بقلم سليمان جودة ٢٥/ ٤/ ٢٠١١
لو أنت أقمت فى شقة لفترة طويلة، فإنه يأتى عليك وقت تقرر فيه إعادة الحياة إليها من جديد، وتكتشف ـ والحال كذلك ـ أن عليك أن تعيد طلاءها، وكأنك سوف تقيم فيها للمرة الأولى! ولا يقتصر الأمر عندئذ على مجرد إضفاء لون مختلف على الشقة، وإنما يتبين لك، وأنت تقطع هذا المشوار، أنه قد يكون من المهم أن تنقل حجرة مكان حجرة، وأن تمحو لمسات، وتضع لمسات أخرى على كل جدار، وأن تأخذ هذه اللوحة ـ مثلاً ـ من جدار إلى جدار، وأن تغير مكان غرفة المعيشة، وأن تأتى بمطبخ جديد.. وأن.. وأن.. إلى آخره! عملية كهذه يمكن أن تستغرق ستة أشهر، ويجوز أن تستهلك منك وقتاً أطول، ولكن.. أياً كان طول الوقت، فأنت تكتشف خلال رحلة من هذا النوع أنك تقريباً تعيش فى الشارع.. فالأثاث كله يصبح مكوماً فى غرفة واحدة، وقد تضطر إلى ركن بعضه على السلالم، وتظل تتأذى وتتأفف من رائحة الطلاء، ولا يكون أمامك بديل آخر، ويجد أفراد الأسرة أنهم ربما يكون عليهم جميعاً أن يناموا فى حجرة واحدة، لعدة ليالٍ، وقد تجد نفسك مضطراً إلى استئجار سكن مؤقت، لفترة، وقد تقيم مرغماً فى فندق.. وقد.. وقد.. فالمهم أنها تظل مدة مضطربة فى حياتك، وحياة أسرتك، وتظل أيضاً مدة مليئة بالتوتر، والقلق، والتشتت، والضيق، وكل هذه المعانى! ولكن.. يبقى المقابل أنك تعود بعدها إلى شقة جديدة، كأنك تسكنها للمرة الأولى، ويبقى أنها تصبح أكثر راحةً لك، ولكل مقيم معك فيها، وحين يحلو لك أن تقارن بينها فى حالتها الجديدة الطارئة، وبين حالتها القديمة، تظل تتساءل بينك وبين نفسك عن مدى القوة التى كان الله تعالى قد منحها لك، لتحتملها على ما كانت عليه من قبل! والأهم من ذلك أنك تدرك وقتها فقط أن كل ما عانيته فى أثناء شهور الإصلاح، وإعادة البناء من جديد، إنما هو ثمن كان لابد من دفعه والوفاء به مسبقاً، حتى تصل إلى مسكن مغاير بمستوى أفضل. شىء من هذا، وربما هذا كله، مع الفارق طبعاً، يستشعره كل مواطن هذه الأيام، وهو يلاحظ أن أيام ما بعد ٢٥ يناير، حافلة بالقلق، والانزعاج، والعكننة، والتشاؤم، وربما الخوف من المستقبل، وعليه! غير أننا لو أخذنا الموضوع بالقياس إلى مثال الشقة وصاحبها، فسوف يتبين لنا أن كل ما نراه، ونتابعه، ثم نقاسيه على امتداد البلد، إنما هو شىء طبيعى، لأنه من المستحيل أن تنتقل من بلد، قبل ٢٥ يناير، إلى بلد آخر، بعد ٢٥ يناير، دون أن تصاحب هذه «الولادة» ظروف صعبة من هذه النوعية التى نعيشها ونعايشها! ما نعانيه، هذه الأيام، هو الثمن الذى علينا أن ندفعه كمجتمع، للانتقال من بلد كان إلى بلد سوف يكون.. وإلا تساوت كل الأشياء، ولم يعد لكل شىء ثمنه الذى علينا أن نسدده مقدماً! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات