بقلم: فهمي هويدي
2 يونيو 2011 08:10:07 ص بتوقيت القاهرة
تعلمنا فى أدب المناظرة أن أى حوار يجب أن يبدأ بتحرير موضوعه، بمعنى تحديد القضية محل الحوار بوضوح، حتى لا تجرى المناقشة وفى ذهن كل واحد تصور للمسألة يختلف عما فى أذهان الآخرين. وقد صادفت حالة من هذا القبيل فى أصداء ما كتبته فى هذا المكان يوم الاثنين 30 مايو تحت عنوان «تدليس إعلامى». وكان موضوع المقالة هو ما جرى يوم جمعة الغضب الثانية، حين خرج الناس إلى ميدان التحرير فى القاهرة منادين بأشياء كثيرة بعضها يتعلق بمحاكمة الرئيس السابق وولديه وكذلك أركان نظامه ورموزه، والبعض الآخر يتعلق بعدم انفراد المجلس العسكرى بإصدار القرارات وضرورة إجراء نقاش مجتمعى مسبق حولها. ومن بين الشعارات العديدة التى رفعت كانت هناك لافتة واحدة طالبت بتشكيل مجلس رئاسة مدنى لحكم البلاد.هذه المطالب الكثيرة تجاهلتها بعض وسائل الإعلام المصرية التى لاحظت أنها أبرزت فقط أن المتظاهرين طالبوا بإصدار الدستور أولا وبتأجيل الانتخابات البرلمانية المقررة فى شهر سبتمبر وتشكيل المجلس الرئاسى ال سابق الذكر. أثارت الملاحظة انتباهى من زاويتين، الأولى أنها أعطت انطباعا مغلوطا عما حدث فى الميدان والثانية أن هذه النداءات لم تكن تعبيرا عن مطالب الجماهير وإنما كانت فى حقيقة الأمر دعوات أطلقها وأصر عليها نفر من المثقفين والإعلاميين، ولم تكن صادقة فى نقل الحقيقة كما كانت فى الميدان.
تأكد عندى ذلك الموقف الانتقائى حين قارنت ما ركزت عليه بعض وسائل الإعلام المصرية بما عرضته منابر إعلامية أخرى أعطت انطباعا مغايرا للقارئ، من حيث إنها عرضت بقية المطالب والهتافات التى تم تجاهلها فى بعض صحفنا. وهذا ما فعلته صحيفة كريستيان ساينس مونيتور (28/5) ومدونة مجلةنيويوركر التى تم بثها فى نفس اليوم. وكان تقرير برنامج «العاشرة مساء» أمينا فى نقل الصورة، كذلك كانت صحيفة السفير اللبنانية وصحيفة الحياة اللندنية. وعرضت خلاصته لمضمون الصحيفة الأخيرة باعتبار أنها متوافرة فى السوق المصرية وفى متناول الجميع. وخرجت من تلك المقارنة بأن ما نشرته بعض الصحف المصرية كان انتقائيا ومتحيزا، لذلك قلت فى المقالة المنشورة «إن منابر الإعلام الأساسية فى مصر تحتكرها نخبة معينة، تحاول توظيفها لصالح مشروعها السياسى، عن طريق لى الحقائق لتخدم أهداف ذلك المشروع».
كان هذا هو «الموضوع» الذى دار حوله تعليقى المنشور فى نحو ستين سطرا. إلا أنه كان بين تلك الأسطر ثلاثة أسطر وردت فى تقرير جريدة الحياة تحدثت عن أن «غياب الإخوان عن التظاهرة وجه ضربة لأعداد المحتشدين». كما تحدثت فى موضع آخر عن أن ثلاثة آلاف مصرى احتشدوا فى ميدان التحرير. وهو ما ذكرته منسوبا إلى مصدره من باب الأمانة فى نقل مضمون تقرير الجريدة.
الأمر الذى لم يستوقفنى ولم أعلق عليه، لأننى كنت معنيا بالموقف الانتقائى فى التعامل مع المطالب المرفوعة، بصرف النظر عما إذا كان المتظاهرون ثلاثة آلاف أو ثلاثة ملايين. (للعلم فقد سررت حين علمت لاحقا بأن الذين احتشدوا فى الميدان فى غياب الإخوان كان عددهم أكبر بكثير مما قدرته صحيفة الحياة، وقلت إن تلك رسالة مهمة تعيد الثقة إلى جماهير ثورة 25 يناير، بما يقنعهم بأنهم ليسوا بالضعف الذى يجعلهم يترددون فى خوض الانتخابات البرلمانية، وأن الإخوان ليسوا بالقوة التى يتصورونها والتى توهمهم بأن بوسعهم اكتساح تلك الانتخابات).
ما دعانى إلى استعادة ذلك الشريط، أن بعض التعليقات التى صدرت عن المقالة تجاهلت موضوعها الأصلى، لا أعرف لماذا، وتوقفت عند الأسطر الثلاثة السابقة الذكر. وهو ما اعتبرته موضوعا آخر غير الذى عنيت به ــ ذلك أننى مازلت أعتبر أن اللعب فى الإعلام والتدليس على المشاهدين والقراء قضية خطيرة سياسيا ومهنيا. وأخشى أن يصرفنا الجدل حول المسألة الفرعية المتعلقة بأعداد المشاركين عن الانتباه إلى تلك القضية الخطيرة، خصوصا أن التظاهرة تلتئم فى أحسن فروضها يوما واحدا فى الأسبوع، فى حين أن اللعب فى الأخبار يتم كل يوم ــ لذلك كان ضروريا أن نحرر الموضوع قبل أن نختلف أو نتعاتب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات