الأقسام الرئيسية

ثورة بسطاء مصر مستمرة ضد الفاسدين والمدَّعين معاً

. . ليست هناك تعليقات:
First Published: 2011-11-24


 
لكي يتوقف نزيف الدماء يجب أن يعلم الفاسدون أن زمنهم ولَّى، وأن الجموع التي خرجت إلى الميادين مرة أخرى لن تعود وهم قابعون في أماكنهم، وأن دم الشهداء أغلى كثيراً من أموال العمولة التي يحصدونها ويرفعون بها أرقام حساباتهم السرية في بنوك دول الخليج المتواطئة مع المشروع الغربي للهيمنة على المنطقة.
 
ميدل ايست أونلاين

بقلم: سمير درويش

اللحظة الحرجة التي تمر بها مصر الآن أظنها حتمية، بمعنى أنه لم يكن من الممكن الفرار منها، ذلك أن الذي ينظر إلى ما حدث بتجرد يستطيع أن يضع الأمور حيث موضعها الصحيح، فما حدث في 25 يناير ثورة شعبية غير مسبوقة في تاريخها، وما حدث في الشهور التي أعقبت تخلي مبارك عن الحكم ثورة مضادة بكل ما تحمله الكلمة من معان رديئة.
الثورة خرجت وفي جوهر مطالبها وشعاراتها ونداءاتها مطلب واحد كبير هو التطهير وإنهاء تلك الملهاة للانتقال إلى عصر جديد من الحرية والتقدم والعلم والمعرفة..عصر تمتلك مصر بتاريخها وحضارتها مقومات الوصول إليه، كل المطالب التي رفعها الثوار على جدران بنايات ميادين التحرير تصب في هذه الغاية، وتنتظر رجلا شريفا، أو مؤسسة أو وزارة أو..أو..لكي يفهم العمق، ويصدق غضب الشعب، ويدرك أن التاريخ لا يمشي إلى الوراء، وأن الدماء التي سالت على إسفلت ميادين التحرير لم تكن ماء، ولن تضيع هباء.
ليس من وظيفة المتظاهرين من بسطاء أبناء الشعب رسم خريطة يومية لما يأملون حدوثه، فالجماهير ملهَمة (بفتح الهاء) وملهِمة (بكسرها)، تركز انتباهها على نقطة مضيئة وتترك للسياسيين والتكنوقراط مهمة تحويل الحلم إلى واقع، والأمل إلى برامج عمل خلاقة، وهذا ما فعلته الثورة في ثمانية عشر يوما، كانت رسالتها واضحة بحيث فهمها العالم كله، وأعجب ببلاغتها وعبقريتها وتركيزها وتصميمها، إلا هؤلاء الذين يعاندون التاريخ، ويحسبون أن أمامهم فرصة لإيقافه والالتفاف عليه، أولئك الذين لم يفعلوا شيئاً إلا أن زادوا صفحاتهم سواداً، ولطخوا ملفاتهم بالمزيد من الدماء البريئة التي ستقودهم حتما إلى حيث يدفعون الثمن.
أراني هنا محتاجاً للتأكيد على أن الشعب المصري بكافة فئاته هو الذي قام بالثورة، وهو الذي دفع فاتورتها، مع كامل احترامي للمجموعات التي بادرت بالدعوة للخروج، فإن دعوتهم لم تكن لتكون ذات أهمية إن لم يخرج الشعب بالملايين، لكن لا أحد فيمن يشغلون الساحة- مع الأسف، وبمن فيهم بعض القوى الشابة- فهم عمق اللحظة التي نمر بها ورسالة شعب يرغب بقوة في الانتقال بمصر إلى ما تستحقه، كل فصيل أو حزب أو قوة أو طائفة فهمت ما تريد أن تفهمه هي بالمخالفة للواقع، والجميع تسابق إلى قطف الثمار قبل أن تنضج، كل منهم هرول ليأخذ المتاح في تلك اللحظة، ربما لأنهم يعرفون أن الزمن ليس في صالحهم، فكان أن دهسوا جميعا أنوف أفراد الشعب الذي قام بالثورة ودفع فاتورتها، تسابقوا على الوجاهة والمقاعد وتركوا الجرحى على الأرصفة، ودماء الشهداء على واجهات البيوت، وعذابات الفقراء تزداد!
البسطاء- وأنا أولهم- يجلسون أمام التلفزيون ليتابعوا وجوها غريبة تتقاسم آلامهم، وكل منهم يزعم أنه صاحب الثورة، يتابعون المليونات التي يخرج فيها السلفيون والإخوان وهم يضمنون ألا أحد سيعترضهم أو يعتدي عليهم، بعد أن كانوا قابعين في الخنادق قبل ذلك خوفا من بطش الأمن، ويرون كيف تتسابق شخصيات وكيانات خربة وهشة لتنول رضاء محمد مرسي أو الكتاتني أو هذا الشيخ أو ذاك من شيوخ السلفية، انظر مثلا إلى تحالف حزب الكرامة الناصري برئاسة مرشح الرئاسة حمدين صباحي مع حزب الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية! ويفتح البسطاء أفواههم دهشة حين يعلمون أن ولديّ د.محمد مرسي رئيس حزب العدالة والتنمية اعتدا على ضابط مرور في مدينة الزقازيق، مسقط رأسهم، حين حاول هذا الضابط تنبيههما إلى خطأ اقترفاه بسيارتهما، وقالا له قولة أبناء مبارك "إنت مش عارف إحنا مين؟!"، ثم حدث ما كان متوقعا وهو عدم تعرضهما لأي عقاب!
لكي يتوقف نزيف الدماء يجب أن يعلم الفاسدون أن زمنهم ولَّى، وأن الجموع التي خرجت إلى الميادين مرة أخرى لن تعود وهم قابعون في أماكنهم، وأن دم الشهداء أغلى كثيرا من أموال العمولة التي يحصدونها ويرفعون بها أرقام حساباتهم السرية في بنوك دول الخليج المتواطئة مع المشروع الغربي للهيمنة على المنطقة، كما لا بد أن يعلم المتفذلكون ومدعو الثورة أن هذا ليس وقتهم، وأن الشعب يعرف تماماً من ضحى من أجل مصر وترابها، ومن جلس حليق الذقن أمام الكاميرات يتفلسف ويتفاصح، وأن غياب هذين الفريقين أصبح ضروريّاً.
القوى الغربية تدرك جيدا القيمة الاسترتيجية لمصر كمحور في المحيط العربي، إيران وتركيا قد تكونان مؤثرتين، لكن تظل لمصر مكانتها المتميزة بمحيطها الذي يتحدث نفس اللغة وله نفس الثقافة والتاريخ، لذلك تدرك القوى الغربية أنها لا تستطيع إقامة قواعد عسكرية في الخليج إلا إذا كان ولاء مصر لها، وأنها لن ترتاح على فوهات آبار النفط إلا إذا ارتاحت مصر لذلك، هي تعلم ذلك لأن قادة إسرائيل ما كانوا يذهبون إلى أيٍّ من الدول العربية إلا متنكرين في ثياب النساء حين لم تكن مصر تسمح بذلك، وأنهم أصبحوا يتفسحون علانية في المدن العربية حين ذهب إليهم أنور السادات متنازلا عن مكانة مصر!
لكي تحقن الدماء يجب أن تصدق هذه القوى، الداخلية والخارجية، أن مصر قامت فيها ثورة شعبية شريفة، لن تفرط في حقوق المصريين البسطاء في الحرية والكرامة والتقدم والعدالة الاجتماعية، لذلك لا بد أن يتخلى المجلس العسكري الآن وفورا عن السلطة لصالح مجلس رئاسي وطني، مكون من خمسة أفراد يمثلون قوى الشعب المختلفة، والبدء فورا في محاسبة كل من أفسد وأثرى من أموال الشعب وخان الأمانة وعقد اتفاقات شريرة مع قوى ظلامية في السر والعلن، مع الإعلان عن تشكيل حكومة إنقاذ وطني مصغرة من التكنوقراط الوطنيين، وتعيين الضباط الشرفاء قادة لجيش مصر، وإلغاء فصول هذه المهزلة التي يقيمونها تحت مسمى الانتخابات البرلمانية، وإلغاء كل الألاعيب الدستورية التي تمت، سواء أكانت تعديلات أو إعلانات دستورية مشوهة أو وثائق فوق دستورية، البدء في انتخاب جمعية تأسيسية لصياغة دستور عصري يراعي مصالح كل فئات وطوائف الشعب، تمهيدا لانتخابات حقيقية، برلمانية ورئاسية، تضع مصر في مكانتها التي تستحق، مع الإفراج الفوري عن كل النشطاء السياسيين الذين حوكموا عسكريّا وسجنوا في السجون الحربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer