الأقسام الرئيسية

صمتت الأنظمة فما بال الشعوب لا تصرخ!

. . ليست هناك تعليقات:


اختصار أزمة نصف قرن في شخص واحد هو الحاكم، لا يبدو أمرا صحيحا، بل إن الأزمة هي بالتأكيد أزمة أنظمة وشعوب أيضاً.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: د. شمدين شمدين


ليس مستغربا قيام الثوار المنتفضين في بلدان عربية عديدة تجاه أنظمة القمع لديها، برفع أعلام شقيقاتها العربيات أملا في الحصول على عون ومساندة الأشقاء في النضال الذي يخوضونه لنيل الحرية والكرامة، لكن المستغرب هو قيام هؤلاء المنتفضين برفع أعلام دول أجنبية كانت تشكل بالأمس القريب عنواناً للعدوان والاستعمار واحتلال أجزاء من أرض الأمة كفرنسا وبريطانيا وتركيا، وهو ما حصل ويحصل في ليبيا وسوريا. فالليبيون ونتيجة للصمت العربي المخزي لفترة طويلة، وحين يأسوا من كلمة عربية واحدة تنطقها جامعة الأنظمة العربية تساند مطالبهم وتحميهم من آلة القمع الحكومية، أخذوا يصيحون ويصرخون طالبين النجدة من دول العالم الحر رافعين أعلام هذه الدول، ورغم اعتراض الكثير من المثقفين العرب على التدخل الخارجي في الدول العربية وخوفهم من ظهور عراق جديد، إلا أن تسارع الأحداث وتعرض المدينين لما يمكن أن يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية استدعى ضرورة استصدار قرار أممي يسمح بحماية المدنيين، ولولا هذا القرار لكانت بنغازي الآن مدينة للأشباح.

واليوم ومع استمرار الحدث السوري، فارضا نفسه على الساحة، ومع نزوح الآلاف من المدنيين إلى تركيا ولبنان، وخلو مدن وبلدات سورية من سكانها، بدا رفع العلم التركي في المظاهرات ملمحا بارزا للعيان. فالمتظاهرون في شوارع حمص وحماة وادلب لم يرفعوا العلم المصري أو اللبناني أو التونسي لعلمهم الأكيد بعدم قدرة هذه الأنظمة على مساعدتهم أو حتى الاحتجاج والتنديد بقتل الأبرياء على يد قوات الأمن، رغم كونها أنظمة إما ديمقراطية أو سائرة على الطريق الديمقراطي، فيأس الشعب السوري من عون الأخوة، واستغرابه من الصمت العربي الرسمي والشعبي تجاه ما يحصل في بلادهم اصبح أمرا مؤكدا.

فمنذ أكثر من ثلاثة اشهر يخرج المحتجون في سوريا رافعين شعارات الحرية والكرامة، وفي كل جمعة يسقط العشرات من الضحايا وينزح الآلاف منهم عن ديارهم ويعتقل آلاف آخرون ولا نجد شارعا عربيا يخرج لمساندة السوريين، ربما نتفهم واقع الشعوب العربية التي لم تتغير أنظمتها بعد وما زالت ترزح تحت تسلط واستبداد حكامها، لكن ما لا يمكن قبوله هو صمت شعوب مصر وتونس، فهذه الشعوب التي خرج من أجلها العشرات من السوريين رافعين الشموع، هاتفين بشعارات التأييد لمطالب الثوار ومنددين بالأنظمة الحاكمة هناك وأساليبها الوحشية في مواجهة الثورة، رغم تيقنهم الشديد من قمع السلطات لهم وإمكانية اعتقالهم وتعرضهم للعنف من قبل قوى الأمن، لم تلب النداء ولم نشاهد أي من مجموعات شباب الثورة يكرس إحدى جمعهم للتضامن مع الشعب السوري والضغط على حكامهم الجدد المؤقتين من اجل إيجاد مبادرات تحفظ دماء السوريين وتقيهم من خطر النزوح والتهجير والحروب الأهلية، ربما تكون أقلها إرسال لجان للمساعدات الإنسانية.

إن صمت الأنظمة وجامعتهم أمر غدا من البديهيات لدى الشعوب العربية، لكن المشاعر الواحدة لهذه الشعوب والقضايا الواحدة والمصير الواحد الذي تغنينا به لعقود طويلة، أصبح آمرا مشكوكا به أيضا، في ظل هذا الصمت الشعبي العربي المريب إزاء ما يحصل لإخوانهم في سوريا وليبيا واليمن،وما سيتلوها من دول، ولا يبرر هذا الصمت أية ظروف أو حجج أو حتى ممارسات حكومية.

إن الاستبداد واحد في كل مكان وفي كل زمان، لذلك يجب أن تكون صيحات الحرية واحدة أيضا، ومساندة الشعوب لبعضها من اجل الوصول بسفينتهم المشتركة إلى بر الأمان والسلامة المتمثل في التحرر من الظلم والفساد والتسلط، يجب أن تكون هي الأخرى العامل الأكثر بروزا في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها العالم العربي، يجب على الشعوب المنتفضة أن ترفع أعلام أشقاءها العرب بدل رفع الأعلام الأجنبية، حتى وان كانت بادرة رمزية للتأكيد على التضامن العربي ووحدة الشعوب في وجه كل أنواع القهر والقمع، فلو كان العالم العربي مطبقا لشعاراته التي رفعها منذ خمسين عاما والتي سحقت بواسطتها الأنظمة الحاكمة كل صوت حر وشريف، لكنا الآن نعيش في غير هذا الواقع ولكان العالم العربي الموحد القوة الاقتصادية الثانية بعد أميركا وقبل أوربا ولكانت الوحدة تحققت والحرية أيضا والعدالة الاجتماعية، لكن العالم العربي مازال مستنقعا للفساد والقمع، ومازالت الشعوب المستفيقة حديثا تعمل على تنظيف هذا المستنقع وتحويله إلى واحة للحرية والنماء.

ربما يبدو شعار إسقاط النظام هو الشعار الأكثر بروزا في الثورات العربية الحالية والتي تعتبر امتدادا لثورات بلدان الاتحاد السوفييتي السابق ودول المنظومة الشيوعية المرتبطة به، رغم تأخرها عن هذه الثورات لبعض الشيء، لكن تحقيق هذا الشعار لا يبدو انه نهاية المطاف، فاختصار أزمة نصف قرن في شخص واحد هو الحاكم، لا يبدو أمرا صحيحا، بل إن الأزمة هي بالتأكيد أزمة أنظمة وشعوب أيضاً، أزمة فكر زرعته الأنظمة وعشش لعقود في عقل الإنسان العربي، إن التغيير يجب أن يبدأ من هذه النقطة بالذات أي من العقول والفكر، يجب على الإنسان العربي أن يعرف ما له وما عليه، حقوقه وواجباته،عليه أن يتثقف بثقافة الحرية والديمقراطية وتقبل الآخرين والمسامحة والمصارحة،وعدم التقوقع على الذات أو ضمن قوقعة الدين أو المذهب أو الطائفة، إن مشوار التحرر طويل جدا ربما يبدأ بتغيير الأنظمة ولكنه حتما لن يقف عند هذا التغيير بل يجب أن يطال التغيير كل المفاهيم البالية الموروثة من حقبة الاستبداد، وربما على هذا التغيير أن يبدأ الآن عبر إطلاق حملة للتضامن مع الشعوب الثائرة والضغط على الحكام والمسؤولين لإيجاد طرق تفك طوق الأزمة عن إخوانهم، فمثلما أرغموا حكامهم على فتح معابر غزة، عليهم أن يفكوا أيضا حصار اليمن وسوريا وليبيا قبل أن تتدهور الأمور وتصل إلى مسالك لا تحمد عقباها مما يستدعي التدخل الخارجي وما يحمله هذا التدخل من هول التقسيم والتصغير والاختصار وربما عودة الانتداب.

د. شمدين شمدين

سوريا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer