الأقسام الرئيسية

هل بوسع هوليوود إنتاج أفلام تغضب بكين؟

. . ليست هناك تعليقات:
أهمية السوق الصينية تخيف الأميركيين من تجاوز الخطوط الحمراء

صلاح أحمد

GMT 19:00:00 2011 الخميس 2 يونيو

تسويق الأفلام الأميركية في الصين يعود بمبالغ هائلة على استوديوهات هوليوود. لكن لنظام بكين خطوطه الحمراء التي تُجبر تلك الاستوديوهات على تجنب إغضابه بتجاوزها.

صلاح أحمد: في فيلم «سبع سنوات في التبت» (1997) تقرر شخصية متسلق الجبال النمساوي بيتر آوفشنيتر الهرب من معسكر أسرى حرب في الهند الى الصين. لكن رفيقه في السلاح هاينرش هارار (يؤدي دوره براد بيت) يقرر أنه سيتوجه الى التبت.
وتبعا للسيناريو الخيالي فأثناء عبور هذا الأخير جبال الحدود بين الهند والتبت، يلتقي بالدالاي لاما زعيم التبت الروحي ورمز استقلالها. وكان هذا كافيا لإعلان بكين – التي تعتبر التبت جزءا لا يتجزأ من البلاد وترفض حتى مناقشة مبدأ انفصالها – حظر دخول براد بيت أراضيها مدى الحياة لدوره في الفيلم.
ومن وقتها وهوليوود تنظر بحذر الى ما يمكن أن يغضب نظام بكين وما يرضيها.. والسر في هذا تجاري بحت. ذلك أن الصين تمثل خامس أكبر مناطق تسويق إنتاج هوليوود السينمائي في العالم إذ تضاعفت مداخليها عليها عشر مرات منذ 2003. والعام الماضي وحده نمت عائدات السوق الصينية بنحو 65 في المائة فعادت على الأميركيين بأكثر من 1.5 مليار دولار.
ووفقا للإحصاءات التي نقلتها مجلة «تايم» عن «آرتيزان غيتواي»، وهي شركة صينية للاستشارات الفنية، فقد كانت الصين هي ثاني أكبر سوق لفيلم «أفاتار» بعد السوق الأميركية نفسها. ويقول ميلارد أوكس، رئيس مجلس إدارة «وارنر بروس إنترناشونال»، إن وتيرة تنامي السوق الصينية ستتيح لها تجاوز نطيرتها الأميركية في غضون أقل من عشر سنوات.
والمدهش ربما، أن هذا يحدث على الرغم من العقبات الكبيرة التي تقف في طريق السينما الدولية داخل الصين. فالسلطات تضع سقفا للمعروض منها لا يتجاوز 20 فيلما في السنة. وبينما تستطيع الاستوديوهات المختلفة السعي، وحتى الضغط، من أجل أن تشمل أفلامها في هذه الحصة، فليس ثمة آلية متفق عليها تضمن لها التوزيع.
والصين لا تعمل بنظام تصنيف الفيلم تبعا لفئة المشاهدين العمرية التي يمكن ان تشاهده. على أن الثابت هو أن جميع الأفلام يجب أن تمر على الرقابة الحكومية قبل عرضها تجاريا. ومن هذا المنطلق فيمكن القول إن موضوعات الأفلام نفسها هي التي تحدد فرصها في العرض. فحظوظ أفلام الرعب، على سبيل المثال، تكاد تكون معدومة لأنها تتعلق في الغالب بأشياء ميتافيزيقية. أما تلك التي تتناول الحساسيات السياسية مثل التبت أو المجزرة الطلابية في ساحة تيان آن مين فتندرج تلقائيا في خانة المحرّمة.
وخذ، على سبيل المثال، 1997 فيلم هوليوود بعنوان «كوندون»عن طفولة الدالاي لاما الذي صوّر الحكومة الصينية تحت ضوء غير رحيم، فكانت النتيجة أن هدد نظام بكين بمقاطعة سائر أفلام «ديزني» التي تولت توزيع الفيلم. ولم يهدأ مزاجه العكر هذا الى أن قام رئيس مجلس إدارة ديزني، مايكل اوفيتز، نفسه بزيارة خاصة وشخصية للرئيس جيانغ زيمين في بكين لاسترضائه. وفوق أن الزيارة غير المألوفة تكللت بالنجاح، فقد أتت بثمار أخرى طيبة المذاق لديزني. فقد اتفقت مع الحكومة الصينية على تشييد «ديزني لاند» في شنغهاي بتكلفة 3.7 مليارات دولار.
وعندما عرض فيلم «كونغ فو باندا» الكارتوني للمرة الأولى في الصين، ارتفعت أصوات غاضبة تطالب بحظره.. ليس لأن موضوع الفيلم هو الباندا الرمز القومي للبلاد، وإنما بسبب ستيفن سبيلبرغ، المؤسس المشارك لاستوديو «دريم ويركس». وكان هذا الأخير قد أغضب النظام الصيني بانسحابه من لجنة الاستشارة الفنية لألعاب بكين الأولمبية 2008 احتجاجا على رفض رئيس الوزراء هو جينتاو دعوته له التدخل لوقف مجازر دارفور في السودان.
وفي العام نفسه أصدرت الممثلة الأميركية شارون ستون تصريحا لم يتسم باللباقة قالت فيه إن الزلزال الذي ضرب اقليم سيشوان الصيني وقُتل فيه عشرات الآلاف، إنما هو عقاب إلهي لنظام بكين على مسلكه في التبت. وفورا انتزعت السلطات سائر الملصقات الإعلانية التي تظهر فيها الممثلة وأصدرت حظرا على عرض أفلامها مازال ساريا الى اليوم.
ووصل تأثير الصين في هوليوود حد أن استوديوهات «إم جي إم» استخدمت التكنولوجيا الرقمية لتغيير موضوع فيلم بأكمله بعنوان «الفجر الأحمر». وتدور أحداث الفيلم الأصلي عن صبيان أميركيين يحاربون غزوا صينيا لبلادهم. لكن الموزعين تفادوه قائلين إنه سيحرمهم من إحدى أهم الأسواق في العالم. واضطر المنتجون لتعديل الفيلم بحيث صارت كوريا الشمالية – وليس الصين - هي الطرف الشرير.
ولا تقف هوليوود عند حد تفادي إغضاب بكين، بل تذهب أيضا الى استرضائها بـ«الرشاوى الفنية». وربما كان أفضل مثال لهذا هو الفيلم الفكاهي «الزنبور الأخضر» بطولة الكوميدي الكندي، سيث روغين، ومغني البوب التايواني المولد، جاي شو، المعتبر أحد ألمع نجوم الغناء في الشرق الأقصى والمعبود لدى الصينيين. وكان واضحا ان اختيار هذا النجم محسوب بسبب أهمية السوق الصينية، فضمن منتجو الفيلم اختياره في صدارة الأفلام الأجنبية العشرين التي تسمح بكين بعرضها كل سنة.
ومن المحتم للتأثير الصيني على هوليوود أن يتعاظم بشكل مضطرد خلال السنوات المقبلة. فقد قضت منظمة التجارة العالمية مؤخرا بأن حصة 20 فيلما في السنة التي يفرضها النظام الصيني ليست قانونية. ووعدت بكين بالانصياع لهذا الحكم ابتداء من العام المقبل.
ومن المحتم لسوق صينية جديدة تستقبل منتجات هوليوود بلا سقف يحد عددها أن تصبح الكبرى على الإطلاق في العالم. ولكن حتى في هذا الوضع الجديد فالأرجح ألا تجري بكين أي تعديل في سياستها المتعلقة بالرقابة الصارمة. وهذا هو بيت القصيد.. فهو يعني أن هوليوود ستبدأ غض النظر عن التجاوزات الصينية وأن أصوات المنتقدين ستخفت شيئا فشيئا الى أن تتلاشى نهائيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer