الأقسام الرئيسية

خبير السدود الدولى أحمد الشناوى لـ«الشروق»: أطالب مجلس النواب بوقف التصديق على إعلان مبادئ سد النهضة

. . ليست هناك تعليقات:
الدكتور مهندس أحمد عبدالخالق الشناوي الدكتور مهندس أحمد عبدالخالق الشناوي
كتبت ــ دينا عزت:
نشر فى : الأربعاء 9 مارس 2016 - 9:59 ص | آخر تحديث : الأربعاء 9 مارس 2016 - 11:12 ص
• السيناريو الكارثى هو انهيار السد وإغراق السودان وإثيوبيا وأغلب مصر
• السد لا يفيد مصر إطلاقا.. ومشكلته ليست فقط فى حصة المياه ولكن فى سلامة مصر والسودان
• يجب وقف التفاوض لأنه يعطى تصديقا مجانيا لإثيوبيا بلا أى عائد لمصر
يجلس الدكتور مهندس أحمد عبدالخالق الشناوى امام جهاز الكمبيوتر ويفتح احد المواقع التى تسمح له بالاطلاع على تفاصيل التركيبة الجيولوجية لمنطقة القرن الافريقى وشرق افريقيا ومصر والسودان. ويبدأ الرجل الذى تولى عملية تصميم العديد من السدود فى افريقيا وقارات اخرى فى الاشارة لتبيانات للالوان فى احدى خرائطه المكبرة على شاشة الكمبيوتر، ويقول: «هذه الخريطة مهمة جدا لأنها توضح طبيعة الارض التى يبنى عليها السد الاثيوبى ــ الذى هو فى الواقع واحد من سلسلة من أربعة سدود، وان الارض هى منطقة فوالق، وبالتالى فهى منطقة لا ينبغى اساسا ان يبنى فيها سدود».
وبحسم يضيف الشناوى، ان الامر لا يتعلق فقط بتصميم السد الاسمنتى وما به من عيون لتمرير المياه يمكن ان تسمح بارتفاع منسوب المياه عن المجارى المخصصة لها مما يسبب فى حالة غمر شديدة الكثافة والمفاجئة ولكن ايضا لأن منطقة تخزين المياه الواقع فى قلب التربة القائمة على الفوالق يمكن ان تتسبب فى تسريب على جانبى مساحة التخزين، وفى الحالتين، حالة الغمر الشديد والمفاجئ أو حالة التسريب الجانبى الناجم عن ضغط التخرين، فإن هذا السد يمكن ان ينهار وبصورة مفاجئة مما يتسبب فى كارثة «تتجاوز اثيوبيا إلى السودان بجنوبه وشماله ثم إلى داخل الصعيد المصرى».
وأمضى الشناوى حياته المهنية الطويلة فى العمل فى تصميم وبناء السدود بداية من الهيئة الفنية لمياه النيل، التى تعد بمثابة الجهاز الفنى لوزارة الموارد المائية والمعنى بالبحوث والتصميمات ــ كما أمضى مساره الاكاديمى الطويل ــ والمستمر حتى الأن بالإشراف على باحثى الدكتوراة فى كليات الهندسة، فى دراسة انماط السدود وسبل بنائها تبعا لطبيعة الاراضى.
ويصر الشناوى على ان سيناريو الغمر ــ التسريب هو السيناريو الاقل كارثية فى حال سد النهضة. اما السيناريو الاكثر إفزاعا وهو غير مستبعد ان يقع هناك فهو هزة أرضية تتسبب فى اتساع الفالق الارضى المبنى فوقه السد مما يعنى ان السد ينهار بصورة كاملة وربما ايضا تنفلق قطعة من الاراضى المبنى عليها أو ربما كل الارض لتتحول إلى ما يشبه مدغشقر أى جزيرة جديدة فى البحر الأحمر مما يعنى احد امرين، الاول هو غرق شبه موكد لكل إثيوبيا والسودان واغلب مصر من خلال موجات فيضانية متتالية وكاسحة، والثانى هو تغيير فى تشكيل حدود بحيرة فكتوريا ذاتها وربما تغيير مسار نهر النيل ــ وهذا امر غير مستبعد بالكلية كما قد يبدو للبعض.
ويشرح الشناوى الامر بقوله: «نعم قد يتحول مسار النهر الازرق الذى يمد مصر بأكثر من ٨٠ بالمائة من حصتها من المياه ويذهب إلى المحيط الهندى، كما يمكن ان يتحول ايضا مسار النهر الابيض، والاكثر افزاعا من هذا ان الشركة التى تشرف على تصميم وبناء السد لها سوابق فى بناء سدود تعرضت لانهيارات جزئية أو كلية».
ويرفض الشناوى فى قول واحد الدفع على ما يطرح من سيناريوهات ابوكليبتيكية بأنها أمور قد تستغرق عقودا وقرونا، ويقول: «من هو الذى يعلم متى ستقع الهزة الارضية ومن هو الذى يعلم اذا كان الامر سيستغرق عقودا أو قرونا، ثم من هو الذى يمنحنا الحق فى ان نوافق على كوارث قد تلحق بالشعب بعد عدة قرون طالت ام قصرت».

فى كل الاحوال، يصر الشناوى ــ المولود لواحد من اهم مهندسى الرى فى مصر، وهو عبدالخالق الشناوى، الذى عمل لعقود طويلة فى مصر والسودان قبل ان يكون وزيرا للرى ــ على ان التعامل مع ملف سد النهضة ينبغى ان يكون قائما على اساس ادراك كل ما هو ممكن، «والامر يتجاوز بكثير ما يجرى الحديث الاعلامى المحدود عنه من تقليل مؤقت لحصة مصر التى هى اساسا غير كافية لاحتياجات المصريين، ولو ان هذا فى ذاته كارثة، كما يتجاوز ايضا امكانية ان يتسبب هذا السد، والسدود الثلاثة الاخرى التى ستلحق به بالتبعية، فى تجفيف بحيرة ناصر وهذه كارثة بيئية وليست فقط مائية».
ويصر الشناوى ايضا ــ ويدعو من يود الاختلاف معه لتقديم الدليل ــ على ان هضبة اثيوبيا بكاملها هى مساحة فوالق وزلازل نشطة وان احدا لا يستطيع التنبوء بموعد حلول الكارثة، كما ان احدا لن يستطيع وقفها فى حال ما وقعت، ويضيف «بالأساس نحن غير واثقين مما عرضه الجانب الاثيوبى حول تصمميات السد، وبالتالى فنحن لا يمكن لنا ان نكون على ثقة من ان هذا السد مصمم بعوامل أمان كافية، ونحن هنا نتكلم عن معاملات تأمين أى سد بعيدا حتى عما يتعلق بالامر من فوالق وزلازل».
وبحسب الشناوى، فإن المسعى الإثيوبى لبناء هذا السد و«النيل من حصة مصر غير الكافية إطلاقا من المياه» ليس بجديد، بل هو سابق لبناء السد العالى ــ «الذى هو سد ركامى مما يتناسب مع طبيعة المنطقة المبنى عليها بحيث لا يصبح هناك خطر من انهياره تماما، خصوصا أن فتحات تمرير المياه ليست مبنية داخل جسم السد نفسه» ــ واستمرت هذه المحاولات الاثيوبية بدعوى ان مصر تحصل على القدر الاكبر من مياه النيل «وهذا ايضا امر غير حقيقى لأن الهادر من مياه النيل كبير للغاية وما تحصل عليه مصر هو بالاساس ما كان يهدر فى البحر المتوسط قبل بناء السد العالى».
ويصر الشناوى على ان القول بأن مصر كانت قد قامت بتحجيم التوجه الاثيوبى لبناء السد اثناء حكم الرئيس حسنى مبارك هو دفع غير سليم لأن الامر لم يتم رفعه من على اجندة اديس ابابا التى تمكنت خلال السنوات الاخيرة من حكم مبارك من الحصول على ما يمكن وصفه بتفهم دولى واسع لحاجاتها المفترضة لبناء السد.
ويقول انه لابد من عملية محاسبة واسعة لتحديد المقصر فى هذا المجال، كما يصر ايضا على ان تتم محاسبة من لم يتحرك من المسئولين فيما بعد ثورة يناير عندما تم البدء فى عملية بناء السد استغلالا لظرف الاضطراب الادارى الذى نال من البلد، «وانا لا اتحدث اطلاقا عن ضرورة التحرك المباشر باتجاه وقف قسرى لبناء السد ولكن اتحدث عن اللجوء فورا للتحكيم الدولى لأن القانون الدولى الذى لا يسمح لأى من الدول المتشاطئة على أى نهر بالقيام بإحداث تغييرات غير طبيعية بدون موافقة كل الدول».
المشكلة الاكبر، بحسب تقدير الشناوى ــ الذى يرى فى السد كارثة حتمية لمصر ستسبب فى أهون الأحوال فى نقص فادح فى مياه الرى لعدة سنوات متتالية قد ينال من جزء كبير من الرقعة الزراعية المحدودة أصلا، كما يزيد من حالة الشح المائى الذى تعانيه مصر اجمالا ــ تكمن فى سعى بعض المسئولين خلال سنوات ما بعد ثورة يناير وما بعد ٣٠ يونيو للتخفيف من حجم المشكلة.
«لقد أرسل الرئيس الأسبق محمد مرسى وفدا هندسيا لمعاينة موقع بناء السد وعندما عاد الفريق اخبروا الرئيس بان الارضية التى سيتم عليها تخزين المياه خلف السد هى ارضية بها الكثير من الانشقاقات، ولكن مرسى انشغل فيما بعد بالخلافات السياسية، ثم ان حازم الببلاوى أطلق تصريحا كارثيا قال فيه إن سد النهضة يمكن ان يفيد مصر، ثم سمعنا تصريحات أخيرا من وزير الرى الحالى يتحدث فيها عن ثروة افتراضية من المياه الجوفية يمكن ان تكفى لزراعة اكثر من مليون فدان، وهذه كلها ترهات لا علاقة لها بالواقع»، بحسب ما يشدد الشناوى.
اما «الكارثة الاكبر» بحسب وصفه، فكانت فى الدخول فى مفاوضات «لا طائل منها لمصر على الاطلاق التى كانت ينبغى ان تصر على ان تكون هناك مسارات اخرى لحصول اثيوبيا على الطاقة الكهربائية بعيدا عن بناء قنبلة موقوتة» ــ ليس لمصر وحدها، ويضيف ان اهمال التنسيق مع السودان بالقدر الكافى خلال العقود الماضية كان ايضا «كارثيا» لأنه سمح لإثيوبيا «وفى الواقع لغيرها من دول المنبع» ان تجتذب السودان للتنسيق معها بدلا من ان تنسق مع مصر بوصف البلدين هما بلدى المصب».
وفى الوقت الذى كانت مصر فيه مشغولة بالحديث مع المكاتب الاستشارى وذلك المكتب الاستشارى دون أى جدوى فإن السوان كان يتلقى وعودا من اثيوبيا بإمدادات كهربائية وتعاون اقتصادى ثلاثى مع بلدان اخرى ترغب فى دعم اثيوبيا وغيرها من دول حوض النيل لأغراضها الاقتصادية والسياسية،» بحسب ما يقول الشناوى.
الشناوى اضاف ان «التفاوض كان كارثيا من وجهين، الاول انه منح اثيوبيا صكا مجانيا لموافقة مصر على بناء السد عوضا عما كان ينبغى ان يتم من تدويل القضية فورا ودون تردد، والثانى انه ادير من قبل وزارة الرى عوضا على ان يتم من قبل الجهة المنوطة بالتفاوض وهى وزارة الخارجية مدعوما بطواقم فنية وقانونية ومعلومات مخابراتية دقيقة».
ويصر الشناوى على أن إسرائيل ضالعة فى تشجيع اثيوبيا على بناء هذا السد لأن الهدف النهائى منه ليس توليد الكهرباء، بحسب قراءته، ولكن الضغط على مصر لتنفيذ مشروع إسرائيلى هو الحصول على امداد من مياه نهر النيل، فهم يدركون ان ترعة السلام لم تحقق اهدافهم وهم مصرون على تحقيق هذا الهدف، وهو الامر الذى يبدو واضحا للغاية من التصريح الاخير للسفير الإسرائيلى فى القاهرة حول استعداد بلاده للتدخل مع اثيوبيا لإيجاد حل ما لمشكلة سد النهضة.
ويصف الشناوى «كارثة سد النهضة» بواحدة من اصعب التحديات التى واجهت مصر اطلاقا، لافتا النظر إلى ان ما تم توقيعه فى الصيف الماضى عن اتفاقية التعاون الثلاثى بين مصر واثيوبيا والسودان كانت أسوأ ما تم بحق مصر لأنه منح إثيوبيا فرصة المضى قدما بدعم دولى متزايد تقول أديس أبابا إن مصر أصبحت جزءا منه.
يضيف أن الحل الوحيد امام القاهرة اليوم يكمن فى اللجوء إلى البرلمان ــ الذى لم يكن انتخب بعد عندما تم التوقيع على هذه الوثيقة ــ ليقوم برفض الاتفاقية وخلق واقعا سياسيا جديدا، ويقول انه يجب ألا تكون هناك ممانعة فى هذا الإجراء مرجعها ان الرئيس هو من وقع على هذه الوثيقة لأن مصلحة مصر تجب كل شىء.
ويقول الشناوى «انا لا اعلم ما هى طبيعة التقارير التى رفعت للرئيس وسمحت بالتحرك نحو خطوة التوقيع هذه، ولكن الامر يجب ان يتم نقاشه فى إطار الرأى العام، وانا ببساطة أقترح إجراء مناظرة علنية وانا مستعد للمشاركة فيها مع هؤلاء الفنيين الذين يقولون إن الضرر ليس كبيرا من السد لو تم الاتفاق على ترتيبات ملء خزان سد النهضة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer