الأقسام الرئيسية

"المال السياسي"... خطر يهدّد ديمقراطية تونس الوليدة

. . ليست هناك تعليقات:
سياسيون ومحللون يحذرون من إقحام المال في العمليتين السياسية والانتخابيّة

محمد بن رجب من تونس

GMT 8:30:00 2011 الثلائاء 13 سبتمبر
6

الحملات الاشهارية الضخمة التي تقوم بها بعض الأحزاب التونسية بعد ثورة 14 يناير، دفعت بالمراقبين والمهتمين إلى التحذير من خطر ما يعرف بالمال السياسي على مبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين والمتنافسين، علاوة على ما يهدد العمل السياسي من تهديدات إن اقترن باستثمارات رجالات الأعمال والأثرياء.

الإشهار السياسي والمعلقات الدعائية الضخمة للأحزاب ومرشّحيهم باتت تملأ شوارع تونس بعد 14 يناير
تونس: دخل الاثنين 12 سبتمبر قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس والقاضي بمنع الإشهار السياسي، حيز التنفيذ.
وفي بلاغ توضيحي لهذا القرار اطلعت عليه "إيلاف" فإنّ الهدف من وراء هذا القرار بحسب (الهيئة) "ضمان سلامة العملية الانتخابية وتحقيق المساواة بين جميع المترشحين علاوة على الحد من تدخل المال السياسي والدفاع عن استقلالية وحيادية وسائل الإعلام".
وذكر بلاغ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أنّ " الدعاية الانتخابية أو الإشهار السياسي يتمثلان في استعمال حزب أو قائمة مترشحة مختلف وسائل الإعلام، عمومية كانت أو خاصة، أو الوسائط الإشهارية ،سواء بمقابل ماديّ أو مجّانا، قصد تقديم مترشحين وبرامجهم الانتخابية للعموم".
الإشهار السياسيّ
و"تعتبر دعاية انتخابيّة أو إشهارا سياسيا مقنعا، تمرير حزب أو مترشّح أو قائمة مترشحة للعموم مرتين بصورة متواترة في اليوم الواحد ضمن البرامج الحوارية أو ضمن مختلف البرامج والمساحات المخصّصة لمتابعة أنشطة الأحزاب والمترشحين الحقيقيين أو المفترضين وكذلك التسويق لبرامجهم الانتخابية."
ومن وجهة نظر الهيئة المستقلة للانتخابات فإنّ تطبيق هذا الإجراء جاء بناء على "المرسوم عدد 27 لسنة 2011 المؤرخ في 18 أفريل/ ابريل 2011 والمتعلق بإحداث هيئة عليا مستقلة للانتخابات الذي يوكل إلى هذه الهيئة مهمّة تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة وديمقراطية، واستنادا إلى الولاية العامة التي أسندها لها المرسوم عدد 35 لسنة 2011 المؤرّخ في 10 مايو 2011، لإعداد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي والإشراف عليها، فإن ضمان سلامة العملية الانتخابيّة لا يقتصر على فترة الحملة الانتخابيّة بل يمتدّ إلى الفترة التي تسبقها وهو ما يقتضي وضع إطار يسهم في الحدّ من تدخل المال السياسي وتأثيره على العملية الانتخابية بضبط مجالات تعامل القائمات المترشحة وحدودها مع وسائل الإعلام ومختلف الوسائط الإشهاريّة كما يقنّن طرق تسويق برامجها."
المال والسياسة
يقول الأستاذ الجامعيّ محمد ضيف الله إنّ المال والسياسة، ثنائي، بل يمكن الحديث عن زواج كاثوليكي بينهما حتى في الديمقراطيات العريقة حيث يتحكم المال مباشرة أو بصفة غير مباشرة في الكثير من جوانب اللعبة السياسية سعيا من أصحابه لضمان مصالحهم".
وإذا كان "الزواج كاثوليكيا" بين المال والسياسة في الديمقراطيات العريقة، ففي تونس يرى د . محمد ضيف الله أنه " لا يمكن الفصل بين المال والسياسة، سواء كان ذلك في عهد بورقيبة أو في عهد بن علي، بل إن دوائر النفوذ السياسي والإداري هي التي ساهمت في تشكيل دائرة المال والأعمال في عملية تبادل منافع بين الجانبين.
وقد تصدعت تلك الحلقة مع الثورة بما ساهم في تعرية الرأسمال من غطائه القديم، ومن هنا نفهم سعيه المحموم في كل الاتجاهات لإيجاد ضمانات لنفسه في الوضع الجديد ولم لا التحكم في اللعبة السياسية عن طريق أحزاب أغراها بالفعل المال المتدفق عليها ولم تكن متعودة على التعامل معه، ولم تنتبه إلى أنها تحولت من حيث لا تشعر إلى شركات للتأمين."
وعن التأثير السلبي للمال السياسي قال ضيف الله:" يؤثر سلبا على عملية الانتقال الديمقراطي برمتها ويراوغ أهداف الثورة في العدالة الاجتماعية والتنمية الجهوية، ويكرس في نهاية المطاف النظام القديم حيث يكون الرأسمال هو المتحكم الرئيسي في اللعبة."
موارد الأحزاب .. قانونيّا
بحسب مشروع المرسوم المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية في تونس، فإنّ موارد الأحزاب تتكون من اشتراكات الأعضاء على أن لا تتجاوز قيمة الاشتراك الواحد سنويا مائتين وأربعين دينارا ومن العائدات الناتجة عن ممتلكاته ونشاطاته يمكن للحزب أن يحصل على قروض لايجب أن تتجاوز مبالغها مائة ألف دينار.
كما يحجر مشروع المرسوم الذي ينتظر نشره على الرائد الرسمي من خلال البابين الرابع والخامس والفصول من 17 إلى 29، على الأحزاب السياسية في المقابل تلقي تمويلا مباشرا أو غير مباشر صادرا عن أي جهة أجنبية وتمويلا مباشرا او غير مباشر مجهول المصدر، ومساعدات وتبرعات وهبات صادرة عن الذوات المعنوية الخاصة والعمومية باستثناء التمويل الصادر عن الدولة.
كما يمنع عليها تلقي مساعدات وهبات ووصايا صادرة عن أشخاص طبيعيين تتجاوز قيمتها السنوية مقدار عشرة ألاف دينار بالنسبة لكل متبرع ويتجاوز مجموعها الموارد السنوية المتأتية من الاشتراكات.
المال.. وحدود الديمقراطيّة
الباحث منير السعيداني مهّد للحديث عن المال السياسي بالتركيز على حقيقة حدود الديمقراطية قائلا" قبل ممارستنا للعملية الديمقراطية نكتشف حدود الديمقراطية، فللديمقراطية حدود على عكس ما يريد أن يوهمنا به البعض وهذه الحدود يمكن أن تكون خطيرة ويمكن أن تتحول الأسلحة الديمقراطية الاعتيادية وعلى رأسها الانتخابات إلى وبال وهذه ليست دعوة للتخلي عن الديمقراطية والانتخابات ولكن قد تتحول هذه الأداة إلى سلاح ضد هذه الفئات الاجتماعية وإرادتها.
وبخصوص المال السياسيّ يقول السعيداني: هو شكل من أشكال وجوده ورواجه وتأثيره في القرار السياسي وهو شكل من أشكال الفساد فهناك فساد ليس في السلطة والإدارة بل فساد في الطبقة السياسية التي فيها الكثير من المكونات التي ما تزال تفكر بالطريقة القديمة التي يحتكرها المال السياسي، حيث يقع تحويل نسب هامة من موارد الدولة لفائدة حزب ولفائدة الجمعيات المرتبطة به، وهذا هو المال السياسي وفضلا عن أنه مال سياسي فهو مال منهوب ومسروق من موارد الدولة أي مقدرات الشعب، والآن الطريقة انفتحت أكثر وبالتالي بدأ البحث عن أصحاب رؤوس الأموال من كبار الصناعيين والتجار والأثرياء عموما لتمويل الأحزاب ومن بين هؤلاء المشكوك في مسار جمع أمواله، ولأنها ثروة مبنيّة على باطل فالهدف منها هو تزييف إرادة الشعب".
معاداة للمال المشبوه
المنصف المرزوقي رئيس المؤتمر من أجل الجمهورية كان وجه منذ شهر تقريبا رسالة مفتوحة  إلى" مناضلي و قيادات أحزاب النهضة والتقدمي والتكتل"، اعتبر فيها " إن الطريق الذي توخته تلك الأحزاب لا يكرّس هيبة السياسة واحترام السياسيين ونزاهة الانتقال الديمقراطي، فـ"الرأي العام لا يتحدث إلا عن إمكانياتكم المالية الهائلة ومصادرها المجهولة وطريقة صرفها التي لا يمكن لأي وطني وديمقراطي السكوت عنها".
وأضاف المرزوقي وهو احد السياسيين المعادين لما يسمى المال السياسي: "ما أقبح صرف الأموال الطائلة في الظرف الاقتصادي الصعب الذي يمر به وطننا ومواطنينا وتبذيرها في عمليات إشهارية مبنية على تقنيات التأثير الخفي وحتى الخداع...كأنّ الأحزاب أصبحت شركات سياسية تسوّق برامجها كما تسوّق العطور وعلب الياغورت".
من جانبه، دعا الحزب الاجتماعي التحرري في بيان اطلعت عليه "إيلاف" إلى "فتح تحقيق رسمي حول مصادر المال السياسي الذي ساد بعد 14 جانفي/ يناير.
أما حمة الهمامي أمين عام حزب العمال الشيوعي فقد شرح في إفادات لـ"إيلاف"مقترحه من أجل منع المال المشبوه والذي يتمثل في التمويل العمومي القادر على وقف المال السياسي القادم من الخارج.
وأضاف الهمامي أنّ التمويل الأجنبي لبعض الأحزاب و القادم من أميركا و أوروبا سيجهض السير الطبيعي للعملية الديمقراطية وبالتالي سيكون عائقا أمام الديمقراطية التي ننشدها وبالتالي لا بد من المراقبة الجدية والحازمة لمصادر تمويل الأحزاب لأن المال السياسي قادر على تزوير الانتخابات.
ويضيف أمين عام حزب العمال الشيوعي الهمامي: "حزبنا ضد الهبات التي تفرضها الحكومة التونسية المؤقتة لأن وراءها أجندات خطيرة لا تراعي مصلحة البلاد بل هي مصالح خاصة لهذه المصادر و الأكيد أن وراءها إملاءات سياسية وتمريرا لعديد المطالب التي تحدّ من أن يكون قرارنا بأيدينا.
"الإتحاد الوطني الحر".. أحد الأحزاب اليافعة و"الثرية جدا"، اتهم باستعمال المال السياسي، عقد أخيرا ندوة صحافية أشرف عليها الناطق الرسمي للحزب حسن محسن الذي تحدث عن مصادر تمويله مبينا أنه " ما قمنا به هو استعمال إمكانياتنا المادية للتعريف بحزبنا".
وأكد حسن محسن على أنه " لا يمكن شراء التونسي بقليل من المال"، واصفا مصادر تمويل حزبه بـ"النظيفة"، وقال: "نحن مستعدون أن نضع حساباتنا ومعاملاتنا المالية على ذمة المراقبة لأنها شفافة ولا لبس فيها".
المال واستقلال القرار السياسي
من جانبه، تحدث شكري بلعيد الناطق الرسمي باسم حركة "الوطنيين الديمقراطيين" لـ"إيلاف"عن تمويل الأحزاب، فبين أن حزبه يؤيد فكرة التمويل العمومي لأنّ " استقلال القرار السياسي للأحزاب مهم جدا وهذه الاستقلالية لا يمكن أن تتجسد في ظل التمويل الخارجي الذي نرفضه بصفة قطعية".
كما طالب بلعيد بالمراقبة الجدية والحقيقية لأموال الأحزاب المتأتية من مصادر غير واضحة و مشبوهة.
مختار صميدة رئيس قائمة مترشحة لانتخابات المجلس التأسيسي عن حركة الديمقراطيين الاشتراكيين أكد على أن المال السياسي المرفوض هو المتأتي من الخارج وكذلك من المقاولات ورؤوس الأموال، فالمال الخارجي يؤثر على القرار السياسي للدولة ويضعها تحت سلطة الخارج، بينما مال الشركات والمقاولات التونسية يجعل الأحزاب تحت رحمة مصادر هذا المال وبالتالي خدمة مجموعة معينة بسنّ قوانين تخدم مصالح هؤلاء، وبالتالي فالمال السياسي على هذه الشاكلة يعتبر وباء على سير الانتقال الديمقراطي".
من جانبه يؤكد الباحث منير السعيداني على أنّ التجارب تشير إلى أنّ المال السياسي ظاهرة ملازمة للعمليات الانتخابية في عديد البلدان التي تبدو ظاهرها ديمقراطيات".
ويضيف: " لقد عرفت عديد الأحزاب تغيرا فجئيا في هيكلتها التنظيمية وهذا ما يقوله مناضلو تلك الأحزاب الذين يرجعون ذلك إلى الأموال الكبيرة التي "نزلت" فجأة، وهذا يدل على أن تأثيرا مباشرا للمال السياسي والقرار السياسي بطبيعة الحال وكذلك في بنية الأحزاب وهيكلتها وبالتالي سلوكها السياسي ومن ثمّ سلوكها الانتخابي، وهذا يمثل إستراتيجية محددة تحول العمل السياسي إلى نوع من الإجراءات التقنية بما فيه من تشويه للعمل السياسي والعملية الانتخابية ووراء كل ذلك مبدأ الدفاع عن المصالح، فرؤوس الأموال في تونس اقتنعوا بأن الانتقال الديمقراطي ينزع عنهم الغطاء الواقي والحامي وبالتالي لا بد من البحث عن غطاء آخر تحسبا لكل جديد"، على حدّ تعبيره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer