الأقسام الرئيسية

بالفيديو|«الوطن» تخترق أكبر عصابة لتهريب السلاح في الصحراء الغربية

. . ليست هناك تعليقات:

- المهربون يطالبون بمعرفة المكان الذى ستتجه إليه الأسلحة لتحديد أقرب المخازن فى الطريق.. و«شقيقان» يشاركان قيادة أمنية كبيرة فى مخازن «النجيلة»
كتب : عبدالوهاب عليوة السبت 11-08-2012 12:25


فى قلب الصحراء، وبعيدا بمئات الكيلومترات عن مدن العمران، فى محافظة مرسى مطروح، تقطعها سيارات «لاند كروز» مدججة بالسلاح، وكاسرة حاجز الصمت وسط الصحراء الغربية.. ترى بعض المبانى المتناثرة على مرمى البصر، حيث تقبع مخازن السلاح، المدفونة تحت الرمال، والتى أنشئت نتيجة ازدهار تجارة السلاح براً وبحراً على الحدود المصرية الليبية، فى أعقاب ثورة ليبيا، التى كثيراً ما تمر بمصر -مؤقتا- ومنها إلى قطاع غزة، وهو ما ساعد على إدخال شحنات ضخمة من الأسلحة والمتفجرات، تبدأ بالقنبلة وتنتهى بمضادات الطائرات، وهو ما قدره رئيس الوزراء السابق كمال الجنزورى، ضمن حديثه عن الانفلات الأمنى الذى تشهده مصر، بأنها تزيد على 10 ملايين قطعة سلاح، تتزايد باستمرار مع توالى عمليات التهريب التى لا تتوقف على الحدود المصرية الليبية.
محرر الوطن اثناء فحصه لصفقة الاسلحة
خلال 45 يوما، هى مدة إنجاز هذا التحقيق، سعت «الوطن» إلى التواصل مع عدد من تجار السلاح على الحدود الغربية، وتمكنت من خلال ذلك من كشف 5 مناطق تستخدم فى تخزين السلاح، القادم من ليبيا، تلك المخازن يسيطر عليها أفراد من البدو، فى محافظة مطروح، ويظل فى حمايتهم إلى أن يسلم إلى وسطاء آخرين، ينقلونه إلى وجهته قبل النهائية، التى غالباً ما تكون بعض محافظات الصعيد أو سيناء، ويتجه منها إلى غزة مباشرة.
«الوطن» تحركت من خلال وسيط، يسكن فى قرية «عرب العليقات» فى محافظة القليوبية، بغرض كشف أماكن هذه المخازن وكيفية الوصول إليها. لم يتردد الرجل فى تقديم المساعدة للحصول على عدة قطع من السلاح، يفترض أن تنقل إلى غزة، فى مقابل نسبة 5% من ثمن كل قطعة، حيث هرول الرجل إلى مرسى مطروح والسلوم عدة مرات للتنسيق لهذه الصفقة، وكانت تعقب كل زيارة عدة اتصالات يجريها بدوره مع أحد السماسرة، وقد أسفرت الزيارات والاتصالات فى النهاية عن تحديد موعد مع سمسار بدوى، قابله محرر الجريدة فى مرسى مطروح، بغرض معاينة السلاح، ثم الاتفاق على سعر الشراء وطريقة تسلمه.
يمتلك بعض البدو فى مرسى مطروح والسلوم مفتاح سوق السلاح، ولا يمكن تداول عملية البيع والشراء دونهم، والسبب فى ذلك يرجع للثقة المتبادلة بين القبائل وبعضها، بسبب سيادة القوانين العرفية الصارمة، التى يخشى الجميع خرقها، كى لا تنعكس أضرارها على بقية أبناء القبيلة، كما أن خبرتهم الواسعة بدروب الصحراء تكسبهم ميزة إضافية.
بمجرد وصولنا إلى موقف مطروح اتصلت به، وطلب منا الانتظار خمس دقائق ريثما تصل سيارة تابعة له، وطلب منا ترك السيارة التى أقلتنا من القاهرة إلى مطروح، وبالفعل قبل أن تنتهى الدقائق المحددة تحركت السيارة فى اتجاه طريق السلوم، واقتصر الحوار مع السائق على الترحيب، وبعد 10 كيلومترات -وفقا للافتات المرور من «نخلة»- اتجه السائق بالسيارة يمينا فى مدق وسط الصحراء، وتوقف أمام منزل يقف منفردا فى الصحراء، ثم خرج منه رجل نحيل الجسد أسمر الوجه يرتدى ملابس بدوية، حاملا سلاحه الآلى على كتفه، عرفت فيما بعد أنه سمسار يدعى «أ. د»، طلب منى الركوب معه فى سيارة دفع رباعى بيضاء بلا لوحات معدنية، وتحرك ثانية تجاه الطريق الرئيسى ومنه إلى مدق آخر وسط الصحراء، ثم سلك عدة منحنيات طيلة ساعة كاملة أفقدتنى الإحساس بالمكان، إلى أن توقف فجأة أمام أحد المنازل مبنى بالطوب الجيرى الأبيض من الخارج وأمامه حوش محاط بسور تقبع فى نهايته أقصى اليسار غرفة منفصلة، عرفنا بعد ذلك أنها مخزن سلاح، بينما يمين الحوش هو مدخل المنزل.
عند سماع صوت السيارة خرج ثلاثة أشخاص تظهر عليهم الملامح البدوية -أحدهم يحمل سلاحا آليا- للترحيب، ودار حوار مع السمسار باللهجة البدوية انتهى بدخول «المندرة»، كما يطلقون عليها، وهى عبارة عن غرفة متصلة بالبيت، ولها مدخل منفصل ومفروشة بـ«قعدة عربى»، وقدموا لنا الشاى البدوى، ثم بدأ أحدهم ويدعى «أ. ح» يدير الحوار، بينما صمت الاثنان الآخران، حيث تساءل الأول عن مطلبنا بقوله: «طلباتك يا باشا، عايز سلاح تقيل؟»، وهكذا دار الحديث معه، متعمدين الدخول فى الكلام مباشرة، بناء على نصيحة سابقة من أحد الذين يعملون فى تهريب السلاح بالسلوم، وحددنا ما نريد بـ«صواريخ حرارية وقنابل يدوية ومدفع هاون»، لذا كان جوابه عكس ما كنا نتوقع، فهو لم يستغرب طلبنا، وكأننا نطلب «طبنجة» عادية، بل قال: «شغال غزاوى يعنى»، وأضاف: «طيب قبل أى حاجة كده ما تجيبليش سيرة الجهاد وتقولى ساهم بأى حاجة».
بعد الاتفاق على هذا المبدأ، استرسل الرجل فى الكلام قائلا: «هتسيب عربون مقدم، وتستلم بعد 3 أيام»، قلنا له: «ليه، هى الحاجة مش موجودة دلوقت؟»، فقال: «هذه النوعيات حركة بيعها بطيئة، وغالبا ما تكون بالطلب وتوضع فى مخزن آخر»، وعندما تساءلنا عن المانع فى أن نذهب إليه غير ده، قائلين: «ما المانع أن نذهب إليه الآن؟»، يصمت لبرهة يجرى بعدها اتصالا تليفونيا قصيرا، بلهجة غير مفهومة، يتبعها بقوله: «العملية مش بالبساطة دى»، وأمام محاولتنا لرؤية نوعيات هذه الأسلحة، أكد صعوبة رؤيتها فى الوقت الحالى، بسبب وجود هذه النوعيات من الأسلحة فى مخزن مدفون فى قلب الرمال، بينما أى حاجة تانية موجودة هنا، وتستطيع أن تأخذ منها ما تريد الآن.
بعد هذا الحوار، أخذنا البدو فى اتجاه مخزن السلاح، لمشاهدة نوعيات أسلحة أخرى «خفيفة»، من وجهة نظرهم، لمعاينتها ومعرفة أسعارها وشراء ما نريد منها، وكان المخزن عبارة عن غرفة منفصلة فى «حوش» البيت، لها باب حديدى، تختبئ خلفه كميات كبيرة من الأسلحة، بمختلف ألوانها وأشكالها، إلى جانب أعداد كبيرة من صناديق الذخيرة بأحجامها المختلفة، المصنوعة من الصاج والخشب المختوم وما زالت بشمعها. وبدأ «أ. د» يعرض بضاعته: «هذه بنادق قنص، تبدأ أسعارها من 15 ألف جنيه، ويصل سعر بعضها إلى 50 ألفاً»، ويحدد السعر حسب إمكانية كل بندقية، فهناك بنادق بمنظار ليلى وتضرب على بعد 7 كيلومترات، ويصل ثمنها إلى 25 ألف جنيه، وهناك بنادق الـf n، ويصل مداها إلى 3 كيلومترات ويبلغ ثمنها 30 ألف جنيه، مرجعا ذلك إلى أنها من أجود أسلحة القنص فى مصر ونادرة. وأمسك ببندقية أخرى قائلا: «هذه قناصة هتلر، وهى أيضا من أجود أسلحة القنص وقديمة جدا ولا تجدها بسهولة»، وأرجع تسميتها بـ«هتلر» إلى رجال هتلر الذين كانوا أول من استخدموها، مضيفا: «منها نوعان 6 و14 طلقة ويصل سعرها إلى 50 ألف جنيه»، وقال: «على فكرة أى بندقية منهم يتم تشحيمها ولفها وتخزينها فى باطن الأرض، حيث لا تتأثر بأى شىء، فقط يتم إخراجها كل 3 أشهر لإعادة تشحيمها من جديد».
- بنادق قنص تبدأ من 15 ألفاً إلى 50 ألف جنيه.. والبنادق الآلية «الصينى» بـ16 ألفاً والأمريكى 25 ألفاً والروسى 28 ألفاً.. وكلها بـ«كيس بلدها»
وبسؤاله عن الذخيرة الخاصة بكل بندقية، وإذا ما كانت متوافرة فى الأسواق أم لا، ضرب بيده على صناديق الذخيرة قائلا: «كل حاجة موجودة»، وفى الجهة المقابلة أشار إلى الرشاشات الآلية بجميع أنواعها ومستلزماتها، بداية من «الصينى» الذى يباع بـ16 ألف جنيه، وحتى الأمريكى الذى يبلغ ثمنه 25 ألف جنيه، والآلى الروسى بـ28 ألف جنيه، موضحا وجود «آلى» قطرى وعراقى، وهى بنادق أرخص قليلا، ولا يتعدى سعر الواحدة منها 18 ألف جنيه، وبالنسبة للجرانوف بأحجامه المختلفة، فإن سعره يبدأ من 25 ألف وحتى 60 ألف جنيه، وهناك «الغدارة»، وهى عبارة عن رشاش صغير جدا تستخدمه أجهزة المخابرات والشركات الأمنية الخاصة مثل «بلاك ووتر»، ويضرب 60 طلقة متواصلة، «زى ما انت شايف كل حتة بشحمها وكيس بلدها»، حسب قوله.
اتفقنا على تحديد ما نريد والشراء عندما تصل باقى «الحاجة» كما سماها، وانتهى اللقاء بعودتنا فى الليل، شديد البرودة هناك رغم ارتفاع درجات الحرارة نهارا، وسط دروب لم نعرف كيف سلكناها ولا كيف خرجنا منها.
الزيارة الثانية للمكان، كانت بعد الاشتباكات التى وقعت بين قوات الجيش وأهالى السلوم. ولمدة 48 ساعة، تمكن المهربون من استغلال فرصة وقوع الاشتباكات وانسحاب قوات الجيش من السلوم، حيث اعتبرها المهربون فرصة لن تتكرر، حسب وصف «أ. ب»، وهو أحد العاملين فى تهريب السلاح بالسلوم. فمع أذان العشاء فى الليلة الأولى وصلت أكثر من 80 «فلوكة» محملة بالسلاح إلى شاطئ السلوم، وهو ما تكرر فى الليلة الثانية، إلى جانب المنفذ الذى شهد تهريباً علنياً فى وضح النهار أمام أعين الأهالى.
ويوضح «أ. ب» أن عمليات التهريب نشطت بشدة بعد دفن جثامين ضحايا الأحداث، حيث كانت كميات الأسلحة مخزنة فى ليبيا، ومن المقرر أن تهرب إلى مصر على فترات متباعدة وبكميات محدودة، وفقا للحالة الأمنية على الحدود، لكن المهربين وجدوا انسحاب الجيش فرصة لا تعوض ويجب استغلالها، وبناء على ذلك أجريت اتصالات بالمهربين فى الجانب الليبى، الذين استجابوا للجانب المصرى على الفور، خاصة فى ظل حالة الانفلات الأمنى التى تشهدها الأراضى الليبية، مضيفاً أن المهربين نجحوا فى دفن هذه الكميات الكبيرة من الأسلحة فى مخازن وسط الصحراء، نظراً لصعوبة تصريفها، خاصة مع تشديد قوات الأمن لحصارها خارج السلوم.
بعد 3 أسابيع جاءنا اتصال هاتفى يؤكد أن «طلبية الأسلحة» جاهزة، وكان مكان اللقاء أمام كافيتريا «عمر المختار» فى سيدى برانى، قبل السلوم بـ80 كيلومترا، التى ما إن وصلنا إليها حتى تحركنا منها بصحبة أحد رجال «أ. ح» فى مدقات صحراوية، حتى وصلنا إلى منطقة وسط الصحراء بعد أكثر من ساعة ونصف، وبمجرد نزولنا من السيارة قابلنا «أ. ح»، الذى تحرك بنا لنجد 7 رجال فى استقبالنا، وكانوا نحيلين رغم أن بنيتهم لم تكن ضعيفة، ويرتدون الجلباب الأبيض المميز للبدو، وكانوا حريصين بشدة على تأمين أنفسهم، حيث حملوا أحدث أنواع الأسلحة.
جلسنا مع المهربين فى العراء، حيث بدأ «أ. ح» يعرض بضاعته، وبدأ بالصواريخ الحرارية، التى أكد وجود نوعين منها، الكبيرة والصغيرة، التى جاء بها رجاله من مخزن ظاهره حفرة فى باطن الرمال، ولكنه كان من الداخل عبارة عن غرفة خرسانية يملؤها السلاح الثقيل، وأكد أن سعرها -الصواريخ- يبدأ من 15 ألفا، ويصل إلى 30 ألف جنيه، دون مصروفات النقل، التى أوضح لنا أنها ترفع ثمن القطعة الواحدة إلى الضعف، كما عرض علينا مدفعاً لضرب الصواريخ، يصل ثمنه إلى ثلاثين ألفا، وعندما سألناه باستغراب عن أن سعر المدفع يبلغ سعر صاروخين، أرجع السبب إلى صعوبة نقله وكبر حجمه، اللذين يتسببان فى تضاعف أسعاره، بالإضافة إلى أنه «مستعمل».
- الصاروخ الحرارى بـ15 ألفاً.. ومدفعه بـ30 ألفاً.. وأهالى «السلوم» استغلوا معاركهم مع الجيش لتهريب كميات كبيرة من السلاح الليبى
وعن النقل، يؤكد «أ. ح» إمكانية توصيل السلاح إلى المكان الذى نريده، فإذا كان الهدف الوصول إلى القاهرة الكبرى، توصل الأسلحة إلى حدود محافظة الجيزة مع مطروح، فى منطقة الواحات البحرية، ويتولى «الزبون» كما سماه، نقلها من هناك ويكون مسئولا عن تأمينها، بينما يكون نقلها إلى سيناء عن طريق السويس، بالتنسيق مع بدو سيناء، الذين يتحكمون فى دخول أى قطعة سلاح إلى أرض الفيروز ومنها إلى غزة. وبعدها سألنا «أ. ح» عن المكان الذى نريد نقل السلاح إليه، مؤكداً على ضرورة ذلك لكى يتمكن من تحديد المخزن الذى ينقل منه السلاح، أو التحميل من مخزن آخر.
وأخبرنا «أ. ح» أن المناطق التى يخزن وينقل السلاح إليها تحدد حسب قربها من أقرب مخزن سلاح، وأبرز هذه الأماكن «رأس الحكمة»، التى صدمنا من وجود مخزن للسلاح بها رغم أنها تحتوى على استراحة لرئيس الجمهورية، إلى جانب وجود قوات الجيش فيها. وأضاف أن هناك أيضا منطقة النجيلة والفوكة، التى تبعد عن مطروح بـ80 كيلومترا، ويخزن السلاح بها لصالح مهرب يدعى «ن. م»، وأخيه «م. م»، يشاركهما أحد أكبر القيادات الأمنية فى المنطقة، حيث يسيطرون على المنطقة بالكامل من سيدى برانى والنجيلة والعلمين وسيدى عبدالرحمن، وحتى الكيلو 21، وهى مناطق خاضعة لسيطرة البدو وينتقل السلاح منها وإليها بكل سهولة.
وعن «الزبائن» يقول الرجل إنهم يتنوعون، بين من يأتى لشراء قطعة سلاح واحدة ويظل «يفاصل» فى سعرها، وبين من يشترى شحنة سلاح كاملة، مطالباً بألا تنزل منها قطعة واحدة إلى السوق.
بعدما انتهى الاتفاق على تسليم البضاعة ودفع ثمنها خلال الأسبوع المقبل، وتحديد مكان التسليم، لم نتحرك قبل ترك العربون، وبرر مطالبته بالمال بـ«حتى لا نتصرف فى البضاعة».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer