شهدت سوريا في الفترة الماضية مظاهرات خجولة في عدد من المحافظات كان آخرها مظاهرة يوم الأربعاء قرب وزارة الداخلية في ساحة المرجة في دمشق، ضمّت عشرات من أهالي معتقلين ومؤازرين لهم.
وحول أسباب الأعداد القليلة في مظاهرات سوريا وتفاوت الأعداد بين مظاهرات الدول العربية رأى الكاتب الصحافي المخضرم سعد هجرس في تصريح لـ"ايلاف" ان "المظاهرات في كل البلاد العربية لم تبدأ مليونية بل بدأت خجولة ومحدودة العدد "، وضرب مثالا" مظاهرات حركة كفاية في مصر حيث كان أعداد المشاركين تترواح بين 50 و 200 شخصا، وكان المشهد المألوف عشرات من المتظاهرين في القاهرة ولكن بعد التراكم حصلت النقلة النوعية بشكل مفاجىء للجميع حيث ظهرت الحركات الاحتجاجية الكبيرة والحاشدة ، وما حدث في مصر هو نتيجة تراكم سنين طويلة من العمل والحراك "، وتذكر هجرس مظاهرات فترة الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات، وقال "في الواقع لم يكن أحد يحلم بكل هذه الحشود وبكل هذه الأعداد باتجاه التغيير".
وحدد الأمر الثاني في أسباب تفاوت أعداد المتظاهرين في الدول العربية معتبرا أنه مرتبط "بعدد السكان" ، وقال" إنه من العبث ان نفكر مثلا أن هناك تظاهرات مليونية في البحرين في ظل عدد السكان القليل".
أجهزة القمع أحيانا أقوى من إرادة التغيير
سعد هجرس |
واضاف هجرس "انّ هناك علاقة طردية بين سرعة تطور الحركات الاحتجاجية ومدى حداثة الدولة، فالدول ذات البنية العصرية مرشحة للتطور بشكل سريع فيما الدول التي بنيتها عشائرية أقل سرعة في التغيير ، فعلى سبيل المثال البنية في ليبيا قبلية عشائرية بينما الأمة في مصر حديثة ، لذلك التغيير جاء أسرع" ، وشدد " انّ هذا عامل مهم " .
ولفت هجرس الى أمر آخر و هو "أن التغيير الثوري هو محصلة اعتبارات ذاتية واعتبارات موضوعية ، وهناك تماس بين الظرف الموضوعي والظرف الذاتي ، وفي الحقيقة أن الظرف الموضوعي متواجد في كل الدول العربية بينما الظرف الذاتي متفاوت بينها ، فمثلا النخبة المصرية استطاعت التصدي للأمن وأجهزته القمعية في أيام ، ويمكن أنّ هذا الأمر مختلف في بعض الدول العربية مثل سوريا فأجهزة القمع أحيانا أقوى من ارادة التغيير".
وأشار الى "أن الأمور مرتبطة ايضا بالمزاج الشعبي، فالشرارة في تونس جاءت في الشاب محمد بو عزيزي خريج الجامعة العاطل الذي اضطر لبيع الخضار واللطمة التي وجهتها الشرّطية فجرّت الثورة في تونس بينما في مصر كانت الشرارة مقتل خالد سعيد الشاب الاسكندري ، وكانت هذه هي اللحظة الفاصلة التي ربما تأخرت بضعة شهور حتى 25 يناير".
وأكد هجرس "أنه في تاريخ كل شعب هناك خصوصيات ، والنقطة الحاسمة عندما تهان كرامته لذلك كانت المفاجأة بالنسبة للجميع اندلاع ثورة بهذا الشكل ، فقد كنا نتوقع ثورة جياع وليس ثورة مثل ثورة 25 يناير ، فالشعب المصري ثار من أجل الكرامة ، وكانت رسالته أن الخبز دون كرامة لا يمكن أن يكفي" ، مشددا" ان التغيير له كيمياء خاصة وشرارة التغيير تبدأ بحدث يفجّر تراكمات عميقة ، وتأتي هذه الشرارة من أحداث مختلفة ".
اختلاف الظرف المصري في بعض تفصيلاته عن المشهد السوري
الدكتور هاني رسلان رئيس |
الدكتور هاني رسلان رئيس وحدة حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية اعتبر في تصريح خاص لـ"ايلاف" أن "الظرف السوري مختلف في بعض تفصيلاته عن المشهد المصري. ففي سوريا لا يوجد فجوة فلكية بين الطبقات مثلما حدث في مصر حيث عملت هذه الفجوة احتقان اجتماعي في مصر في ظل عدم وجود اصلاح مما أحدث تراكم عبر سنوات أوصل البلاد الى لحظة انفجار ففي سوريا أعتقد انه لا توجد الفجوة الفلكية التي حدثت في مصر وبالشكل الكبير الذي كان في مصر".
وأشار الى أنه في مصر "هناك تناقض اجتماعي كبير فهناك عشوائيات وهناك القصور ، وهناك أشبه بحالة فصام لصالح عدد محدود من الناس كما جرّ النظام الطبقة الفقيرة الى الأسفل" .
ولفت رسلان الى "أن سوريا مشتبكة مع الصراع العربي الاسرائيلي ، وهناك ظروف خاصة الا أنه في مصر ليس هناك مبررا لهذا الفساد الهائل وما وصلت اليه الأوضاع من تردي ، وأتصور ان هذا عنصر اختلاف".
واعتبر أنه أمام السوريين نموذج العراق وأحد آثاره اللاجئين العراقيين، وهناك خشية في سوريا من انفراط الدولة ، وهذا غير موجود في مصر فليس هناك تخوف من المواطن المصري أن تنهار الدولة وليس هناك الخوف من الفوضى.
وأضاف "في سوريا هناك أزمات خارجية يعيشها المواطن السوري مثل الأزمة اللبنانية المجاورة لحدوده بينما هذا لاوجود له في مصر ". وأشار الى "أنه كان لابد من اسقاط النظام في مصر بينما مداخل الأزمة ومصادر المشاكل لها عدة أسباب في سوريا فالتعبئة والامبريالية والصراع العربي الاسرائيلي التي يتحدث عنها النظام السوري لها مصداقية بعكس الحالة المصرية حيث فقد الشعب هنا في مصر كل ثقته بنظام حسني مبارك"، واستدرك قائلا "لكن هذا لا يعني ان النظام السوري غير محتاج الى إصلاح".
وكانت الدكتورة بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية السورية اعتبرت أن "التغيير الذي تعيشه منطقتنا أتى متأخرا تسعين عاما، حيث تمكنت دول الحلفاء من اختطاف انتفاضة الشعب العربي وانتهت بتقسيمه إلى بلدان ودويلات من خلال اتفاقية سايكس بيكو"، مؤكدة أن الولايات المتحدة الأميركية لا تقوم بأي عمل إلا من منظور حماية مصالحها، داعية في الوقت نفسه العالم الغربي إلى إعادة النظر في سياساته الحالية تجاه المنطقة.
فيما وصف مدير إدارة التوجيه المعنوي في وزارة الداخلية السورية العميد محمد حسن العلي المتظاهرين الذين تظاهروا الاربعأء بأنهم مندسين ، وقال" لدى مراجعة بعض الأهالي لتقديم طلبات خطية بشأن ذويهم الموقوفين بجرائم مختلفة حاول بعض الأشخاص المدسوسين استغلال الموقف والدعوة للتظاهر من خلال إطلاقهم بعض الشعارات التحريضية في منطقة المرجة بدمشق التي تزدحم بشكل طبيعي بالمواطنين حيث تصدى لهم أصحاب المحلات التجارية الموجودة بالمنطقة والمواطنون بشكل عفوي ورددوا شعارات وطنية معبرين عن رفضهم لمحاولات بث الفوضى والعبث بأمن الوطن "، ومعتبرا "إن ما حصل هو أن عدداً من الأشخاص حاولوا إطلاق شعارات للتظاهر مستغلين دعوة بعض وسائل الإعلام المغرضة وذلك خلال عملية استقبال المواطنين وتلقي طلباتهم ومعالجة شكاويهم التي تتم بشكل دوري".
وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم أكد وجود اصلاحات قريبة في سوريا في الانتخابات البلدية وانتخابات مجلس الشعب ، وتمت الاشارة الى "المعونات المالية للطبقات الأكثر فقرا " والتي لاقت في سوريا انتقادات شديدة لكيفية توزيعها ونوعية المستفيدين منها.
تقارب سوري - أميركي
في المقابل أصلحت سوريا من علاقتها بالولايات المتحدة الأميركية ، والتي تتهمها أنظمة بعض الدول العربية بمساندة المتظاهرين ودعمهم ، وتجسد هذا في استقبال أول وفد عسكري طلابي أميركي منذ العام 2003 وقال بيان للسفارة الاميركية في دمشق ، تلقت "ايلاف" نسخة منه، أن الوفد ضيف على الحكومة السورية ، ومكث الوفد الذي يضم ستة عشر طالباً و ثلاثة مشرفين من الكلية الحربية الجوية الأميركية ، التي تتخذ من قاعدة ماكسويل الجوية في ولاية ألباما مقرا لها، في سورية بين 12- 16 من شهر آذار الجاري ، والتقى الوفد مسؤولين سوريين رفيعين وزار مراكز تدريب ضباط الجيش ومقر قيادة الأندوف في معسكر الفوار في مرتفعات الجولان بالإضافة إلى زيارة إلى مدينة القنيطرة. إقرأ أيضا في إيلاف: الأمن السوريّ يُفرّق بالقوّة تجمّعا احتجاجيّا قرب وزارة الداخلية
هذا وتجسد تحسن العلاقات السورية الاميركية أيضا في نشاطات أميركية ثقافية متنوعة في سوريا آخرها ما يقوم به رباعي الجاز (كريس بايرز) ، وهي فرقة جاز من مدينة نيويورك الأميركية بالعزف للجمهور في سوريا، حيث يعقد الرباعي ورش عمل مع طلبة الموسيقى السوريين في كل من دمشق والسويداء وحمص بين 17 و22 الشهر الجاري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات