بقلم لميس الحديدى ٣١/ ٥/ ٢٠١١
السؤال الأهم بين القوى السياسية فى مصر الآن هو: من فاز فى التحرير يوم الجمعة الماضى؟ هل استطاعت القوى الليبرالية أن تحشد ما يكفى من المتظاهرين فى غيبة التيار الدينى والإخوان، أم أن «الجمعة» قد فشلت، والغلبة كل الغلبة للتيار الدينى الذى دونه - حتى لو لم يكن قد بدأ الثورة - لا تخرج مليونية؟! هكذا هو الجدل الدائر فى مصر، هكذا هو الخلاف الذى وصل إلى أن تتنابز الصحف: بعضها يوحى بهذا والآخر يوحى بذاك، وكأن الحقيقة لها مائة وجه، كلٌّ يراها من خلف نظارته الخاصة، ويطوع كل الأدوات كى يراها الآخرون مثله!! ورغم وجاهة هذا الجدل وأهميته وما يعكسه من تباين حقيقى داخل نسيج هذا الوطن، مما قد ينعكس على كتابة سيناريو المرحلة المقبلة، فإننا انشغلنا به عن الأمر الأكبر، عن الهمّ الأعمّ وهو مستقبل هذا الوطن.. مستقبل بنائه لا مستقبل الجدل حوله. فالوطن لا يقتصر على التحرير.. ورغم أن التحرير هو رمز هذه الثورة التى غيرت من شكل مصر وأنبأت بمستقبل جديد لوطن حر، فإن الوطن أبعد من التحرير بكثير. وهموم المصريين لا تقتصر على هموم «النخبة» السياسية بل تتعداها إلى هموم الحياة من: أكل العيش، العمل، الفقر، السكن، الصرف الصحى، المواصلات، التعليم، الصحة، فالمصريون خرجوا لـ«لتحرير» لأنهم يريدون حياة أفضل وحرية ومساواة. ذاك هو ما يهم الناس.. ذاك هو ما يجب أن يشغل عقلنا وتفكيرنا فى المرحلة المقبلة: البناء وليس التخوين. والحقيقة أن الأحزاب الليبرالية الجديدة تحتاج لوقفة حاسمة ومهمة مع نفسها، فقد اتخذت من البرامج التليفزيونية والصحافة والتحرير منابر لها، فى حين أنها لم تبدأ العمل بعدُ فى غرس قيم الثورة أو الوصول بها إلى باقى أجزاء القطر.. القطر الذى يتسع لتسع وعشرين محافظة تضم ٨٦ مليون مصرى.. لم تصل الثورة إلى هؤلاء فى طما أو سيوة أو طحلة أو أسوان أو مغاغة، أو قرى أسيوط الأكثر فقراً.. لم ير هؤلاء من الثورة سوى نجومها على الشاشة، لكنهم لا يفهمون كيف ستصل إليهم.. هؤلاء هم من يجب أن نمد جميعاً أيدينا إليهم بالعون والفهم والتثقيف و«الحشد».. رغم أن «الحشد» كلمة مكروهة سياسياً لدى البعض. صحيح أنه لنفس تلك الأسباب تحاول تلك الأحزاب أن تؤجل الانتخابات كى تستطيع أن تنظم صفوفها بشكل أفضل، لكن الحقيقة تقول إن العمل يجب أن يبدأ من الأمس وليس الغد، وبدلاً من الانشغال بمن فاز فى «جمعة الوقيعة»، كما سُميت، ننشغل بمن سيفوز فى الانتخابات القادمة، من سيبدأ مرحلة البناء، من لديه رؤية وفكرة ولو بسيطة لجعل حياة هؤلاء البسطاء على امتداد المحروسة أفضل - ولو قليلاً - من سيُشمّر عن ساعديه للعمل وليس فقط لحضور الندوات والكلام والخروج فى التليفزيون.. من سيرشح نفسه ليكون نائباً فى مجلس الشعب يصوغ مستقبل هذا البلد، ويراقب قياداته وليس من سيكون رئيساً للجمهورية!! لقد سأل توماس فريدمان، الكاتب الأمريكى الشهير، سؤالاً مهماً فى مقاله الأخير حين قال: من سيكتب قواعد مصر المستقبل؟! وأضيف إلى هذا السؤال: وكيف ستكون القواعد؟! أرجوكم بطلوا خناق، أرجوكم بطلوا صراعات وتخوين، أرجوكم ابدأوا العمل.. فالانتخابات قادمة، فهل أعددتم أنفسكم؟! هناك من يعد العدة.. وأنتم تنشغلون بأشياء أخرى.. أرجوكم انشغلوا بالوطن.. انشغلوا بالناس.. فهذا هو الأهم. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات