في شكل أخلاقي عن أنفسهم وعن مواطنين أبرياء من إرهابيين متعطشين للدماء يقدمون على قتلهم». ويتساءل نتانياهو في رسالته: «أين القلق على المساس بحقوق الإنسان الخاصة بالإسرائيليين الكثيرين الذين قُتلوا وجرحوا على أيدي قتلة متوحشين؟ كان يجب على هذه الرسالة أن توجه إلى أولئك الذين يحرضون الأطفال على ارتكاب عمليات إرهابية وحشية».
وإسرائيل تخشى فعلاً من تبعات هذه الرسالة، مع أن اللوبي الإسرائيلي بدأ التحضير للهجوم على كل من يدعمها.
أما الضربة الثالثة، فتتعلق بقضية الجندي الإسرائيلي الذي قتل الشاب الفلسطيني، عبدالفتاح الشريف (21 عاماً) من الخليل، يوم 24 آذار (مارس).
من الواضح أن مثل هذا القتل ليس جديداً على الجيش الإسرائيلي، فالفلسطينيون الذين قتلوا خلال الهبة الشعبية الأخيرة بغالبيتهم تم إعدامهم ميدانياً. ولكن، في هذه الحال بالذات، ضبط الجندي متلبساً. فقد تمكن شاب فلسطيني يعمل متطوعاً في منظمة إسرائيلية لحقوق الإنسان (بتسيلم)، من توثيق جريمة الإعدام لحظة بلحظة. وسارع نتانياهو، ومعه رئيس أركان الجيش غادي آيزنكوت ووزير الأمن موشيه يعلون، إلى التنصل من المسؤولية عن هذا التصرف والادعاء بأن جريمته لا تلائم أخلاق الجيش الإسرائيلي. وتم اعتقاله والتحقيق معه. وهنا علق نتانياهو مع رفاقه في الحكومة وخارجها من اليمين المتطرف. فقد هاجموه علناً واعتبروا موقفه «انهزاماً أمام الفلسطينيين». وخرجوا في تظاهرات صاخبة ضده وضد الجيش. وراحوا يمارسون الضغوط على نتانياهو كي يطلق سراح الجندي. وتراجعت النيابة العسكرية عن قرارها محاكمته بتهمة القتل المتعمد، إلى القتل غير المتعمد. واتصل نتانياهو بعائلة الجندي يعتذر ويفسر.
وزراء اليمين باشروا تهديداتهم بأنه في حال إدانة الجندي والحكم عليه بالسجن فإنهم لن يبقوا في حكومته، علماً أن هذه الحكومة تستند إلى ائتلاف ضيق جداً يضم 61 نائباً من مجموع 120 نائباً هم كل أعضاء الكنيست في إسرائيل.
ونتانياهو اليوم ليس معنياً بالذهاب إلى انتخابات جديدة، إذ بدأت استطلاعات الرأي تخيفه. وقد أصدر وزير المالية الإسرائيلي، موشيه كحلون، بياناً دعا فيه رئيس حكومته إلى الإسراع في محاولات توسيع الائتلاف الحكومي من جهة والإسراع في المحادثات مع الإدارة الأميركية الحالية حول الدعم الأميركي، والامتناع عن تأجيلها لزمن الرئيس المقبل. وسمع كحلون يقول للمقربين منه أنه لا يرى إمكاناً بأن تستمر حكومة نتانياهو حتى نهاية الدورة في مثل هذه الأوضاع.
الفساد
في إسرائيل لم تمر دورة حكومية واحدة، على الأقل في عهد نتانياهو، إلا وكشفت قضية فساد أو تحرشات جنسية، أدت إلى اعتقال وسجن وزارء أو قادة أحزاب أو ضباط في الجيش أو الشرطة أو مسؤولين في البلديات وغيرها. وتاريخ المحاكم والسجون يشير إلى أن درعي وهيرتسوغ، لم يكونا أول من يتهم ولن يكونا آخر من يتهم بالفساد. رئيس الدولة الأسبق، موشيه كتساف، يمضي حكماً بالسجن سبع سنوات، منذ سنة 2011. وهو أول رئيس دولة يسجن بتهم أخلاقية. وأدخلت تهم الفساد رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت السجن، وقبله دخل وزراء وبينهم أرييه درعي نفسه الذي تطالبه الشرطة اليوم بالكشف عن سبل وصول ثروته إلى مستوى عال كهذا.
الخبير السياسي ناحوم برنياع كتب متهكماً في هذه القضية وقال: «السياسيون مثلهم مثل الناس الذي يذهبون إلى النوم، وبطانية رقيقة تغطي أجسادهم. يأتي محقق، من الشرطة أو من مصلحة الضرائب، فيسحب البطانية. فهذه هي وظيفته. يحتمل أن يجد شيئاً، يحتمل أن لا يجد. لكن عندما تسحب البطانية، ستجد كل أنواع الأمور غير المريحة، وليس بالذات تلك الأمور التي كان لفحص يستهدفها. على أي حال، الليلة انتهت ولم تعد. وذهب أيضاً يوم الغد. وحتى لو انتهى الفحص بلا شيء، يبقى الاشتباه قوياً».
صحف إسرائيلية أخرى عادت إلى لائحة اتهام درعي السابقة، التي أدخلته السجن وكتبت إحداها تقول: «قدم أرييه درعي نفسه في الانتخابات الأخيرة ممثلاً للفقراء الشفافين الذين لا يملكون شققاً سكنية، فأخرس الأصوات التي طرحت الأسئلة الكثيرة حول أملاكه الكثيرة التي جمعها». صرح أرييه درعي عشية الانتخابات على القناة الثانية بأنه يملك عقاراً واحداً يتمثل في شقة في القدس بقيمة 4.7 مليون شيقل. وقدرت ثروته الشخصية عشية الانتخابات بقرابة 4.8 شيقل. إلا أن سلسلة من التحقيقات أشارت إلى أن ممتلكات عائلة درعي أكثر بكثير مما ينشر، وذلك لكون غالبية أولاد درعي تمتلك شققاً. ووفق التهم الموجهة ضده فقد قام درعي قبل سنوات، ووفق هذه التقارير ببيع قطعة أرض لأخيه المقاول، شلومو درعي، في القدس ليتبين أن درعي قام ببناء بيت على قطعة الأرض ونقلها باسمه الشخصي وتبين أنه يملك بيتاً خاصاً ضخماً شمال البلاد، يستخدم كبيت استجمام لعائلة درعي.
درعي كان سعى عشية الانتخابات الأخيرة إلى إظهار التواضع حتى لا يلفت النظر. ففي إحدى المقابلات معه، السنة الماضية، قال: «إنني فخور، بأن لي رزقاً وبيتاً، ولأن لأولادي بيوتاً. الحمدلله. أنا أعلم أن الناس يتوقعون مني وفي شكل طبيعي أن أبدو كالناس الذين أمثلهم. لكن كل ممتلكاتي علنية. لقد أنجزت ما أنجزته في الفترة التي لم أعمل فيها بالسياسة». حديث درعي هذا بات اليوم في متناول الجميع لكشف مدى كذبه وإخفاء الحقيقة.
ويبقى السؤال: كيف ستؤثر هذه الضربات في نتانياهو؟ وإلى أي مدى يمكنه أن يتغلب عليها ويمنعها من إطاحته»؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات