تبدأ في شهر أيلول/سبتمبر المقبل الانتخابات البلدية السعودية في دورة ثانية، حكم عليها في أوساط شعبية بالفشل، نظرًا إلى قلة حجم المشاركة، وكذلك الممانعة القوية من البعض في المشاركة فيها، في وقت جدد 5% من الأعضاء الحاليين ترشحهم، وسط ممانعة جديدة من المشاركة النسائية.
الرياض: حملت الخطوة الثانية من التجربة السعودية "البدائية" في الانتخابات البلدية بعدًا آخر، كانت اللجنة العامة للانتخابات، بحسب مهتمين، بعيدة عن فهم أهداف ما يريده السعوديون منها، خصوصًا وأنها تعبّر بصورة كبيرة عن شأن بلدي، هو مثار جدل على الدوام في كل المدن السعودية بلا استثناء.
آلية التعامل مع كيفية وأهداف ما يريده المجتمع من المجالس البلدية يراه الكثيرون غائبًا عن تنظيمات وسياسات الانتخابات البلدية، وهذا ما تناولته صفحاتهم ومدوناتهم عبر الشبكات الاجتماعية المختلفة، إذ يرون أن المجالس البلدية لم تتجاوز محيط مقاعد أعضائها.
فمنذ الدورة الأولى للانتخابات في العام 2005، التي شقت فيه الدولة السعودية أولى خطوات تاريخها في التجربة الديمقراطية والمشاركة الشعبية، لم تروِ هذه المجالس البلدية طوال السنين الست الماضية عطش السعوديين والسعوديات في تحقيق طموحاتهم، أو تلبية شكواهم من أكثر الجهات الحكومية ارتباطًا بقضاياهم وواقعهم.
الحديث هنا عن الدورة الجديدة لهذه الانتخابات، وهي آتية في ظل الغضب منها ومن دورها المحلي على الصعيد الشعبي، فمنذ بداية إعلان وزارة الشئون البلدية والقروية، وهي المظلة الرئيسة للمجالس البلدية، عن بداية تسجيل الناخبين للدورة الثانية في نيسان/أبريل، بدأت رياح مضادة من مجاميع سعودية عديدة في ممانعة السعوديين عن المشاركة، من منطلقات تسعى فيها المجاميع إلى التغيير منتقية القنوات الاجتماعية الإلكترونية مصدرًا لإطفاء شعلة المشاركة.
من المرحلة الأولى التي تضمنت تسجيل الناخبين، كانت فيها المراكز الانتخابية المستوطنة في عدد من المقار البلدية والمدارس الحكومية في مدن المملكة أشبه بصحارى خالية، سوى من تناثر لعدد من موظفي المدارس والبلديات، وهي الجهات المشرفة على عملية التسجيل.
حيث لم تسجل السعودية سوى مليون ومئتي ألف ناخب من أصل نحو 5 ملايين، يحق لهم المشاركة، في ظل استمرار منع المشاركة النسائية في الانتخابات الحالية، وهو أحد الأسباب التي يراها البعض من الأطياف المجتمعية كحجة في عدم المشاركة.
إضافة إلى ذلك، كانت المرحلة الثانية من الدورة الجديدة للانتخابات المقرر إقامتها في التاسع والعشرين من أيلول/سبتمبر المقبل، وهي مرحلة تسجيل المرشحين، كانت حاملة مفاجآت، خصوصًا وأن المجالس البلدية والديمقراطية اعتادت أن يعيد عدد كبير من أولي الكراسي ترشيح أنفسهم، إلا أن المفارقة كانت في أن 95% من أعضاء المجالس الحالية لم يجددوا ترشحهم.
كل هذه الأرقام هل حكمت على فشل الانتخابات البلدية الثانية قبل بدايتها؟
الكاتب السعودي في الشؤون المحلية علي القاسمي قال في حديث لـ"إيلاف" إنه لا يمكن الحكم المبكر بفشل الانتخابات البلدية، معترفًا أن هناك بوادر على صعيد القراءة الاجتماعية تشير إلى أن الانتخابات وهي تخطو نحو تجربتها الثانية في السعودية لم تتجاوز بعد المربع الأول للطموحات والرؤى.
معتبرًا أن استمرار التذمر الاجتماعي ورد الفعل السلبي نابعين من أن المجتمع لم يستوعب ماهية الانتخابات وإلام تهدف وفق نظره، معتبرًا أنها تتويج اجتماعي، وكرسي يضاف إلى لحقيبة المواطن الاجتماعية المرشح للمجلس البلدي، ولا يمكنه الحصول على ذلك من دون تفعيل ثقافة الفزعة والتعصب القبلي والديني.
لا خوف من مشاركة المرأة
وحول المطالبات المناهضة لفكرة الانتخابات البلدية الحالية، وصورتها النمطية التي ترسخت في ذاكرة السعوديين، أنها لم تتجاوز محيط قاعاتهم، ومطالباتهم بتطويرها وإشراك المرأة فيها، قال القاسمي "لا أرى مبررًا على الإطلاق للخوف المفتعل في قضية مشاركة المرأة في الانتخابات كناخب بأقل التقديرات".
مضيفًا أن لعنة الشكوك وسوء النوايا وانحلال المجتمع هي المتسمرة في ذهنية أفراد من المجتمع لا تزال آراؤهم هي الفاصل في كل قضية اجتماعية؛ لكونهم الأكثر قدرة على اللعب على العواطف والمشاعر وإقناع المتلقي بمخاطر ليست موجودة بتاتًا، في ما لو كان الاتجاه في المقام الأول لتصحيح المفاهيم المغلوطة، وتعزيز الثقة، لا الشك في التعامل مع أي حق مشروع أو مستجد على طاولة المجتمع.
حضور اجتماعي بارز!
عن ما سيجنيه المرشحون من مجالسهم ودورهم، قال علي القاسمي إن المرشحين لن يجنوا سوى الحضور الاجتماعي البارز، إضافة إلى تنامي ثقة المجتمع فيهم، حتى ولو كان المرشح لم يأت إلى الكرسي عن جدارة واستحقاق، وأشار إلى أن مرشح المجلس البلدي يفكر كيف يصل إلى كرسي المجلس، قبل أن يجتهد بالتفكير الجاد والحاسم، وعمّا سيقدم وما هي خطواته المستقبلية في ما لو كان الترشيح من نصيبه، مجرد الترشح بالنسبة إلى المجتمع هو فتح مثير وانتصار ملفت ولو على امتداد الذهنية الاجتماعية التي تحتفي بالمرشح.
95 % غائبون عن تجديد انتخابهم..!
الأمر الغريب حتى على مستوى المجالس البلدية هو سبب عدم تجديد أكثر من 95% من الأعضاء الحاليين لترشحهم، في خطوة تخرج عن نسق الانتخابات، كما تسير عليه الدول عالميًا، فهل تعب أولي المقاعد؟. القاسمي رأى أن أكثر المرشحين لم يكن تعبًا بقدر ما هي تجربة أضيفت للسيرة الذاتية وتجربة ملفتة لكونها تجربة أولى وترشح في الانطلاقة، ربما لا يتكرر في خطوات مقبلة، وبالتالي فأعضاء المجلس البلدي في دورته الأولى، والذين لم يعيدوا ترشيحهم ثانية هم أذكياء جدا قبل أن يكونوا متعبين أو محبطين حسب وصفه.
فرأى أنهم أهل تجربة وخبرة وبالرصيد الاجتماعي نفسه الذي حققوه في جولتهم الأولى سيكون ترشحهم مرة ثانية وفشلهم في الوصول إلى الكرسي نفسه ساحبًا البساط من تحت أقدامهم ومعه أشعة الضوء التي تسلط عليهم دومًا وتضعهم في المقدمة، وسط مجتمع يحترم ويجامل كل من يرزق بكرسي اجتماعي جديد، مستبعدا إنكاره أن عضو المجلس البلدي واجه تحديات كبرى وواجه عوائق، ربما لم يدرسها جيدًا أو يأخذها في الحسبان، واستنزفت كثيرًا من جهوده وقدراته، وصادمته كثيرا مع الجزئية الواعية من المجتمع، والتي تناقش أدق التفاصيل، وتذهب الى الحسم في أي قضية، وجل هذه التراكمات تركت عضو المجلس لا يفكر مطلقا في أن يترشح مرة أخرى.
ماذا ينقص السعوديين ليصلوا لقناعة بالمجالس البلدية؟
هو السؤال الأكبر، الذي ربما يعيد إلى السعوديين طريقة أخرى في كيفية التعامل مع أهدافهم، ففي ذلك قال إن المجالس البلدية تحتاج أن تصنف كراسي المجلس إلى فئات عمرية لتستوعب شرائح المجتمع كافة، لا أن يتم حصرهم في فئة عمرية معينة تبعًا للأكثر شعبية وجماهيرية في مثلث الترشيح الشهير، حيث اعتبر أن ذلك يلغي دور الجيل الجديد في المشاركة لكونه مستسلمًا ومتأكدًا من أنه لن ينال ولو كرسي واحد حتى يصل إلى موقع مميز داخل المثلث، أو يذهب إلى منطقة عمرية تسمح له بالتنافس حسب رأي المجتمع.
أما عما ينقص السعوديين حتى يصلوا إلى مناطق "دافئة" مع انتخاباتهم البلدية، فأوضح القاسمي أن ذلك يتجاوز رمي العاطفة تمامًا في هذا الجانب، وتغليب العقل جيدًا، والثقة التامة بأن العاطفة تبيض الوجوه مع الأصدقاء والأحباب، لكنها تترك المستقبل في خلاف دائم نحو أن يكون أبيض الأمنيات والطموحات.
هل زادت الانتخابات البلدية السعودية "الأولى" من الوعي المجتمعي؟
القاسمي قال إن الانتخابات البلدية في دورتها الأولى كانت اختبارًا لمدى إرادة المجتمع للتغيير ومناقشة الأفكار وتجربة حديثة لمجتمع لم يعهد أن يدخل في تجارب جماعية مكشوفة، وأن التجربة الأولى دومًا تكون ممتلئة بالأخطاء والثغرات والمفاهيم المتداخلة، وتضاعف حالة التوهان بين ماذا وكيف.
مضيفا أنه لو لم نخرج من الانتخابات البلدية في دورتها الأولى إلا بزيادة في الوعي، وإحساس متزايد في أنه بالإمكان المشاركة في صنع القرار وبيان الخطأ لكان كافيًا ولو لشريحة بسيطة.
الدورة الثالثة .. للنساء القبول!
في سياق متصل بأحداث الانتخابات البلدية؛ أوصى مجلس الشورى السعودي في جلسته التي عقدت أمس الاثنين باتخاذ التدابير اللازمة لإشراك المرأة كناخبة في انتخابات المجالس البلدية، حيث حظي الرأي المقدم من لجنة الإسكان والخدمات في المجلس على موافقة واحد وثمانين عضوًا، بينما رفضه سبعة وثلاثين عضوا آخرين. الأمر الذي سيحدد على ما يبدو مشاركة المرأة في الدورة الثالثة حال نجاح الثانية التي ستبدأ في أواخر أيلول/سبتمبر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات