الكلام هذه الأيام، عن المليارات التى حصل عليها أصحابها، بغير حق، أو المليارات التى سوف تعود إلينا، يجب أن يؤخذ بحساب شديد، وحذر أشد، حتى لا نكتشف فى النهاية أننا كنا نطارد نوعاً من السراب!
مثلاً.. قيل فى إحدى الصحف، إن ثروة حسين سالم تقترب من تريليون و350 مليار دولار، والتريليون لمن لا يعرف، ألف مليار، وهو رقم لو صح، فإن معناه أن ثروات أغنى ثلاثة رجال فى العالم، وهم «كارلوس سليم» المكسيكى، و«وارين بافيت» الأمريكى، ثم «بيل جيتس»، أقل من ثلث ثروة حسين سالم!
إننى فى أى يوم، لم أكن مرتاحاً أبداً إلى مسلك «سالم» فى الاستثئار والانفراد بتصدير الغاز إلى إسرائيل، حتى ولو كان قد صدر الألف قدم بمائة دولار، وليس بدولارين، أو ثلاثة، كما كان يحدث.. لم أكن مرتاحاً، وأغلب الظن طبعاً، أن غيرى كثيرين لم يكونوا مرتاحين، ليس لأنه كان يصدر الغاز بسعر منخفض هكذا، وإنما لأنه كان قد انفرد بملف على هذا المستوى، وبهذا الحجم، دون أن نعرف ما إذا كان هذا قد تم بالأمر المباشر، أم بغير الأمر المباشر، وهى مسألة تجعلك لا تبرئه طول الوقت، حتى يتضح لك ما يبرئ فعلاً.
ولكن.. على جانب آخر، فإن هذا لا ينفى أن نلتزم الدقة الواجبة، عندما نتكلم عن ثروات فلان، أو علان عن الناس، وليس عن «سالم» وحده بالطبع، فهو مجرد مثال صارخ فى ترويج أرقام لا تدخل أى عقل.
مثال آخر.. قيل إن السيناتور «جون كيرى» قال إن بلاده جمدت 31.5 مليار دولار، هى إجمالى ثروة مبارك فى الولايات المتحدة، وما كادت تمر ساعة، حتى خرج مصدر فى مجلس الشيوخ، الذى ينتمى إليه «كيرى» نفسه، ليؤكد، أقصد المصدر إياه، أن الـ31.5 مليار دولار تخص القذافى، ولا علاقة لمبارك أو أسرته بها، ثم ما كادت تمر ساعة أخرى، حتى تبين أن المبلغ يخص أصول وأموال شركة ليبية، تملكها الحكومة فى ليبيا، ولا يملكها القذافى كشخص!
فما معنى هذا؟!.. معناه أن هناك من يلعب بأعصاب الناس، فى هذه الأجواء المتوترة، ومعناه أيضاً، أن هناك - وهذا هو الأهم والأخطر - من يستخف بعقولنا.. وإلا.. فما معنى أن تكون لدى الولايات المتحدة ثروة قيمتها 31.5 مليار دولار، ولا تعرف الإدارة الأمريكية، بجلالة قدرها، وجلالة قدر أجهزتها، شيئاً عن صاحب هذه الثروة، على وجه التحديد!
لم يحدث من قبل، أن قام أحد برد مليارات، أياً كانت الطريقة التى حصل بها عليها، وهذه ليست دعوة إلى اليأس، ولا إلى الإحباط، ولا إلى أى حاجة.. بالعكس.. فأنا أول الداعين بقوة إلى أن يعود كل قرش، وليس كل مليار، ولكن بشرط أن يكون سيعود فعلاً، حتى لا نطير طويلاً فى السماء، ثم نرتطم فجأة بالأرض!
إنها دعوة إلى التروى - لا أكثر - فى الاتهام، وفى الاغتيال المعنوى لأشخاص، أياً كانوا، وأياً كانت أسماؤهم، لا لشىء، إلا لأنه لم يتضح لنا بعد، ما إذا كانوا أبرياء، أو مدانين، وإذا كنت أعرف أن كلاماً من هذا النوع، لن يشفى غليل كثيرين، فإننى أعرف، فى الوقت نفسه، أنه قد يشفى «توهان العقل»!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات