بعد أن فُتح مزاد وثائق أمن الدولة على البحرى، صار كل منا لا يكلف نفسه عناء التأكد والتحرى، فشهوة التجريس بركان متفجر وفيضان متدفق يأخذ فى وجهه أى منطق أو عقل، الكل يتسابق فى ماراثون نشر الوثائق وتصيد ما وراء السطور. رغبة الفضول شىء وحمى التجريس وهستيريا الفضائح شىء آخر. الحوار شىء والنميمة والغيبة شىء آخر. لم تعد هناك وسيلة إقناع عقلانية أو سياسية أو دينية نافعة فى إقناع المصريين بالكف عن الغيبة والنميمة والاغتياب وممارسة الاغتيال المعنوى للناس وتمزيق لحمهم بالباطل، امسك فنان، قطع مذيع، الحق مشهور، مصمص عضم مفتى أو رجل دين أو رجل أعمال... وكله بالشبهات.
فرح العمدة أضيئت أنواره، ومولد سيدى أمن الدولة أقيم سرادقه، ودى جى إعلام النميمة والفضائح انفتحت ماسورته، ومهرجان تمزيق البشر وإخراج أحشائهم بهاراكيرى الورق والمكالمات واللقاءات التليفزيونية بدأ بثه على الهواء مباشرة!، صار الهم الذى لا تغمض بسببه الأجفان هو سؤال مؤرق على طريقة شاهد ماشافش حاجة: اسمى مكتوب؟، ومع كل وثيقة يسيل لها لعاب الصحافة والإعلام صار الناس فريقين: فريق اسمه مكتوب وفريق اسمه مش مكتوب!، هذا نص مكالمة، وتلك تعليمات أمن، وهذه وثيقة استعطاف، وذلك أمر استعلام، ومن تأتى قدمه فى «الخية» ويتزحلق بصابون الوثائق ويسقط فى الفخ حتى لو كان الأمر استعلاماً أمنياً، فهو بالضرورة عميل وخائن ومرتزقة، وأى تسجيل فى لقاء تليفزيونى يُستخدم الآن فى القوائم السوداء التى تحولت بالتدريج إلى فوضى مكارثية يعدم فيها فريق فريقاً آخر معنوياً بمشنقة التخوين.
النائب العام مش ناقص بلاغات، وأعتقد أن الملفات أمامه تنافس الهرم الأكبر كعجيبة ثامنة من عجائب الدنيا، ومعارك التخوين التى استنفدت طاقة الناس اشتعلت أمامها معارك التبرئة التى ستقضى على البقية الباقية من دينامو التفكير، البوصلة تاهت، ونشوة التجريس تتضخم ككرة الثلج، وسفينة الوطن تتسع ثقوبها، وجبل الاقتصاد الضخم المتدهور يواجه سفينة الوطن المخرومة، وعلينا أن نختار بين الاهتمام بشق طريق جديد وترميم السفينة وكبت شهوة التجريس، أو اختيار الانتحار صداماً بالجبل أو غرقاً فى المحيط.
info@khaledmontaser.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات