بقلم سليمان جودة ٨/ ٦/ ٢٠١١
عندما قامت ثورة يوليو، فى عام ١٩٥٢، كان تقديرها أن ما قبلها، خصوصاً فترة حكم محمد على وأبنائه، من عام ١٨٠٥ إلى قيام الثورة، صفحة يجب طيها بأى طريقة، وكان التقدير أيضاً، أن تلك الصفحة ليس فيها شىء أبيض، وأنها كلها سوداء تماماً، وأنها تعبر عن عصر بائد، ولذلك، فلابد من قطيعة كاملة معها، وكأنها، كفترة، لم تكن من تاريخنا، ولا كان تاريخنا ممتداً بحلقاته فيها! وحين تبين لنا، فيما بعد، أن ما قبل ثورة يوليو لم يكن كله أسود هكذا، كان الوقت متأخراً للغاية، وكان أوان الاستفادة مما هو إيجابى فيها قد فات، ولذلك، فإننا نخطئ كثيراً، لو تصورنا أن عواقب شطب ما كان قبل يوليو قد تجسدت فقط فى نكسة يونيو ٦٧.. لا.. فالنكسة كانت أشمل، وكانت أعم، وبمعنى آخر، فإن قيام ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، كان فى جوهره قياماً على نكسات أكبر، أصابت المجتمع كله فى مقتل، بما أدى إلى انتكاس البلد كله، وليس إلى مجرد نكسة على المستوى العسكرى، تجاوزناها على كل حال فى ١٩٧٣! كانت تجربة ما قبل ثورة يوليو ١٩٥٢، تجربة ناشئة على أكثر من مستوى، وكانت فيها بدايات مشجعة، وباعثة على الأمل فى السياسة، وفى الاقتصاد، وفى الثقافة، وفى الفن، وفى كل شىء، ولم يكن مطلوباً منا فى ذلك الوقت، حين قام الضباط بثورتهم، أن نقدس ما كان قبلهم، ولا كان مطلوباً، فى المقابل، أن نهيل التراب على كل ما كان من قبل، وهو ما حدث، وكانت نتيجته أننا رحنا نتخبط، فى كل اتجاه، بدلاً من أن نأخذ مما كان، فى فترة ما قبل ثورة يوليو، ثم نبنى عليه، فيكون تاريخنا، والحال كذلك، فيه تواصل، وفيه اعتراف بما هو جيد، للبناء عليه، وإقرار بما هو سيئ، واستبعاده! لك أن تتصور الآن، لو أننا فى عام ٥٢، تطلعنا إلى التجربة الليبرالية، بعد صدور دستور ١٩٢٣، ثم قررنا أن يكون ما بعد الثورة استمراراً لما كان، وإضافة إليه، ومراكمة فوقه، لا خصماً منه، ولا انقطاعاً عنه! ولك أن تتخيل الآن أيضاً، لو أننا أخذنا محاسن التجربة الاقتصادية قبل ثورة يوليو، وهى تجربة كانت فيها أقوى بورصة فى المنطقة، ثم أضفنا إليها، بدلاً من أن نلغيها، ونبدأ من عند الصفر؟! لك أن تتصور.. ولك أن تتخيل، فى كل مجال، وبما أننا فى هذه اللحظة، نفكر بأثر رجعى، ونتحدث بمنطق لو كان كذا.. ما كان كذا، فإن كل ما نتمناه لم يحدث بالطبع وقتها، بما قادنا جميعاً إلى انتكاسات متتابعة، أصبح المجتمع بسببها فى أزمة، وهى أزمة بلغت ذروتها يوم ٢٥ يناير، فكان لابد من الثورة التى اشتعلت فى هذا اليوم! وما نخشاه الآن، وننبه منه ونحذر من التورط فيه، ربما دون وعى، أن نعامل الثلاثين عاماً الماضية، بالمنطق نفسه الذى كنا قد تعاملنا به مع فترة ما قبل ثورة يوليو، فندور فى الدائرة ذاتها، ونكرر أخطاءنا، وننتهى بعد سنوات، طالت أو قصرت، إلى نكسة من نوع آخر.. والمعنى هو أننا يجب أن نتطلع إلى ما قبل ٢٥ يناير ٢٠١١ بعين موضوعية متجردة، ونعترف بأن الثلاثين عاماً كان فيها شرفاء بمثل ما كان فيها فاسدون ولصوص.. كان فيها عمل بمثل ما كان فيها تهريج.. كان فيها بناء بمثل ما كان فيها هدم.. كان فيها حرامية بمثل ما كان فيها مخلصون.. كان فيها جادون بمثل ما كان فيها مهرجون.. كان فيها إنجاز بمثل ما كان فيها إهدار وتبديد.. وهكذا.. وهكذا! كان فيها.. ولم يكن فيها.. وتلك طبائع الأمور نفسها! لا تكرروا خطأ ثورة يوليو، حتى لا نسقط فى فخ نكسة جديدة!
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات