بقلم سليمان جودة ٥/ ٥/ ٢٠١١
أكتب هذه السطور من مدينة «مازارا» الإيطالية، وهى مدينة فى أقصى الجنوب الإيطالى، وبينها وبين العاصمة روما ٦٠٠ كيلومتر. ولا يمكن للواحد منا، أن يكون فى إيطاليا، ثم لا يكتب شيئاً عن رئيس وزرائها «بيرلسكونى»، الذى تملأ سيرته الدنيا، منذ جاء إلى الحكم فى بلاده، وينشغل الناس بأخباره، باعتباره «دونجوان» من الطراز الرفيع! طبعاً.. أخبار الرجل متنوعة، وهو رجل عنده غرام خاص بالنساء، ولا يكاد يمر يوم، إلا ويكون فيه خبر عن حكاية مثيرة له، مع امرأة هنا، وأخرى هناك.. غير أن هذا، مع أهميته، ليس هو الشىء الذى يجب أن يشغلنا فيه.. إذ على الجانب الآخر، لا يكاد يمر أسبوع، إلا ويكون هناك استدعاء من جهات التحقيق لـ«بيرلسكونى» من أجل التحقيق فى تهم فساد تلاحقه، وهو يبدو أنه اعتاد على هذا الموضوع، وأصبح الذهاب إلى مثل هذه الجهات، ثم العودة منها، مسألة أكثر من عادية بالنسبة له، ولأبناء وطنه، ولم تعد، كمسألة متكررة فى حياته، والحياة السياسية الإيطالية، تثير استغراب أحد! غير أن هذا أيضاً ليس هو المهم، أو بمعنى أدق، إذا كان هذا مهماً فهناك ما هو أهم بالنسبة لنا فى مصر على وجه التحديد، وهو أن استدعاء رئيس وزراء إيطاليا، للتحقيق معه، ثم صرفه أكثر من مرة، يتم وهو فى السلطة، وليس بعد مغادرتها، كما يحدث حالياً عندنا، على أكثر من مستوى! هذا إذن، هو الفارق المهم جداً، الذى يجب أن نلتفت إليه، وهو على كل حال، لا يقتصر على إيطاليا وحدها، وإنما يمتد ليشكل قاعدة، لا استثناء، فى دول الغرب كلها، وربما يكون المثل الأشهر، فى هذا السياق، هو المثل الخاص بالرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون الذى كان قد خضع للمساءلة، أكثر من مرة أيضاً، وهو فى البيت الأبيض، فيما يخص علاقته بالمتدربة الشهيرة «مونيكا»! ولا نريد أن نسترسل فى ضرب أمثلة، فهى كثيرة لمن يريد إحصاءها، ولكننا نريد هنا أن نقول إن مساءلة «بيرلسكونى» فيما يتعلق بشبهات فساد كانت تتم، ولاتزال، وهو على الكرسى، وكذلك الحال مع كلينتون، وغيرهما، ولذلك فإننا عند المقارنة بينهما، تحديداً، وبيننا، سوف نكتشف أن هذا الحاصل عندهم، لم يحدث عندنا أبداً، ولم يحدث من قبل، أن ذهب وزير، أو محافظ، من مسؤولينا الذين حوكموا ودخلوا السجن، إلى النيابة، أثناء وجودهم فى السلطة! الفساد، ليس مجرد امتلاك «فلان» قطعة أرض، فى الساحل الشمالى، أو امتلاك «علان» فيلا فى لسان الوزراء، وإنما هو ممارسة فى أثناء الحكم يجب أن تخضع حين تنحرف عن مسارها للسؤال والمساءلة، فى حينها، وليس بعدها، كما هو الحاصل فى القاهرة فى الوقت الحالى! عشنا سنوات طويلة نؤمن، دون مبرر، بأن مساءلة أى مسؤول، أياً كان مستواه، يجب أن تظل مؤجلة إلى أن يخرج من السلطة، وعشنا سنوات أطول، وتحديداً منذ عام ١٩٥٨، وهو عام قيام الوحدة بين مصر وسوريا، إلى عام ٢٠١١، ونحن ندعو إلى وضع قانون جديد لمساءلة الوزراء، وهم فى مواقعهم، ولكن دون جدوى، وكنا كلما دعونا إلى ذلك، قيل إن قانون محاكمة الوزراء تم وضعه فى ذلك العام، عند بداية قيام الوحدة بين البلدين، ثم لم يتغير إلى الآن، رغم أن الوحدة انفضت عام ١٩٦١، ولم يكن أحد يفهم وقتها، وحتى هذه اللحظة، لماذا كان التلكؤ فى تعديل هذا القانون، ولماذا كانت الدولة، ولاتزال طبعاً، تجعل مساءلة أى وزير، عن أى شىء، موضوعاً مؤجلاً إلى ما بعد إعفائه من مسؤوليته؟! نحن، الآن، فى حاجة إلى وضع طريقة أو وسيلة من نوع ما، تتيح لنا ممارسة ما يمارسه الإيطاليون تجاه رئيس حكومتهم، وهو فى منصبه، حتى لا نكتشف مرة أخرى، كما اكتشفنا هذه الأيام، أن إتاحة هذا الأمر عندنا، تظل فى حاجة إلى ثورة! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات