الأقسام الرئيسية

«الدستور».. و«الفراعين»

. . ليست هناك تعليقات:

Fri, 17/08/2012 - 20:40

إذا كان هناك شىء يجب أن يقال فى قضية «الدستور» و«الفراعين» مع الرئيس مرسى، هذه الأيام، فهذا الشىء هو أن الناس فى بلدنا لم يتعودوا على هذه النبرة العالية فى توجيه النقد إلى رئيس الدولة، قد يكون هناك شطط من نوع ما فى المادة التى كانت «الدستور» تنشرها، وتوجه من خلالها نقداً حاداً إلى الدكتور مرسى كرئيس، وكذلك الحال مع الدكتور توفيق عكاشة على قناته، وقد لا نكون أنا أو أنت، موافقين على كثير مما جاء فيهما من وجوه الهجوم والانتقاد، وهذه حقيقة، فليس كل الناس مع الجريدة أو القناة، فيما كانت تقوله كلتاهما.. لكن.. هذا شىء.. وإحالة «عكاشة» أو إسلام عفيفى، رئيس تحرير الدستور، إلى المحاكمة، شىء آخر.
فالأرجح أن بعض ما جاء فيهما صحيح، والأرجح أيضاً أن البعض الآخر كان خروجاً على الخط العام، الذى نشأنا عليه جميعاً، فيما يتصل بتناول أعمال وحياة رئيس الدولة فى وسائل الإعلام.. لكن أيضاً يبقى دائماً أن علينا أن نوطّن أنفسنا، كمسؤولين فى البلد، على أن الرد على النقد يتعين أن يكون بالطريقة ذاتها، ومن خلال الوسيلة نفسها، أى بالكلمة والصورة، بدلاً من أن يكون الرد فى ساحات المحاكم، لا لشىء إلا لأننا هنا نتحدث عن رأى، وعن وجهة نظر، حتى ولو كانت الآراء ووجهات النظر خاطئة، وبالإجمالى نتحدث عن ممارسة حق مشروع فى انتقاد أى شخص يتولى مسؤولية عامة، حتى ولو كان هذا الشخص هو رئيس الجمهورية، فتلك، فيما يبدو، هى الضريبة التى عليه أن يسددها راضياً، فلا يضيق بها صدره فى كل الأحوال.
إن علينا، فى المقابل، أن نتوجه بأعيننا إلى خارج الحدود، لنتطلع ثم نرى كيف تتعامل وسائل الإعلام مع رؤساء الدول بشكل خاص، ومع المسؤولين بشكل عام، فى دول كثيرة، ويجب هنا ألا نقارن أنفسنا بالأقل بين الدول، وإنما يتعين أن تكون المقارنة مع الدول التى قطعت شوطاً بعيداً فى هذا الاتجاه.
قطعاً، فإن بعضنا يتابع قناة «فوكس نيوز» الأمريكية على سبيل المثال أو يقرأ عما تقوله، ويرى ما تذيعه وتبثه عن الرئيس «أوباما» فى الوقت الحالى، بحكم أن لديهم انتخابات رئاسية مقبلة فى نوفمبر المقبل، وكيف أن «أوباما» خصوصاً، وكل مسؤول ينتمى إلى الحزب الديمقراطى الحاكم الآن هناك، عموماً، يواجه طوفاناً من السهام التى لا تترك تفصيلة فى حياته، أو عمله، إلا وتصيبها فى مقتل على شاشة القناة!
قد يرد أحد، فى هذا المقام، ثم يقول إننا فى «مصر» وإنهم فى أمريكا، وإن المقارنة ظالمة بحكم عمر التجربة الديمقراطية فى البلدين، على الأقل، وإن مراعاة الفروق بين البلدين واجبة، وسوف نقول إن هذا صحيح تماماً، وإن الممارسة هناك، من حيث شكل الانتقاد، ومضمونه، ومستواه، غيرها عندنا بكل تأكيد، لكن إذا كانوا هم قد وصلوا إلى هذا المستوى، نضجاً ورقياً، فى تناول أعمال أى شخص يتحمل المسؤولية فى موقع عام، فإنهم لم يبلغوه من فراغ، ولم يصلوا إليه فى يوم وليلة، وإنما بلغوه من خلال التجربة الممتدة، من خلال الصواب الذى يصحح خطأ الممارسات أولاً بأول، وسوف نصل إلى مثل هذا المستوى ذات يوم حين يستوعب الطرفان عندنا، المسؤول والإعلام، أن النقد فى حق الأول يظل مشروعاً ما ابتعد عن التجريح، وأنه، أى النقد، من جانب الثانى، يحميه القانون، فوق أى أرض متحضرة!
لا أقول هذا الكلام تأكيداً لما قيل من ناحية «الدستور» أو «الفراعين» ولا تمكيناً له، وإنما تأكيداً على أن الاختلاف يجب أن نحميه لا أن نحاكمه، فهو قيمة افتقدناها على مدى 60 عاماً، ولا يجوز أن نظل نصادره فى مجتمع قام بثورة، ولن يقبل بعدها ما كان يسكت عنه قبلها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer