الأقسام الرئيسية

أنعى إليكم الشراكة مع الرئاسة

. . ليست هناك تعليقات:

Sun, 05/08/2012 - 21:28

عندما أعلن اختيار هشام قنديل رئيسا للوزراء، كان الاسم مفاجئاً لكل من تلقى الخبر، فلا الأوساط السياسية ولا عموم الناس يعلمون عنه الكثير ولا القليل.. بعد تكليفه، كانت ولادة حكومته عسيرة، ويقال إنها كانت فى بعض الأحيان عشوائية على نحو «شوفوا لنا أستاذ جامعة كويس» أو «هوه مفيش حد معقول من النادى الأهلى».. وتؤكد مصادر أن بعض الأجهزة الرقابية، صاحبة السيطرة فى عصر مبارك، لم تكتف بالتحقق من طهارة المرشحين ولكنها كانت تتطوع بالترشيحات.. وفى إحدى المرات طلب رئيس الوزراء من مرشح التقاه على عجل أن يكتب سيرته على ورقة ويتركها عند مدير المكتب.. لا أظن أن أيا من رئيس الدولة أو رئيس الوزراء كان قد حدد هوية الحكومة تماما أو معايير اختيار أعضائها، وكان هذا واحدا من الأسباب التى جعلت رئيس الوزراء يواجه مصاعب لا قبل له بها فى اختياره المرتبك لوزرائه.. والواقع أن البعض رفض المشاركة فى وزارة تحت حكم الإخوان المسلمين، وكثيرون اعتذروا لأسباب من بينها أن منصب الوزارة لم يعد له ما كان له من بريق فى الماضى، وما شاع من أن الحكومة لن تستمر سوى شهور قليلة فقط حتى يصدر الدستور، وآخرون اعتذروا لعدم وضوح الصلاحيات، أو لأن رئيس الوزراء ليس «ملء هدومه»، كما قال أحدهم.. واضطر الدكتور قنديل أن يستنجد بالرئيس عدة مرات.
ربما لم يكن فى كل ذلك شىء غريب، وقد تكون العبرة كما يقال بالخواتيم.. لكن الخواتيم كانت فاجعة.. استبقى رئيس الوزراء 8 من أعضاء حكومة الجنزورى، بينهم من كانت له ارتباطات وثيقة بنظام مبارك، وهو ما يمثل نحو ربع الحكومة الجديدة، حتى إن البعض سخر: «ولماذا استبعدت فايزة أبوالنجا إذن؟».. وخلت الحكومة تماما من شباب الثورة، ولم تحظ المرأة سوى بمقعدين فقط، وكذلك المسيحيون لم يكن من نصيبهم سوى وزارة واحدة.. وكان اختيار وزير الداخلية بالذات صادما، سواء لدوره فى مقاومة الثورة فى أيامها الأولى فى أسيوط، أو دوره أثناء أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، أو دوره فى الشهادة ضد شهداء الثورة ومصابيها فى المحاكم، أو علاقته الوثيقة المعروفة بحبيب العادلى.. كانت الحكومة حكومة «بيروقراط» بامتياز وليست حكومة «تكنوقراط»، أى أنها حكومة كبار موظفين، ومع ذلك فهناك خمسة من أعضائها ينتمون إلى جماعة الإخوان، ووزير من حزب الحضارة، وآخر من حزب الوسط، وكلاهما حزبان إسلاميان، ومع ذلك فالحكومة ليست ائتلافية.. ويتولى بعض وزراء الإخوان وزارات حيوية فى السيطرة والتمكين، مثل وزارة الشباب التى تدير 4300 مركز للشباب، ووزارة القوى العاملة المسؤولة عن اتحادات العمال، ووزارة الإعلام.. وخلت الحكومة من القامات الوطنية سوى المستشار أحمد مكى، رمز حركة استقلال القضاء، وإن كان فيها وزراء بخلفية سياسية معروفة، مثل محمد محسوب الذى شكل «لجنة استعادة ثروات مصر المنهوبة» أثناء الثورة فى ميدان التحرير، ومثل النائبين السابقين خالد الأزهرى وأسامة ياسين.. وزاد من الفجيعة فى الحكومة أنها عندما بدأت عملها لم تبشر بضمانات للحريات، وإنما هددت وأنذرت، ليس بإعادة حالة الطوارئ فحسب على لسان وزير الداخلية، وإنما بتحذير وزير الاستثمار للفضائيات بالإيقاف وسحب التراخيص بحجة فريدة فى نوعها هى تحسين مناخ الاستثمار.
لم تصوب الانتقادات نحو أعضاء الحكومة فقط، ولكنها تناولت رئيس الوزراء ذاته.. وتركزت فى أغلبها على كونه شخصية ليس لها ثقل سياسى ولا دور فى العمل العام سوى توليه وزارة الرى فى حكومتى شرف والجنزورى، وهما فى نظر الكثيرين حكومتان تنتقصان من سمعة الوزراء ولا تضيفان إليها، خاصة أنه لم يعرف عنه أنه اتخذ موقفا محددا إزاء الأحداث التى واجهت البلاد طوال عمر هاتين الحكومتين، مما يرجح أنه سيكون سكرتيرا تنفيذيا لرئيس الجمهورية على النحو الذى كان مألوفا أيام مبارك.
لو كان البلد فى ظروف عادية لكان من حق الرئيس أن يكلف حزب الحرية والعدالة الذى فاز فى الانتخابات البرلمانية بالانفراد بتشكيل الحكومة على النحو الذى يشاء، لكن الظروف ليست كذلك.. الأمن منفلت، والاقتصاد يترنح، والمشكلات التى تقابل المواطنين فى حياتهم اليومية فاقت كل حد، والأهم من هذا كله أن الشعب منقسم بعد الانتخابات الرئاسية، وأن القوى المستفيدة من عصر مبارك لاتزال تتربص بالوطن.. لهذا لبّت «الجبهة الوطنية»، التى أشرف بعضويتها، دعوة الدكتور مرسى قبل إعلان نتائج الانتخابات بأيام.. وبعد مفاوضات فى ليلة مضنية امتدت حتى الفجر، تم الاتفاق على قيام شراكة بين الجانبين فى مشروع وطنى جامع على أساس تعهدات قبل بها الدكتور مرسى وأعلنّاها سويا فى المؤتمر الصحفى الشهير يوم 22 يونيو.. تتضمن هذه التعهدات من بين ما تتضمن أنه إذا نجح الدكتور مرسى فى الانتخابات، فسوف يعمل على قيام دولة ديمقراطية مدنية حديثة تضمن الحريات وحقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية، وسوف تشكل حكومة إنقاذ ترأسها شخصية وطنية مستقلة، ونصت التعهدات على تشكيل خلية أزمة لاستكمال إجراءات تسليم السلطة للرئيس المنتخب، وتعيين فريق رئاسى يمثل الأطياف السياسية، وإعادة التوازن للجمعية التأسيسية للدستور، بحيث تمثل الشعب تمثيلا عادلا.. وحذرنا يومها أيضا من التلاعب فى نتائج الانتخابات، وأعلنا استمرار الضغط الشعبى السلمى لتحقيق أهداف الثورة.
كانت لمعظم الرموز الوطنية التى شاركت فى الجبهة علاقات سابقة مع الإخوان المسلمين، كلها شد وجذب وريب متبادلة.. ومع ذلك فقد رأينا أن اللحظة الفارقة تستدعى التسامح مع الماضى والاصطفاف من أجل الوطن والثورة، وبدأنا فى عمل مخلص لمعاونة الرئاسة على مهمتها بعقل منفتح وحماس بلا حد، وأخذنا نمدها بمقترحات جادة فى شؤون متباينة.. إلّا أن تجربة الأسابيع الأولى لم تكن ناجحة بأى مقياس، حتى جاءت مفاجأة تكليف هشام قنديل بالوزارة.
يوم السبت 28 يوليو، عقدنا مؤتمرا صحفيا أعلنا فيه استياءنا، خاصة من تكليف رئيس حكومة يفتقر إلى المعايير التى تم الاتفاق عليها، ومن الغموض الذى يلف قصر الرئاسة فيما يتعلق بتشكيل الفريق الرئاسى، الذى تسربت عنه أخبار مشوشة لم يتأكد منها سوى تعيين الجنزورى، الذى كان الإخوان قد أشبعوه هجوما، مستشاراً للرئاسة، وأوحت الأخبار بأن مناصب المستشارين والمساعدين من القوى السياسية غير الإسلامية أقرب إلى أن تكون شرفية بلا ملفات محددة.. استأنا كذلك من غياب الشفافية بين الرئيس والشعب، ومن انعدام التشاور مع الجبهة، ومن تجاهل تعديل تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، ومن التناقض فى العلاقات مع المجلس العسكرى، وطالبنا الرئيس بتصحيح المسار، إلّا أنه لم تمر أيام حتى أعلن عن التشكيل الحكومى الكامل بالشكل القاصر الذى رأيناه.
إن لم يكن قد بلغ الرئيس صدى هذا التشكيل، فقد بلغنا نحن.. بلغنا فى انتقادات حادة حمّـلتنا كشركاء مسؤولية الاختيار، ومسؤولية خداع الرأى العام الذى أوحينا إليه باتفاقنا مع الدكتور مرسى أن الأمور ستسير على نحو أفضل حتى لو كان الزمن - على حد تعريف برنامج تليفزيونى شهير - زمن الإخوان.. بل إن البعض أمعن فى التهجم علينا حتى اتهمنا زوراً بأننا اختلفنا مع الرئيس لأننا لم نوعد بمناصب وزارية، فى حين أننا لم نرشح أحدا من أعضاء الجبهة لأى منصب، وأعلنا أننا لن نتولى أى مسؤوليات رسمية، ونفى بعضنا شائعات حول تولى وزارات بعينها، وقمنا بترشيح آخرين ينتمون لقوى سياسية مختلفة.
اليوم، بعد تشكيل الحكومة على النحو الذى شكلت به، وبعد النكوص عن التعهدات التى أعلنت ضمن اتفاق الشراكة الذى عرف بـ«اتفاق فيرمونت» - نسبة إلى الفندق الذى كنا اجتمعنا فيه - فإننا لا نستطيع تحمل مسؤولية هذه الشراكة، بل إنها فى واقع الأمر لم تعد قائمة على نحو ما يتضح من بيان الجبهة المقرر أن يكون قد أعلن أمس الأحد.. حرصنا فى مسودة هذا البيان، تماما كما حرصنا فى مؤتمرنا الصحفى الأخير، على أن نوضح أننا لا ننقلب على الرئيس، ولايزال هذا موقفنا.. نحن لن نعمل ضد الرئاسة، ولكننا سنتعامل معها كمواطنين، لهم حقهم فى الانتقاد والنصح، وعليهم واجب فى تقديم العون إذا ما دعت الحاجة.
أصبنا بخيبة أمل كبرى فى الوفاء بتعهداتٍ رأينا، ولا نزال نرى، أنها فى مصلحة الوطن، لكن ذلك لن يمنعنا من المضى فى اتخاذ المواقف التى نراها صائبة، وأن نظل دائما الجبهة التى تمثل ضمير الوطن.. نظل نتابع ونراقب ونساهم ونحاسب، لكننا بعد إجهاض العهود لم نعد شركاء.. أنعى إليكم آسفاً هذه الشراكة مع الرئاسة.
(كتب المقال صباح الأحد)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer