عندما كتبت منتقداً الهجوم الذى شنه رئيس الجمعية الشرعية على المرأة، وأعقب هجومه باندهاش واستنكار واستغراب ممن يقبل أن تكون رئيسته حائضاً!، وصلتنى رسائل كثيرة تدافع عن هذه النظرة المتدنية المحقرة للمرأة، وفى كل الرسائل تقريباً اعتماد شبه كامل على حديث «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»، وفى كل الرسائل أيضاً اعتراف وإقرار من المرسل بأنه يتبنى النظرة السلفية، والحقيقة أن الاسم واللقب الحقيقى الذى أفضله ليس السلفيين، لأننا جميعاً نحب السلف الصالح الذين لا يحتكر الحديث باسمهم أحد،
ولكننى أُفضل لقب «النصيين» أو «الحرفيين»، نسبة إلى الالتزام الحرفى بالنص وإبعاده عن سياقه ومناسبته وتأويله ومحاولة فهمه على ضوء العصر، لكن أحياناً الخطأ الشائع يرسخ فى الأذهان ويصبح هو الاسم المعتمد الذى لا مفر منه، ويذكرنى هؤلاء الحرفيون النصوصيون فى فهمهم الحرفى المتزمت للنصوص بترجمة الكمبيوتر للنصوص الإنجليزية إلى اللغة العربية، هذه الترجمات دائماً غير مفهومة وأحياناً مضحكة ولا تعرف ما يطلق عليه فى الترجمة روح النص، فهؤلاء يترجمون النصوص حرفياً مثلهم مثل مدعى الترجمة الفورية الذى ترجم جملة «تامر كتب كتابه على فيفى» على هذا الشكل «TAMER WROTE HIS BOOK ON IN IN».
هذا الحديث الذى يستغله كل من يحاول تبرير رفضه المرأة رئيسة أو وزيرة أو مديرة، لابد أن نفهمه ونناقشه بعقل مستنير وروح تحترم سياق وتطور العصر، ولذلك لجأت إلى د. سعد الدين الهلالى، وهو واحد من مجددى الفكر الدينى، الذين منَّ الله بهم علينا فى هذه اللحظات الحرجة من حياة هذا الوطن، الذى يُراد سلب عقله وجرّه إلى كهوف الماضى وثلاجات التحنيط، ناقش د. سعد هذه النقطة تفصيلاً فى كتابه «الجديد فى الفقه السياسى المعاصر»،
وقال إن ما قيل فى الحديث مناسبة خاصة وواقعة حال، بمعنى أننا لابد أن نضع عبارة «لن يفلح قوم..» فى سياق القصة كاملة ولا ننزعها أو نبترها من هذا السياق، لابد أن نفهمه على أنه وصف لحادثة بعينها، وأيضاً لابد من فهمه فى ضوء الأحاديث السابقة عن فارس وكسرى، فالحديث بهذا الشكل هو تكملة لقصة كسرى الذى مزق كتاب النبى، فسلط عليه ابنه فقتله ثم قتل إخوته وانتهى الأمر بموته مسموماً، فأخذت الولاية ابنته بوران، وكان الرسول قد دعا من قبل حين مزق كتابه أن يمزقوا كل ممزق، ولذلك كان حديثه عن عدم فلاح قوم فارس استكمالاً للدعاء السابق، أو بحسب عبارة الباحثة السياسية هبة رؤوف عزت حين وصفت هذا الحديث بأنه «يدخل فى إطار الإخبار والبشارة لا فى باب الحكم الشرعى».
يذكر د. سعد، للتدليل على صحة كلامه، أسماء لامعة من أهل الفكر والعلم، لم تقف تاء التأنيث حائلاً أمام طموحهن وتفوقهن، مثل: سميرة موسى أول عالمة ذرة مصرية، ونبوية موسى أول ناظرة للمدرسة المحمدية، وأمينة السعيد أول رئيسة تحرير، والدكتورة حكمت أبوزيد أول وزيرة فى مصر.. وغيرهن فى شتى المجالات، ولكن هل يقتنع الحرفيون النصوصيون السلفيون بهذا الكلام، أم أنهم خائفون مرتعشون من دور العقل فى مناقشة تلك الأمور، لأن منطق العقل سيبدد ويذيب سطوة محتكرى تجارة وبيزنس الدين؟!
info@khaledmontaser.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات