الأقسام الرئيسية

الحكام العرب يتساقطون بينما يبقى الخليجيون

. . ليست هناك تعليقات:

يقول البعض ان الدول العربية قبائل ترفع اعلاما. هذا لا يعني ان هذه القبائل لا تمارس السياسة وربما افضل من دول رفعت اعلاما وصفت قبائلها وابعدتهم عن السياسة وجربت بفشل ذريع ان تصبح مدنية على النمط الغربي.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: عبد العزيز الخميس


هل هو المال. هل هو عدم وصول الشعوب الخليجية الى حالة من التململ تجعلهم يثورون. أو لأنهم يعشقون زعمائهم. او لأن هذه الشعوب غير مستعدة ثقافيا للمطالبة بالتغيير في ظل غياب المؤسسات الحقوقية والمدنية اللازمة.

عوامل كثيرة. لكن في رأيي ان العامل الأهم هو طبيعة الأنظمة والمجتمعات الخليجية. لو قارنا بين الأنظمة العربية غير الخليجية لوجدنا ان جميعها حديث التشكيل حتى لو قضى بعض حكامها 42 عاما.

يختلف القذافي عن حاكم خليجي لأنه حينما اتى ليحكم وبسلطة مطلقة مثل الخليجي أتى دون ان تكون لديه مرجعية ومشروعية سوى الثورة والاحلام. وفي نفس الوقت لا تتوفر لديه اي مقومات وجاهزية الحكم والتأهيل. فقبل اعوام ان لم يكن أشهر من تولي القذافي وغيره من حكام الثورات السلطة على شعوب يغلب عليها الطابع التقليدي العشائري كان الحاكم لا يحلم بأن يقود كتيبة فكيف بأن يحكم فهو مجرد ضابط جيش أقسم على الولاء للملك.

في الوقت الذي يكون الحاكم الخليجي معدا من قبل عائلته للحكم منذ صغره. ولديه خبرة بدأت في دواوين واجتماعات قصور والده.

بالطبع أن الفرق كبير بين من يأتي من ثكنة لا يعرف سوى لغة الدم وبين من يأتي من قصر حيث السياسة تضاف لحليب الامهات.

تعالوا لنتعرف على لماذا الحاكم الخليجي يختار لأبنه ان يقضي وقتا طويلا مع البدو وفي الصحراء في الوقت الذي يختار الحاكم الثورجي لأبنه ان يتعلم الاتيكيت الغربي وان يبتعد عن التقاليد المحلية اكثر ما يستطيع.

يريد الحاكم الخليجي لأبنه حين يجالس شعبه واغلبهم بسطاء ان يكون بسيطا مثلهم، بينما الحاكم الثورجي يريد ان يثبت للجميع انه من عائلة ارستقراطية وليس فقيرا. وبهذا يبدأ الحاكم الثورجي في الكذب وتتفانى الحاشية في تصديقه واقناع الاخرين بذلك في الوقت الذي يعرف الجميع واولهم الحاكم انه يكذب.

ينمو الحاكم الخليجي الصغير قريبا من الناس ويفهم ما يريدون او على الاقل وفي احسن الحالات يتنبأ بالمخاطر، بينما الحاكم الثورجي الصغير يتوه بين مجتمع نما غريبا عنه ومجتمع غربي لا يقبل به حتى لو غير دينه. لذا نرى امامنا اليوم محنة ابناء القذافي.

متى يسقط الحاكم الخليجي؟

قد لا أصنف خبيرا في بقاء حاكم من عدمه لكنني أثق ومن خبرة في المجتمع الخليجي أن الحاكم الخليجي يسقط اذا ابتعد عن الصحراء وعن الجلوس مع اهلها فهم عزوته ومقياس شعبيته. بهم يبقى ودونهم تتخاطفه ثعالب المدن.

لا يمكن لحاكم ثورجي ان يصنع عائلة حاكمة من العدم حتى لو لبس العباءة العربية وركب الخيل. فشعبه سيراه غريبا عنهم. العوائل الحاكمة في الخليج ليست حديثة العهد كالحكام الثورجيين فمعظم العائلات الخليجية الحاكمة بدأت ممارسة الحكم منذ نهاية القرن الثامن عشر. نحن هنا نتحدث عن تراكم خبرات حتى ولو كانوا يحكمون شعوبا قليلة العدد الا انهم وبممارستهم للحكم وغوصهم في تفاصيل العلاقات السياسية المحلية والخارجية وبحضور اعضاء عائلة الحكم يتمكنون من بناء عمق معرفي يمكن صغارهم من ان يصبحوا شيوخا وامراء اقوياء.

وعلى الرغم من اننا كشعوب نحلم بالتغيير والاصلاح والوصول الى مشاركة السياسية الكاملة الا انه علينا فهم شيء واحد ومهم انه لكي تتحقق احلام اهل الخليج بحكم عادل عليهم ان يبنوا هذا الحكم عبر معادلاتهم المحلية وبسواعد ابنائهم، حكاما ومحكومين، حتى لا يصلون الى مصير ليبيا وسوريا وغيرها.

كانت المعادلة المحلية للحاكم الخليجي هو انه زعيم وشيخ قبيلة. مشروعيته من قدرته على حماية مواطنيه وتوفير لقمة العيش لهم. وهو يعرف جيدا ان حكمه يستمد قوته من ايفائه بواجباته الشرعية. وايضا يفهم جيدا ان الحكم ليس ترفا او تسلية بل هو تكليف ومسؤولية. ما الفرق بين امير او ملك او رئيس وان تعددت الالقاب والاوصاف سوى ان يكون وجوده على كرسي الحكم يستمد شرعيته من القبول الشعبي.

وان كانت لا توجد احزاب سياسية او كتل برلمانية متحركة تشرعن وجود الحاكم الخليجي، فهناك احزاب وكتل شعبية موجودة وهي من تمنح الحاكم الشرعية. قد لا يجد الزائر لدولة خليجية مقرات هذه الاحزاب امامه لكنها موجودة افتراضيا وهي تمارس سلطاتها وحواراتها ونقاشاتها دون ان تعلق لافتات او يرقص الطبال امام مقراتها.

هذه الاحزاب اما اسلاموية او اقليمية او فئوية او قبلية. تقوم هذه الاحزاب يوميا بادارة نقاشات وصراعات يراقبها الحاكم بعناية وينظمها. يمكننا ان نستشف كمثال على هذه الصراعات ما يحدث في الكويت والبحرين. بينما في السعودية فأن الصراع شديد وقوي لكنه يدار بطريقة اكثر تنظيما. حتى كسر العظام فأنه يتم، ولكن بهدوء.

وقد يستغرب المراقب ان هذه الصراعات تشغل الحاكم الخليجي لكنه لا تبدو على محياه لأنه يجيد تنظيمها فقد تعود عليها في خيمة اخواله في الصحراء وخاصة حين تطرح الكلمة فتصنف وتقولب ويبدو رجال القبيلة في اتخاذ مواقفهم من قائلها مع او ضد.

حتى لو قال برنارد لويس ان الدول العربية قبائل ترفع اعلاما. فهذا لا يعني ان هذه القبائل لا تمارس السياسة وربما افضل من دول رفعت اعلام وصفت قبائلها وابعدتهم عن السياسة وجربت بفشل ذريع ان تصبح مدنية على النمط الغربي.

حينما ادلهمت الامور على القذافي عاد الى لغة الملك السنوسي وبحث عن القبيلة وجرب استنصارها لكن القبيلة خذلته لأنه أهملها بل وأهانها اربعة عقود. وذاكرة العربي مثل ذاكرة جمله.

وحينما وجد بشار الأسد نفسه اطفائي حرائق فاشلا بحث عن الطائفة والتعدد الديني كي يحميه في الوقت الذي تشدق ابوه حافظ بأن شرعية حكمهم لدولتهم علمانية وان الطوائف والاديان تأتي متأخرة.

في النهاية لا يصح الا ابن خلدون ونظرياته الاجتماعية. فالدول مثل البشر لها أعمار محسوبة بأطوار. ولطالما حذر ابن خلدون من ان الحاكم العربي حينما يقترب من المدنية وينغمس في الترف يفقد حكمه. لهذا يجيب ابن خلدون على اسئلة بعضنا: ما سر ولع حكام الخليج بالصحراء والصيد فيها. وماذا يجعلهم يبحثون عن بدو ليشربوا قهوتهم معهم ولكي يستمعوا اليهم؟

نحن امام وضع يبدو غريبا على بعضنا من مثقفي الأمة العربية ممن يرون ان مثل هذا النوع من الحكم رجعي وغير متوائم مع طبيعة هذا الزمن. لكن في الحقيقة ان هذا النوع من الحكم في الخليج هو من بقى حيا ومن الصعب ازالته على الرغم من المحاولات المتكررة، بينما سقطت انظمة عربية ادعت انها مهد الحضارات وان زعمائها يقودون مسيرات التجديد والتنمية والتقدم والاشتراكية.

هذه المجتمعات التي تفتخر بالاف السنين من الحضارة يتصارع ابنائها اليوم على مفردات أساساية: هل يقيمون دولة مدنية او اسلامية؟ وهذه الدول التي اوغلت في القدم قدمت لنا حكاما يلعبون بأنوفهم في المحاكم واخرين يختفون في مزاريب الزنقات او وراء اكوام اجساد الاطفال الممزقة.

حينما يبتعد الحاكم العربي عن مواطنه البسيط سيجد مصيره مثل قادة دول لم يستفيدوا من تلك الحضارات التي سادت ثم بادت ولا هم استمعوا للصحراء فتاهوا فيها.

عبدالعزيز الخميس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer