Tue, 27/11/2012 - 21:35
حذرت بالأمس من خطورة خلط الأوراق،
ووجهت نداء إلى القوى الوطنية والثورية أطالبها فيه بأن تكون أكثر حرصاً
على وضع خطوط فاصلة بينها وبين قوى ترتبط عضوياً بشبكة مصالح النظام
القديم، وتحاول استغلال الأزمة السياسية الراهنة لركوب موجة الثورة والظهور
بمظهر القوى الرافضة الاستبداد والمدافعة عن الديمقراطية.
واليوم أحذر من خطورة الإفراط فى الثقة
بالنفس، وأوجه نداء مخلصاً للسيد الرئيس والقوى الداعمة له بأن يكونا أكثر
حرصاً على التهدئة، وأن يتوقفا عن التصعيد لإتاحة الفرصة، للبحث عن مخرج من
تلك الأزمة العميقة التى تهدد بوقوع كارثة كبرى. يدفعنى لتوجيه هذا
التحذير ما لمسته من معان مقلقة تضمنها البيان الذى أدلى به المتحدث الرسمى
لرئاسة الجمهورية، عقب اللقاء الذى جمع بين رئيس الدولة والمجلس الأعلى
للقضاء، يوم الاثنين الماضى.
من المعروف أن هذا اللقاء عقد بناء على طلب
من المجلس، ومن ثم كان يفترض إحاطة الرأى العام علما بما جرى فيه، من خلال
متحدث باسمه، وليس باسم الرئاسة. غير أن المجلس لم يصدر، حتى كتابة هذه
السطور، بيانا أو ينطق بكلمة واحدة تفصح عما دار فى هذا الاجتماع، سواء ما
تعلق منه بوجهة النظر التى عرضوها على الرئيس أو بموقف الرئيس منها. كل ما
نعرفه أن المجلس الأعلى للقضاء كان قد استبق هذا اللقاء ببادرة تعكس حسن
النية، وحاول النأى بنفسه بعيداً عن موقف سياسى تصادمى عبر عنه نادى
«الزند»، فطالب القضاة بالحرص على انتظام العمل داخل المحاكم، وترك الباب
مفتوحا أمام التفاوض لتعديل الإعلان. وقد بدا واضحا من تصريحات المتحدث
الرسمى أن «الرئاسة» تعاملت مع مبادرة المجلس، باعتبارها دليل ضعف وانقسام
فى صفوف القضاء. ليس هذا فقط، بل بدا ما قاله المتحدث الرسمى ليس فقط
متحديا لكل القوى الرافضة الإعلان، ومنهم القضاة، بالتأكيد على عدم وجود
نية لإدخال أى تعديلات على الإعلان، ناهيك عن إلغائه، وإنما بدا مهينا أيضا
ومستخفا بعقلية الشعب المصرى كله، حين تصور أن مجرد الحديث عن الحرص على
قصر التحصين على القرارات المتعلقة بالأمور «السيادية» فقط سينهى الأزمة،
فهل يعتقد السيد الرئيس أن الشعب المصرى أصبح ساذجا إلى هذه الدرجة؟!
يتنامى شعورى بالقلق كل يوم، خصوصاً بعد
تكشف معلومات تفيد بأن الرئيس لم يستشر أحدا، بمن فى ذلك أقرب مساعديه، فقد
تردد أن المستشار محمود مكى، نائب الرئيس، الذى كان فى مهمة رسمية فى
المكسيك لم يستشر ولم يشارك فى صياغة الإعلان، وأن المستشار أحمد مكى، وزير
العدل، كانت لديه بعض التحفظات، وحاول إدخال بعض التعديلات، وحذر من ردود
فعل القضاة، لكن تحذيراته ذهبت أدراج الرياح، ولم يؤخذ بتعديلاته إلا
جزئياً. وكل من سألت من مستشارى الرئيس، وبعضهم أدلى بتصريحات فى وسائل
الإعلام، أكد أنه لم يستشر مسبقا، ولم يحضر أى اجتماعات لمناقشة النص
المقترح للإعلان، أو حتى طريقة إخراجه وتسويقه بعد صياغته، بل إن الدكتور
مرقس، مساعد الرئيس لشؤون التحول الديمقراطى، قدم استقالته، احتجاجاً على
إعلان بدا واضحاً أنه يقطع الطريق على أى تحول ديمقراطى حقيقى.
هل يسمح لى السيد الرئيس بأن أذكره بأن
مفاوضات فندق فيرمونت، التى شارك فيها بنفسه، ركزت على ضرورة التخلى عن
«شخصنة السلطة» والسعى نحو «مأسسة الرئاسة»، وأنه أعلن التزامه القاطع
بهما، قبل توليه المنصب الرئاسى؟! ويؤسفنى أن أقول الآن إن الإعلان الذى
أصدره يمثل النقيض التام لما سبق أن تعهد به، ويعكس إما ثقة مفرطة فى النفس
أو محاولة للهرب إلى الأمام، وكلاهما خطر.
لا أطالب السيد الرئيس بإلغاء الإعلان، كشرط
للدخول فى مفاوضات، وإنما أطالبه بالإعلان عن استعداده للدخول فى مفاوضات
تستهدف بلورة رؤية مشتركة، لإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية. لقد سبق
أن رفضنا طريقة المجلس العسكرى فى إدارة المرحلة الانتقالية، خشية من أن
تنتهى بعودة الفلول، ومن الطبيعى أن نرفض إدارة المرحلة الانتقالية بطريقة
تؤدى إلى إحكام الهيمنة المنفردة للجماعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات