الأقسام الرئيسية

المسار

. . ليست هناك تعليقات:

Sun, 11/09/2011 - 08:00

ليس غريباً أن يتعامل رئيس أمريكى باسترخاء أمام دم عربى يسيل بسلاح أمريكى فى أياد إسرائيلية، بينما يتعامل بمنتهى القلق أمام بلوغ الغضب الشعبى فى مصر حد اقتحام مخزن أوراق تافهة لسفارة الإسرائيليين فى القاهرة. الغريب أن نستغرب هذا، لكن الأغرب أن تبلغ الحماقة منا مبلغاً يجعلنا نتطوع بإهداء القتلة وأربابهم مزيداً من الأسلحة المعنوية والسياسية فى فورة الغضب، ثم نتهم من يحاول الاحتفاظ برأس بارد بأنه إما خانعاً أو خائناً.
حين تتعامل مع عدو يتميز بمكر الأشرار ولؤمهم ستتحول أمامه إلى ثور هائج يسهل اقتياده بسهولة إلى طعنة الموت إذا لم ترتفع إلى مستوى مكر الأخيار وحصافتهم. نعلم أن القول ربما يكون أسهل من الفعل، وأن التنظير ربما يكون أسهل من التطبيق، لكن هذا ما يجعل من العظيم نظرياً عظيماً فعلياً ويفوت الفرصة على اللئيم أن ينتزع على حساب نحرك آهات الإعجاب فى حلبة الصراع.
اليوم يكتمل عقد من الزمان بالتمام والكمال على هجمات الحادى عشر من سبتمبر ويا لها من مفارقة. فرغم اختلاف النطاق والسياق، تبقى حذاقة التصرف، أو غيابها، عنصراً مشتركاً يجمع العربى/المسلم فى مواجهة الأمريكى/الصهيونى. من الصعب أن تجد أحداً، حتى خارج إطار فكر القاعدة، يختلف مع ما ساقه أسامة بن لادن من حجج للهجوم على «رأس الأفعى» فى عقر دارها. كلها تقريباً حجج منطقية وجيهة تتعلق بقضايا عادلة مشروعة. لكن من الصعب فى الوقت نفسه أن تجد أحداً، خارج إطار فكر القاعدة، يتفق مع الطريقة التى اختارها للتعبير عن تلك الحجج.
النتيجة: ماتادور مسلح برمح ذهبى يتخذ المسلمين جميعاً رهينة لعقد كامل من الزمان وهو يتلذذ بتحديد موعد الطعنة التالية ومكانها وحجمها وسط صيحات المعجبين وصولاً إلى طعنة الموت. كان يعلم هذا، وكان يستمتع بهذا، لأنه كان يعلم أنه يعتلى، عن حق أو عن غير حق، أهم سلاح فى ترسانة الفطرة البشرية: جبل الأخلاق. لكنه هو نفسه دفع الثمن غالياً عندما تخلى، فى سكرة النشوة، عن هذا الجبل بما اقترفته يداه فى الطريق، وبما لم يستطع أن يدركه من شموخ المنتقم وفروسية المنتصر.
نخطئ، نحن المؤمنين بثورة مصر الوسيمة، حين لا نتعلم من دروس التاريخ، القريب منه والبعيد، فنلقى بأنفسنا طوعاً إلى سفح الجبل وقد تعبنا كثيراً وجهدنا فى طريق الوصول إلى قمته على مدى الشهور القليلة الماضية. ونخطئ نحن داخل الثورة وخارجها حين نقصر مشاعر الغضب المشروعة والمفهومة ضد الإسرائيليين على هذه الثورة. وإن لهذه الرؤية أن تجعل من فرار سفير الإسرائيليين فى القاهرة بقرار مصرى شعبى أشد وطأة وأعمق دلالة من انسحاب زميله فى أنقرة بقرار تركى رسمى.
أيها الصائدون فى الماء العكر: استريحوا. مشاعرنا فى مصر تجاه قتلة أبنائنا وإخوتنا ليست وليدة الثورة. هذا شرف لا تدعيه الثورة وتهمة لا تدفعها. لقد حدث ما حدث فى فورة غضب زاد من اشتعالها غياب رؤية سياسية ترتفع إلى مستوى مصر، وفتح لها الطريق حالة الانفلات الأمنى التى لا يرتفع استمرارها بهذه الصورة فوق مستوى الشبهات. «واشنطن» أجهل من أن تحدد لأى أحد من أين يبدأ الطريق، و«تل أبيب» أجبن من أن تقف من ثورة مصر فى منتصف الطريق، و«القاهرة» أكبر من أن تُترك هكذا فى مهب الريح. وإلى أن تختلف هذه المعادلة سيحتفل المقهورون كل يوم باكتشافهم قوة كانوا يفتقدونها ولم يكونوا يعلمون حتى إنهم كانوا يفتقدونها. السؤال: إلى أين تتجه هذه القوة غداً؟
استقيموا يرحمكم الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer