الأقسام الرئيسية

الأسد يعالج أزمته على الطريقة اللبنانية

. . ليست هناك تعليقات:


يخوفنا الرئيس السوري من فتنة الحركات الدينية. منْ دعم إذا حزب الله في لبنان وحماس في غزة والدعوة وجيش المهدي والتكفيريين في العراق؟

ميدل ايست أونلاين


بقلم: حسان القطب


الانتفاضة الشعبية السورية التي أذهلت العالم بثباتها ووضوحها وتضحياتها وشمولها رغم التعتيم الإعلامي والترهيب الفكري الذي يحاصرها، ورغم استغلال وسائل إعلام لبنانية وإيرانية لتشويه صورتها والحد من ثقة المجتمع العربي والدولي بصدق نواياها وسلمية تحركها. وبشار الأسد الذي يعاني اليوم من هذه الانتفاضة الشعبية الجماهيرية غير المسبوقة في تاريخ سوريا، كان قد اعتبر سابقاً أن سوريا بمنأى عن الثورات العربية، وذلك في حوار له مع صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في شهر شباط/فبراير، حول الثورات العربية، وقلقه من حدوثها في سوريا، حيث سألت الصحيفة الرئيس الأسد، هل هناك أي قلق من أن ما يحدث في مصر يمكن أن يصيب سوريا، فقال: "إذا أردت أن تجري مقارنة بين ما يجري في مصر وسوريا، عليك أن تنظر من زاوية مختلفة. لماذا سوريا مستقرة على رغم أن لدينا ظروفاً أكثر صعوبة؟ مصر مدعومة مالياً من الولايات المتحدة، فيما نحن تحت الحظر الذي تفرضه غالبية دول العالم. لدينا نمو على رغم أننا لا نملك الكثير من الاحتياجات الأساسية للناس، وعلى رغم كل هذا لا تجد الناس يخرجون في انتفاضة. لذلك فالأمر لا يتعلق فقط بالاحتياجات وليس فقط بالإصلاح، لكنه متعلق بالعقيدة والمعتقدات والقضية، هناك فرق بين أن تكون لديك قضية وبين أن يكون هناك فراغ".

اليوم وبعد أشهر قليلة خرج بشار الأسد ليخاطب المجتمع الدولي ويخاطب شعبه، معترفاً بالانتفاضة وثورة شعبه السلمية ولكن بطريقة غير موضوعية على الإطلاق، وبطريقة تتناقض مع ما سبق له أن تحدث به عن واقع سوريا الاجتماعي والاقتصادي والعقائدي، وعما كان قد أشار به من احترام وتقدير لثورات شعب مصر وتونس.. حيث قال: "لا اعتقد أن سوريا مرت بمراحل لم تكن فيها هدفا لمؤامرات مختلفة قبل أو بعد الاستقلال". ويكون بذلك قد وصف المتظاهرين الوطنيين من أبناء سوريا بالمتآمرين، وليس بالوطنيين أسوة بإخوانهم في الدول العربية التي شهدت انتفاضات شعبية، كما وبهدف ضرب وحدة المجتمع السوري ومكوناته الاجتماعية والدينية حاول الأسد تقسيم المجتمع السوري إلى ثلاث قوى ومكونات، أخطرها كما قال: "المكون الثالث الأكثر خطورة وهو يمثل أصحاب الفكر المتطرف والتكفيري الذي حاول منذ فترة سابقة التسلل إلى سوريا وهو نفسه اليوم رغم تغير الأساليب وهو يقبع بالزوايا المظلمة، ويقتل باسم الدين ويخرب تحت عنوان الإصلاح، وعلينا تطويق هذا الفكر، كما أن هناك مكونات أخرى كالمكون الخارجي وهناك أشخاص يدفع لهم أموال."

الأسد يهدف بهذا التوصيف إلى ترهيب الأقليات الدينية في المجتمع السوري والمنطقة العربية عامةً، بشكل غير مبرر على الإطلاق، وهذا يذكرنا بالإعلام اللبناني الإيراني المؤيد والموالي والداعم لنظام بشار الأسد الذي يتحدث عن علاقة حركة الإخوان المسلمين بالمشروع الأميركي في المنطقة الذي يستهدف سوريا (المقاومة)، وهي التي لم تطلق رصاصة واحدة باتجاه فلسطين منذ عام 1974. وإذا كان هذا المكون خطير لهذه الدرجة، فلماذا يستضيف بشار الأسد حركة حماس العضو الأساس في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ولماذا تدعم دولة إيران حركة حماس مالياً أيضاً.. وكذلك الأمر بالنسبة لحركة الجهاد الإسلامي؟ وكيف اتفق أن معظم من اعتقل من الجهاديين الإسلاميين في العراق صدف أنهم قد مروا من سوريا وبتسهيلات من نظام بشار الأسد؟ وإذا كان المكون الديني يشكل خطراً جدياً على وحدة الوطن وكيانه وعلمانية الدولة السورية، فكيف تتحالف الدولة السورية مع حزب الله في لبنان، ومع مقتدى الصدر وتياره في العراق وتدعم ميليشياته التي يطلق عليها اسم "جيش المهدي"، في تناقض واضح مع فكر حزب البعث القومي والعربي، وفي وقت يحارب فيه نظام العراق الذي يقوده حزب ديني يدعى "حزب الدعوة" ويرأسه نوري المالكي، كل فكر قومي وعلى رأسه فكر حزب البعث وشكل لجنة خاصة لاجتثاث البعث وتنظيماته وفكره من المجتمع العراقي.. فهل كان الأسد قد تخلى عن فكره القومي حينها وما يزال، أم انه يستغل التناقضات الدينية بين مكونات المجتمع العراقي والسوري واللبناني للحفاظ على وجوده وسط هذا الخضم، وأظن أن ما قاله وليد جنبلاط مؤخراً بعد لقائه بالأسد خير دليل: "إن سقط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا من شأنه أن يؤدي إلى وقوع فتنة سنية- شيعية في لبنان؟" فلماذا يخيفنا اليوم بشار الأسد من الفتنة المذهبية والطائفية في حال سقوطه، وهل هو ضمانة الاستقرار؟ وأين هي إرهصات وبشائر ودلائل وقوع فتنة كهذه ونحن سمع هتافات المتظاهرين السوريين وهي لا تتضمن أي عبارة أو شعار يسيء لطائفة أو مذهب أو دين؟

رغم التهويل بالفتنة ومن خطورة دور المكون التكفيري، إلا أن بشار الأسد اعترف في خطابه هذا بوجود مشاكل جدية في إدارته ومؤسسات حكمه دفعت الناس للثورة والانتفاض عليه، حين تحدث عن المكون الأول قائلاً: "الأول صاحب حاجة يريد تلبيتها ويجب على الدولة تحقيق هذه المتطلبات وعلينا الاستماع إليهم ومساعدتهم فلا شيء يبرر عدم السماع للناس، ولا حاجات الناس تعني ضرب الأمن".

إن سوء الإدارة وانتهاج سياسة أمنية ظالمة ومستبدة وغياب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوزيع الثروات بشكل عادل، وتغليب مصالح فئة من الناس على سائر مكونات الوطن من مختلف الفئات والطوائف والأحزاب وطبقات المجتمع المختلفة دفع الناس للانتفاض، وجعل حجم المطلوبين للعدالة يتضخم بشكل خطير ويتجاوز كل الحجم المقبول، وذلك حين يعترف الأسد بحجم المكون الثاني قائلاً: "أما المكون الثاني فيمثله عدد من الخارجين عن القانون وجدوا بمؤسسات الدولة خصما فالفوضى لهؤلاء فرصة ذهبية لاقتناصها، وتطبيق القانون لا يعفينا عن إيجاد حلول اجتماعية لإبعاد هؤلاء عن الطريق السيئة، وتفاجأت بعدد هؤلاء والعدد 64 ألف و400 وكسور، وتخيلوا هذا العدد من المطلوبين".

كيف تفاجأ رأس الدولة والسلطة من هذا الواقع، وكيف اعتبر إن سوريا بمنأى عن الانتفاض على سلطته لأنها تنعم بالعدالة والنمو الاقتصادي، والآن يعترف الأسد بخطورة هذا الواقع وهذا العدد من المطلوبين. من المسؤول عن وصول العدد إلى هذا الحجم؟ هل هم التكفيريون، أم العوامل الخارجية التي تستهدف سوريا بالمؤامرة؟ إنها بالطبع سياسة النظام الذي يقوده الأسد منذ أربعة عقود، وما قاله رامي مخلوف منذ أيام عن تحوله لممارسة العمل الاجتماعي، يؤكد أن الواقع الاجتماعي في سوريا سيء، وان المسؤول عن هذا الأمر هي سياسات النظام الذي يستند لشبكة علاقات عائلية واضحة الأهداف والتوجهات والطموحات، وإلا كيف اتفق أن يكون هذا الثري هو من أبناء العائلة الحاكمة، وأن يكون قائد الفرقة الرابعة المسؤولة عن ترويع المواطنين هو شقيق الرئيس (ماهر). ومع ذلك يتحدث الأسد عن مؤامرة خارجية، وهو يسترضي ويستمهل المجتمع الدولي، ودور للتكفيريين وهو يتحالف معهم ويغذي ترسانتهم في لبنان والعراق وغيرها، وعن المجرمين المطلوبين للعدالة وهو يتحدث عن ضرورة إيجاد حلول اجتماعية لهؤلاء المواطنين... إنه التناقض والإرباك بعينه الذي يعاني منه النظام وأركانه.

لا يوجد مؤامرة خارجية تستهدف سوريا ودورها إلا في أذهان من يريد أن يحمي هذا النظام ويؤمن له الاستمرار في نهجه وسياساته غير المقبولة وغير الموضوعية والمجحفة والظالمة بحق شعبه ومواطنيه، ولا يوجد مشكلة تكفيريين ومتطرفين، بل هناك نظام يسعى لاستثارة العواطف والغرائز الدينية ليحظى بالفرصة المطلوبة للقضاء على انتفاضة شعبه تحت ستار وغطاء القضاء على "عصابات المتطرفين". إذاً المشكلة في النظام وطريقة إدارته للحكم، والأسد في خطابه الأخير هذا إنما يسعى لشراء الوقت على الطريقة اللبنانية عبر تشكيل لجان للدرس والتمحيص والتداول وعقد لقاءات تمهيدية والقيام بدراسات معمقة لكافة النقاط المطروحة من قبل المعارضة السورية، لزرع الشقاق بين مكوناتها واسترضاءً للمجتمع الدولي ولذر الرماد في العيون تمهيداً أو انتظاراً لحدث ما في المنطقة أو توقعاً لمتغير ما في المجتمع الدولي نتيجة انتخابات الولايات المتحدة أو فرنسا المقبلة، أو أي من الدول المهتمة بالشأن السوري والعربي، أو انتظاراً لأي متغير من الممكن أن يؤدي لانشغال المجتمع الدولي عما يجري في سوريا وبما يعاني منه شعب سوريا، إنها خديعة ومكيدة وقعنا فيها في لبنان ونتمنى أن لا يقع في حبائلها الشعب السوري الذي يقدم تضحيات جسيمة لتغيير واقعه المؤلم والنهوض بوطنه نحو الأفضل، نحو الديمقراطية وبناء المجتمع المدني.

حسان القطب

مدير المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات

hasktb@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer