بعد تصريح «الحكومة قاعدة قاعدة».. هل صار الجنزوري قضاءا وقدرا؟!
في الثامن والعشرين من مايو لعام 2007 أقبل وزير الزراعة الياباني
«توشيكيا ماتسومامتسوكا» على الانتحار شنقا، بمجرد شعوره بالذنب لوجود
مخالفات مالية وعقود مزورة لم يتأكد يقيناً ضلوعه فيها.
وفي صباح الجمعة الموافق 17 فبراير لعام 2012 استقال الرئيس الألماني
كريستيان فولف من منصبه بعد ما طلب المدعي العام الألماني رفع الحصانة عنه
بسبب اتهامات له بقبوله خدمات.
بعدها أعلن فولف فى بيان صحفي له "أنه أحب كونه رئيسا لألمانيا"، قبل أن
يضيف أن بلاده تحتاج إلى "رئيس يتمتع بثقة عريضة من الشعب ويستطيع أن يكرس
نفسه للتحديات المحلية والدولية". ورغم تأكيده على اقتناعه بأن الإيضاح
القانوني للاتهامات الموجهة إليه سيؤدي إلى تبرئة ساحته فقد برر الاستقاله
بقوله "شعرت بالإهانة بعد هذا الاتهام وأضاف "ولهذا السبب لم يعد بإمكاني
أن أتولى منصب الرئيس في الداخل والخارج كما ينبغي".
يحدث ذلك فى بلاد تحترم شعوبها.. أما فى مصر "أم العجائب" فالوضع مختلف تماما..
بمجرد أن ترددت أنباء عن تشكيل الدكتور كمال للجنزورى للحكومة، مساء
الخميس،24 نوفمبر الماضى، تعامل معها الثوار –الموجودين بميدان التحرير
حينها استعدادا لمليونية الفرصة الأخيرة بعد أحداث محمد محمود- بكل سخرية
على أنها شىء من قبيل الهزل، فردد البعض "لو كان الجنزورى فعلا هو اللى
هيشكل الحكومة.. يبقى الأولى مصطفى باشا النحاس هو اللى يقوم بالدور دة" فى
إشارة منهم على سن الجنزورى الكبيرة "77 عاما"، مسجلين اعتراضهم على كونه
أحد رجالات مبارك والذى ظل موجودا تحت قيادته فى مناصب عدة حتى تم تقليده
كرئيسا للوزراء فى العام 1996 قبل أن يرحل بعدها بثلاث سنوات ليخلفه عاطف
عبيد، بعدها اختفى الجنزورى عن الأنظار طيلة 12 عاما لم يظهر خلالها سوى فى
الاحتفال السنوى للحزب الوطنى من كل عام، ولم يُسجل طوال تلك الفترة أى
تعقيب على سياسات مبارك المجحفة والتى تسببت فى قيام ثورة شعبيه ضد نظامه.
شهدت الساعات الأولى لحكومة الجنزورى حادث مؤسف، ففى تمام السابعة من
صباح السادس والعشرين من نوفمبر الماضى، تم فرم ودهس "أحمد سرور" صاحب
الـ19 عاما بإحدى السيارات الثقيلة –سيارة أمن مركزى- فى محاولة فاشلة لفض
الاعتصام الموجود أمام مبنى مجلس الوزراء، مما تسبب فى تدمير منطقة الحوض
والصدر اليسرى، والأجزاء السفلية بصفة خاصة، مثلما جاء فى تقرير الطب
الشرعى.. حينها رفض البعض تحميل رئيس الوزراء مسئولية الحادث فهو لم يلملم
أوراقه بعد.
بعدها بأقل من 3 أسابيع، وقعت أحداث مجلس الوزراء التى راح ضحيتها 16
شهيدا بينهم شيخ أزهر وطلبة طب وهندسة ولاعب بأحد المنتخبات الوطنية، بعد
إطلاق النار صوب صدورهم، علاوة على سحل وتعرية البنات فى وضح النهار على
أيدى مجموعة من ضباط الجيش المصرى، وانتظر الجميع تعليق السيد كمال
الجنزورى على ما حدث خاصة بعد ما أسماه حصوله على "صلاحيات كاملة" فور
تولية الوزارة، فجاء الرد عجيبا حينما أنكر إطلاق أية أعيرة نارية من قبل
قوات الأمن –رغم التسجيلات المصورة التى شاهدها الملايين- ومبررا وفاة
الضحايا بأنه هناك عناصر مدسوسة أطلقت الرصاص ، وأن ما حدث لا علاقة له
بالثورة.
حينها سأله مراسل قناة العربية –خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده الجنزورى
تعليقا على الأحداث-: إذا كان الشباب المعتصمين لا يمثلون الثورة فلماذا
يتم علاجهم فى مستشفيات القوات المسلحة؟
فرد الجنزوري: أين رأيت العنف؟ لا تصدق ما لم تره بعينك .. لا يوجد عنف
ولا تردد ما يقال في الصحف.. لم تكن هناك قوة، والمشير حين قال سنعالجهم
قال ذلك لأنهم مصريين.
"القول إننى حزين لا يكفى والقول إننى مختنق لا يكفى، وأحد فضائيات سألت
أين رئيس الوزراء.. رئيس الوزراء لم يخلع ملابسه من أمس".. كان ذلك هو رد
الدكتورى كمال الجنزوري على مذبحة بورسعيد التي "خلعت" فيها أرواح
المصريين في ماتش كرة! فى صباح اليوم التالى للأحداث حين وقف بين يدى أعضاء
مجلس الشعب ليعقب على مسئوليته جراء تصفية 73 مصرى من خيرة الشباب فى أقل
من ساعة زمن لم يقترفوا ذنبا سوى تشجيعهم لفريقهم ، وطيلة 3 ساعات بعد
الكارثة لم يظهر في الصورة أى مسئول حتى ليعقب على الأحداث لا لم يمنع
وقوعها، حتى كان الظهور الأول للمشير ايذى قال إن ذلك يحدث في كل دول
العالم.
بعد كل حدث من تلك الأحداث ربما تنبأ البعض بأنه النهاية لحكومة الدكتور
الجنزوري إلا أن رئيس الوزراء يبدو صامدا كالجبل لا يهزه ريح، فلا تنفع
معه انتقادات، ولا تشفع لديه أرواح تزهق، ويعتبر كل تعقيب على أدائه من
قبيل "قلة الأدب" من شباب لا يعرفون قدره، وكل بطأ فى قراراته بمثابة
الحكمة والتأنى وعين العقل، وكل ضياع لحق شهيد هو "إجراءات قانونية"
حتى حدثت الفاجعة التي تسببت في ضياع هيبة الدولة خارجيا، بعدما راح حق
ابنائها في الداخل، فكان سفر النشطاء الأجانب المتهمين في قضية التمويل
الأجنبي –رغم التصريح الشهير لن تركع- من خلال طائرة عسكرية أمريكية هبطت
في مطار القاهرة تحت تأمين القوات المصرية قبل أن تغادر سماء المحروسة وعلى
متنها 16 متهما من المفترض –على حد تعبير الدكتور جنزوري- أنهم كانوا
موجودين بمصر لمحاولة تقسيمها إلى دويلات وإشعال الفتنة في أركانها.
بعدها بدأت كلمة جديدة تظهر في الأفق هي "سحب الثقة" وخلال جلستين لمجلس
الشعب طالب خلالهما الأعضاء بحضور السيد رئيس الوزراء لمناقشته فيما جرى،
تخلف الدكتور كمال عن الحضور، وبين أنباء عن تشكيل حكومة ائتلافية يرأسها
إخوانى، وبين موافقات مبدئية من حزبي النور والوفد، وبعد سيل من الانتقادات
والتصريحات العنترية.
جاء الرد من قبل الحكومة مفحما للبرلمان على لسان المستشار محمد عطية
وزير شؤون مجلسى الشعب والشورى، الذى قال "إن وزراء حكومة الجنزورى أبطال،
ويستحقون إنشاء نصب تذكاري لهم في ميادين مصر، لأنهم يتحملون فوق طاقتهم
ويعملون للصالح العام" مؤكدا أن الحكومة "قاعدة قاعدة" لحين انتخاب رئيس
لأنه طالما نحن تحت نظام رئاسى فلا يحق للبرلمان إقالة الحكومة، وأن مصيرنا
الحقيقى فى يد المجلس العسكرى.
ولأن المجلس العسكرى هو الحاكم المتحكم وهو من جاء بالجنزوري وهو ذاته
الذى يرفض إقالته، ولأن جميع المسئولين في مصر يدعون حصولهم على صلاحيات
كاملة "لاو جود لها" فيبدو أنه علينا التعامل مع الدكتور الجنزوري وحكومته
على أنهما صارا قضاءا وقدرا ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات