اصطحب 6 من أفراد عائلته وشوهد وزوجته يجلسان داخل أحد المعسكرات ويقومان بإطعام أطفال صوماليين جائعين
|
«أحبكم من أعماق قلبي، وبعد كل ما رأيت أشعر بمسؤولية كبيرة تجاه الوضع في الصومال»، هكذا افتتح رئيس الوزراء التركي المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده في القصر الرئاسي بعد جولة طويلة له في مخيمات اللاجئين والمستشفيات والمدارس في مقديشو. وقال رئيس الوزراء التركي إن زيارته تستهدف لفت أنظار العالم إلى ما يجري في الصومال من معاناة إنسانية تضرر منها الملايين، وأضاف أن الصومال الآن اختبار حقيقي للقيم الإنسانية المعاصرة والحضارة الغربية بالذات، وقال إنه يمثل حريقا هائلا في بيت الإنسانية، ومن واجب كل العالم أن يطفئ هذا الحريق.
وتحدث أردوغان عن مشاهداته في مقديشو أثناء زيارته لمخيمات اللاجئين، فقال إنه رأى عددا من الأطفال المصابين بسوء التغذية، «وأمرت المسؤولين المرافقين لي بنقلهم إلى المستشفى فورا، وأبلغت وأنا أدخل إلى هذه القاعة بأن أحدهم فارق الحياة قبل الوصول إلى المستشفى، وهذا أمر محزن فعلا، فالأطفال الصغار يموتون على مدار الساعة».
وقال أردوغان إنه زار من قبل إقليم دارفور بغرب السودان، وأضاف: «إذا قارنت بين ما رأيته في دارفور وما رأيته في مخيمات النازحين بمقديشو، فإن الوضع في مقديشو أكثر مأساوية بكثير، وإن منظر النازحين في مقديشو يبعث على الأسى».
وقال: «هذه مشكلة إنسانية تخص الإنسانية، وهي اختبار للإنسانية واختبار للقيم والحضارات جميعا»، ووجه كلامه إلى الدول الغربية قائلا: «هذه فرصتكم لتثبتوا أن حضارتكم ليست مجرد كلمات فارغة». وأضاف: «إن أطفال الصومال لهم الحق في الحصول على كل ما يتمتع به أطفالكم، من أكل نظيف وحدائق يلعبون فيها كالتي يتمتع بها أطفالكم» وأعلن أردوغان إعادة افتتاح السفارة التركية في مقديشو، ووجودا دائما لمؤسسات العون التركية في الصومال لتقديم المساعدات التركية إلى المتضررين من الجفاف والمجاعة، وداعب المدعوين الصوماليين قائلا إن رحلته بين المطار والقصر الرئاسي كانت أشبه برحلة سفاري، وتعهد بإنشاء عدد من الشوارع في العاصمة مقديشو.
وتحدث أردوغان عن مؤتمر إسطنبول، يوم الأربعاء الماضي، وقال إن المؤتمر كان يهدف إلى مناقشة الوضع في الصومال، ولكنه تحول إلى مؤتمر للمانحين، وقال: «على الرغم من المبالغ التي تم الوعد بها، فإنها ليست في الحجم الذي كنت آمله من المؤتمر». وأضاف أنه «إذا كان أحد منكم يتساءل: أليس في العالم أحد؟ فإن وجودي هنا وسطكم هو الجواب».
وكشف أيضا عن مساعدات أخرى متنوعة، من بينها بناء مدارس وحفر الآبار، وبناء 6 مستشفيات كبرى تسع 1500 سرير، و6 مستشفيات متوسطة الحجم، ومساعدات نقدية أخرى لم يعلن عن أرقامها. ورافق أردوغان كل من وزير الخارجية، والصحة، والزراعة، والأسرة ونائب رئيس الوزراء، وزوجات هؤلاء الوزراء، وعدد من أعضاء البرلمان، إضافة إلى نحو 40 صحافيا تركيا من وسائل الإعلام التركية المختلفة. وتم بث مؤتمره الصحافي وجولته على شاشات التلفزيون التركية والعالمية. وكان في الوفد أيضا 6 من رؤساء أكبر الشركات التجارية التركية، ورئيس الغرفة التجارية التركية، ورؤساء عدد من الجمعيات الخيرية التركية. ولفت وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، الأنظار عندما جلس أمام كوخ صغير في أحد المخيمات وهو يوزع الحلوى والبسكويت على مجموعة من الأطفال الصوماليين.
وكانت تركيا أعلنت، قبيل زيارة أردوغان، تقديم منح دراسية لـ300 طالب صومالي سيدرسون في الجامعات التركية على نفقة الحكومة التركية، في خطوة وصفت بأنها خطة تركية طموحة لبناء قاعدة متعلمة تكون جسرا للعلاقات بين تركيا والصومال.
وفور وصوله إلى مقديشو، توجه أردوغان والوفد المرافق إلى مخيمات الإغاثة والمستشفيات، لمشاهدة آثار المجاعة على الآلاف من الضحايا الذين يتدفقون على مقديشو بنفسه. وزار أردوغان بعض مخيمات الإغاثة ومستشفيات في مقديشو، حيث تفقد أوضاع الصوماليين المنكوبين بالمجاعة التي تجتاح البلاد، كما تفقد سير المساعدات التي تقدمها منظمة الهلال الأحمر التركي والجمعيات والمؤسسات التركية للمتضررين الصوماليين، كما قام بافتتاح مستشفى خاص أقامته تركيا في مقديشو لمعالجة المرضى الصوماليين.
وكان يرافق أردوغان وفد تركي كبير ضم قرينته أمينة ونائبه بكير بوزداج، ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو، فضلا عن وزراء الشؤون الاجتماعية والأسرة فاطمة شاهين، والصحة رجب اكداج، والزراعة والثروة الحيوانية مهدي اكير، وعدد آخر كبير من المسؤولين ورجال الأعمال وإداريين ونواب وصحافيين.
وباشر أردوغان وزوجته أمينة توزيع المعونات على النازحين في مخيم «أمل» الذي لعبت الدولة التركية دورا في إنشائه، ويؤوي أعدادا هائلة من السكان الذين نزحوا من المناطق الأكثر تضررا بالجفاف والمجاعة، واطلع على الأوضاع الإنسانية المتردية في هذا المخيم. ثم توجه إلى مخيم آخر أقامه الهلال الأحمر التركي، ومستشفى ميداني في مقديشو أسس من قبل وزارة الصحة التركية.
وشوهد رئيس الوزراء التركي أردوغان وزوجته أمينة ووزير خارجيته أوغلو وهم يجلسون على التراب ويقومون بإطعام أطفال صوماليين جائعين ويعانون من سوء التغذية، ثم توجه موكب أردوغان إلى القصر الرئاسي برفقة المسؤولين الصوماليين الكبار، وعقد لقاء مع الرئيس الصومالي شيخ شريف شيخ أحمد بالقصر الرئاسي (فيلا صوماليا). ووصف الرئيس الصومالي زيارة أردوغان لمقديشو بالتاريخية، وأنها من شأنها لفت أنظار وانتباه المجتمع الدولي إلى محنة المجاعة في الصومال. وأشار الرئيس شريف أيضا إلى أن زيارة رئيس الوزراء التركي تغير الاعتقاد بأن زعماء العالم غير قادرين على الذهاب إلى الصومال لأسباب أمنية. وشكر الرئيس شريف تركيا حكومة وشعبا لهذا التضامن الأخوي.
من جهته، قال رئيس الوزراء التركي أردوغان إن بلاده ستقوم بحملة إنسانية ودبلوماسية واسعة للتصدي للجفاف والمجاعة في الصومال، وإنها ستحفر آبارا لتحسين إمدادات المياه، كما ستبني طرقا ومدارس ومنازل.
وأعلن أردوغان أيضا أن تركيا أعادت افتتاح سفارتها رسميا في مقديشو، التي كانت مغلقة منذ عام 1991. وشهدت مقديشو خلال الأيام الأخيرة استعدادات غير مسبوقة لاستقبال أردوغان. وقد رفعت الأعلام التركية في الشوارع الرئيسية بمقديشو، خاصة ما بين المطار وقصر فيلا صوماليا الرئاسي.
وجرى تشديد الإجراءات الأمنية في مقديشو، وتم تأمين المسارات التي كان يمر بها موكب أردوغان، وتولت حراسة موكب رئيس الوزراء التركي قوات الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام، وأفراد من الأمن التركي المرافق لرئيس الوزراء أردوغان.
وكانت زيارة أردوغان هي الأولى من نوعها التي يقوم بها زعيم غير أفريقي إلى العاصمة الصومالية التي مزقتها الصراعات خلال العقدين الماضيين.
وكانت زيارة زعماء العالم للصومال تعتبر نادرة وحدثا استثنائيا منذ اندلاع الحرب والفوضى في البلاد عام 1991. وجاءت زيارة أردوغان للصومال بعد يوم من اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول لبحث المجاعة في الصومال. وكان الاجتماع قد تعهد بالتبرع بنحو 350 مليون دولار لمساعدة ضحايا المجاعة في الصومال، كما دعا إلى تكثيف الدعم للصومال الذي يواجه أسوأ موجة جفاف منذ عقود.
وتعرضت إحدى الطائرات التي كانت تقل الوفد المرافق لرئيس الوزراء التركي لحادث أثناء هبوطها في مطار مقديشو، وكادت تتحطم، عندما مالت لدرجة اصطدام أحد أجنحتها بأرضية المدرج، مما أدى إلى إصابة الجناح الأيمن للطائرة بأضرار مادية، إلا أنه لم يصب أي من أعضاء الوفد بأذى. وسبق لتركيا أن أرسلت خلال هذا الشهر 4 طائرات إلى الصومال محملة بعشرات الأطنان من المواد الغذائية والأدوية، إلى جانب وفد ضم أطباء من وزارة الصحة التركية ومسؤولين آخرين من مكتب رئيس الوزراء، وذلك تمهيدا لزيارة أردوغان للعاصمة مقديشو.
ويهدد شبح المجاعة نحو 3.6 مليون صومالي (أي نحو نصف سكان البلاد) يحتاجون إلى مساعدات عاجلة. وقد اضطر مئات الألوف من هؤلاء إلى النزوح إلى العاصمة مقديشو وضواحيها بحثا عن المعونات الغذائية. ويعيش في مقديشو وحدها أكثر من 100 ألف شخص من ضحايا المجاعة فروا مؤخرا من المناطق التي ضربها الجفاف بجنوب ووسط البلاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات