بقلم د.حسن نافعة ٢٤/ ٣/ ٢٠١١
كثرت المصادر التى تحدثت عن ثروة مبارك، لكن أكثرها ذيوعا كان تقريرا نشرته صحيفة «الجارديان» البريطانية واسعة الانتشار فى عددها الصادر فى ٤ فبراير الماضى، جاء فيه أن ثروة عائلة مبارك تتراوح ما بين ٤٠-٧٠ مليار دولار. ورغم أن هذا الرقم بدا مبالغاً فيه، وربما غير دقيق أيضا، نظرا للفجوة الكبيرة بين حديه الأدنى والأعلى، إلا أنه شكّل صدمة لجموع المصريين وبدا غير قابل للتصديق. فحتى بافتراض أن الحجم الحقيقى لثروة عائلة مبارك يقترب من الحد الأدنى للرقم الذى قدره تقرير «الجارديان»، إلا أنه يظل مبلغا مهولا ويكاد يوازى دخل الدولة المصرية لمدة عام، بل يكفى، إذا ما وزع على جميع أفراد الشعب المصرى، لحصول كل منهم على ما يقرب من ٥٠٠٠ جنيه! غير أن ما لفت النظر بشدة فى تقرير «الجارديان» وأضفى عليه قدرا لا بأس به من المصداقية، مقارنة بغيره من المصادر، أمران: الأول، أن تقرير «الجارديان» نشر قبل أسبوع كامل من تنحية مبارك، أى أثناء ممارسته سلطته وليس بعد تخليه عنها، والثانى: أن التقديرات التى تضمنها جاءت مفصلة. فقد حدد التقرير المنشور ثروة كل عضو فى أسرة مبارك (١٥ مليارا للأب، ٥ مليارا للزوجة و١٧ مليارا لجمال و٨ مليارات لعلاء) وحدد مجالات الاستثمار الموزعة عليها، كما حدد أسماء عدد من البنوك الأجنبية، خاصة السويسرية والأمريكية والبريطانية، التى توجد بها حسابات وأرصدة سرية لكل أفراد الأسرة. غير أن مصداقية المصادر الصحفية تظل دوما محل شك، مهما بلغت درجة دقتها من الناحية الفعلية، لذا ظلت الحاجة ماسة إلى تدعيمها بمصادر رسمية تضفى عليها قدرا أكبر من المصداقة. ومن هنا الاهتمام الشديد بتصريحات جاءت على لسان جون كيرى، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى، أكد فيها أن الولايات المتحدة قررت تجميد أرصدة للرئيس مبارك بلغت قيمتها أكثر من واحد وثلاثين مليار دولار. لكن تبين فيما بعد أن خلطاً وقع، وأن السيناتور كيرى كان يقصد العقيد القذافى وليس الرئيس مبارك. ولحسن الحظ، فقد أتيح لى أن أشارك فى لقاء جمعنى مع السيدة هيلارى كلينتون، أثناء زيارتها الأخيرة للقاهرة، وضم عدداً محدوداً من الشخصيات، كان من بينهم: الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، والسيدة ميرفت التلاوى، والسفير نبيل فهمى. وفى هذا اللقاء، وجهت لوزيرة الخارجية الأمريكية سؤالا مباشرا عن أرصدة الرئيس مبارك وعائلته فى الولايات المتحدة، وعما إذا كان هناك تقدير رسمى عن تلك الأرصدة. وردّت الوزيرة بصعوبة التوصل إلى تقدير رسمى لثروة مبارك، بعكس الحال بالنسبة للقذافى الذى قالت إنه تم تجميد أرصدة له فى الولايات المتحدة بلغت قيمتها ٣٢ مليار دولار، كما جُمدت له أرصدة أخرى فى بريطانيا بلغت قيمتها ٣٨ مليار دولار! وعندما ألححت فى السؤال عما إذا كان من الممكن الحديث عن رقم تقريبى أو إجمالى لثروة مبارك، لم تتردد الوزيرة الأمريكية فى القول بأنها تعلم يقينا أن حجمها كبير وأنها تصل إلى المليارات in billions. وأظن أن هذا كان أول تأكيد رسمى غربى على ضخامة الثروة التى نهبتها عائلة مبارك من خيرات الشعب المصرى، وهو ما يلقى على الحكومة المصرية مسؤولية مباشرة تفرض عليها أن تسعى بكل الوسائل الممكنة لاستعادتها. ليست لدىَّ تفاصيل كثيرة عن طبيعة الجهود التى بُذلت، أو لاتزال تبذل، من جانب الحكومة المصرية لحصر وتتبع هذه الأموال، وإلى أين وصلت، لكن وجود الرئيس مبارك وأسرته أحراراً طلقاء فى شرم الشيخ وعدم القبض على أى منهم أو تقديمه للمحاكمة، أو حتى تحديد إقامتهم - كإجراء تحفظى إلى أن يتم استكمال ملف التحقيقات - يلقى بظلال كثيفة من الشك حول جدية الحكومة المصرية فى التعامل مع هذا الملف. ولأن الرئيس مبارك ليس متهماً فقط بسرقة أموال الشعب، وإنما بقتل الأبرياء أيضا، فمن الطبيعى أن تثير معاملته بهذه الطريقة الكريمة - والتى لا يستحقها - شكوكاً حول حقيقة ما يجرى. أليس من حق الشعب المصرى أن يسأل: أين وصل هذا الملف؟ وأليس من واجب الحكومة المصرية أن تقدم لشعبها إجابة شافية عن سؤاله الملح؟! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات