كنت، مساء أمس الأول، فى ضيافة نخبة رائعة من شباب جامعة القاهرة فى كلية العلاج الطبيعى، فى ندوة كان محورها «صحافة الثورة»، وتفرعت تحت ضغط أسئلة الشباب واستفهاماتهم من الصحافة إلى الدستور والأحزاب وحتى الأزمة الحالية داخل الجامعات، وكان السؤال الذى يشغل بال كثير من الطلاب: ما هو الشىء المطلوب منا لنساهم فى الحياة الجديدة، وما هى النصيحة التى أراها واجبة الآن؟
والحقيقة أننى لم أجد أهم من أن أنصح كل شاب من أولئك الرائعين الذين كان يكتظ بهم مدرج الكلية سوى أن يعمق كل منهم فى داخله قناعة بـ«قبول الآخر»، فلا يمكن أن تكون مقبلاً على حياة ديمقراطية غير مبنية فى الأساس على احترام التنوع والاختلاف، لكن الطلاب سألونى عن وضع القيادات الجامعية الحالية فى حضور عميد كليتهم الدكتور عادل نصير، الذى كان إلى جوارى على المنصة، ولم يجد حرجاً من أسئلة كتلك، ولا من تعليقى الذى أوجزه لك بأننى أعتقد أن قانون الجامعات الحالى بصيغته الحالية كان «مفسدة كبرى» وكان جزءاً من آليات النظام السلطوى الاستبدادى للسيطرة على الجامعات والتغول على استقلالها، وأن هذا القانون لابد أن يسقط كما سقط النظام، ولا يجب التسامح مع أى شخص لا يدعم بوضوح وصراحة تعديل هذا القانون، وإعادة نظام الانتخاب لتحقيق الاستقلال الجامعى الكامل بكل ما يتضمنه من حرية أكاديمية كفيلة بتخريج طلاب قادرين على الإبداع والابتكار والتفكير.
تلك إذن ليست قضية أشخاص، بقدر ما هى قضية نظام، والمفترض أن يكون تغيير هذا القانون هو المحور الرئيسى لنضال المجتمع الجامعى، وأن تجرى المطالبة بجدول زمنى لتغيير هذا القانون على أن تسقط كل القيادات الحالية بمجرد إقراره، ومن يرد أن يستمر فعليه أن يتوافق مع المعايير الجديدة ويجدد شرعيته، وإن كنت نصحت بشكل شخصى كل من أعرفهم من قيادات جامعية إلى استباق كل هذه الخطوات بمحاولة تجديد شرعيتهم «الشعبية» مع تقديرى الكامل للشرعية القانونية التى لم تتغير حتى الآن، ونصحت بوضوح بعضهم بالمغادرة فوراً، أو اعتبار أنفسهم فى حالة «تسيير أعمال» وإعلان ذلك فى حالة إصرار الدولة على استمرارهم.
هذا عن رأيى.. لكن فى هذا الصدد وصلتنى رسالة مهمة من د. كريمان فريد، الأستاذ المساعد بكلية الإعلام، تحمل وجهة نظر رأيت أنها تستحق المناقشة الهادئة بعيداً عن الشخصنة، تبدأ رسالتها باتفاق على ضرورة تعديل القانون وبأسرع وقت، وترى أن هذا الهدف محل اتفاق عند الجميع، لكن لديها اعتراض رئيسى على استخدام الطلاب فى الضغط. تقول د. كريمان فى رسالتها: «أومن بحق الطلاب فى التعبير لكن فى سياق فهم أنه لا يوجد قانون فى العالم يعطيهم الحق فى إقالة مسؤول جامعى أو انتخابه، وإذا كان هناك من يربط بين حالة ميدان التحرير التى أسقط الشباب فيها الرئيس، وحالة الجامعة فهناك فارق كبير، فالطالب خارج الجامعة هو مواطن من حقه وفق الدستور والقانون أن يطالب بعزل الحاكم وإقالة الحكومة، ومطالبه فى هذا الشأن تملك مشروعية كبيرة، لكنه لا يمتلك ذات المشروعية داخل الجامعة، لأنه يمكن القول إنه داخل الجامعة (مواطن مؤقت) يتمتع بهذه المواطنة لمدة 4 سنوات فقط فى المتوسط، أى أنه وافد فيما الأستاذ هو المقيم، ولا يوجد قانون فى العالم أو معيار يسمح لـ(المتغير) الطالب أن يكون صاحب قرار فى مصير (الثابت) الأستاذ، و(القرار يا سيدى غير الرأى كما تعرف). تضيف د. كريمان، التى تقول إنه سواء بقى القانون الحالى وهو ما لا نأمله، أم تغير، فلن يكون للطلاب أى حق قانونى فى الاختيار، مشيرة إلى أن هناك خلطاً بين حق الطالب فى تقييم الأستاذ والاستناد لذلك فى تقييمه النهائى، وما يعتقد أنه حقه فى إقالة عميد أو رئيس جامعة».
أعتذر للدكتورة كريمان أننى أخذت من رسالتها فقط ما أعتبره طرحاً جديداً أو كلاماً لم يسبق قوله، وربما تعرف أن الدكتورة تتحدث تحديداً عن حالة كلية الإعلام، والأرجح أن ما تقوله «وجيه» إذا تم طرحه مجرداً من سياق سياسى ومناخ ثورى فى المجتمع، لكن المؤكد أن الأزمة تحديداً فى كلية الإعلام تحتاج إلى إجراء سياسى وليس فقط إلى استناد قانونى، لا أقول الحوار لأنه اتضح أن كل طرف متمسك بسقف مطالبه، لكن ما أراه ملائماً هو تجاوز القانون، وإجراء استفتاء نزيه حتى لو بقرار إدارى أو لائحى مؤقت، يشارك فيه كل أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة، عبر صندوق اقتراع شفاف، وأن يلتزم كل طرف بنتائج هذا الاستفتاء أياً كانت، وينصرف الجميع بعدها «من سيقولون نعم ومن سيقولون لا» لنضال مشترك من أجل تغيير سريع لقانون الجامعات يعيد لهذه المؤسسة الأكاديمية حريتها واستقلالها، أو هكذا أظن..!
sawyelsawy@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات