الأقسام الرئيسية

بعد إعلانه ترشحه للرئاسة.. الشروق تعيد نشر أول حوار شامل مع البرادعي في 2009 (1-3)

. . ليست هناك تعليقات:

آخر تحديث: الخميس 10 مارس 2011 11:55 ص بتوقيت القاهرة

الشروق -

بعد أن أعلن المعارض المصري البارز الدكتور محمد البرادعي الترشح لانتخابات الرئاسة القادمة في مصر، تعيد الشروق نشر الحوار الشامل الذي أجراه الكاتب والمفكر المصري جميل مطر لـ"الشروق" من فيينا مع البرادعي، والذي أعلن من خلاله لأول مرة عزمه الترشح للرئاسة في مصر، إذا تغيرت الظروف، وتم تعديل ظروف الترشيح لتسمح للمستقلين بالترشح للمنصب الرفيع في انتخابات تتوافر لها معايير النزاهة، وهو ما بدأ يتحقق بقيام ثورة 25 يناير 2011، والتي لعب البرادعي والحملة الشعبية لدعمه، وعدد من الحركات الشعبية التي التفت حوله، دورا كبيرا في الدعوة والتخطيط لها.

إلى نص الحوار

التقينا أول مرة فى نيويورك، كان محمد البرادعى فى ذلك الحين منتدبا من الديوان العام لوزارة الخارجية للعمل فى الوفد الدائم فى نيويورك. وقع اللقاء فى منزل أحد الأصدقاء المشتركين، وفى حضور عدد من أعضاء الوفد الدائم، أذكر منهم نبيل العربى القاضى السابق فى محكمة العدل الدولية وعمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية، وسيد قاسم المصرى. الوكيل المساعد السابق فى منظمة المؤتمر الإسلامى وآخرين.

كانت حرب يونيو 1967 مازالت تلقى بظلالها على حياة الدبلوماسيين المصريين فى الخارج، وسمعت فى تلك الليلة حكايات عن الأيام الصعبة التى قضاها أعضاء الوفد المصرى فى نيويورك، كانت الحكومة المصرية قد رفعت توقعات الدبلوماسيين فى الخارج واثقة من أن النصر مؤكد. ووجهت وفدنا الدائم فى نيويورك إلى رفض أى مشروع قرار تتقدم به الدول الأعضاء فى مجلس الأمن يهدف إلى وقف إطلاق النار. كانت الحماسة فائقة إلى درجة دفعت بالسفير محمد عوض القونى، وكان معروفا بأنه من أكفأ العاملين فى الدبلوماسية المصرية ومشهودا له بالاتزان، هدد الدول العظمى فى ذروة الأزمة بأنها إذا أصرت على انعقاد مجلس الأمن فإنه سيمتنع عن حضور الجلسة وسيبعث محله بأصغر واحد دبلوماسى فى وفد مصر ليجلس فى مقعد مصر. وكان محمد البرادعى الشاب حديث العهد بدبلوماسية الأمم المتحدة، ولكن معروف بعناده وصلابته، هو الذى اختاره السفير القونى لهذا الغرض.

دار حديثنا ونحن فى الطريق لتناول العشاء حول ما خلفته حرب 1967 من آثار على مصر وشعبها. وكان واضحا أن أمورا عديدة لم تستردها مصر بعد أن فقدتها فى هذه الحرب أو بعدها، وإن كانت استردت كرامة السلاح وسمعة العسكرية المصرية، واستردت الأراضى، إلا أنها لم تسترد ما فقدته فى منظومة القيم وفى ثقتنا فى أنفسنا وفى بعضنا البعض. ومازال الإنسان فى مصر يفتقر إلى الاستمتاع بحقه فى حياة حرة وكريمة.

وجدته مستعدا لحديث مطول مع «الشروق» يتحدث فيه عن تجربة الأسابيع الأخيرة منذ بدرت أول إشارة إلى نيته فى ترشيح نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية فى الانتخابات الرئاسية المقبلة وليتحدث فيه أيضا عن تفاعله مع ردود الأفعال وانعكاساتها على تطور أفكاره وخططه. وافترقنا على وعد بلقاء فى منزله فى الخامسة من مساء اليوم التالى.

اللقاء
يتحدث بصوت هادئ وجدية لا تخلو من بساطة. لا يتردد فى مخاطبة من يدير معه الحوار باسمه الأول، دون تكلف، وهو يواصل حديثه بحماسة، محركا يديه فى لحظات الانفعال بما يقول. فى بيته الذى انتقل إليه قريبا فى الطابق الرابع من بناية فى شارع رئيسى من قلب العاصمة النمساوية، كان اللقاء، بعد أكثر من أسبوعين على نهاية عمله رئيسا للوكالة الدولية للطاقة النووية. استمر الحوار ما يقرب من 5 ساعات ونصف الساعة، اعتذر خلالها عن جميع مكالمات التليفون. رغم كثرة الأسئلة لم ينقطع الحديث إلا مرة واحدة لتناول الشاى والقهوة.

منذ أن أعلن محمد البرادعى عن نيته للترشيح فى الانتخابات المقبلة لمنصب رئيس الجمهورية، «لو توافرت شروط مناسبة تضمن سلامة العملية الانتخابية ونزاهتها»، ظهرت ردود أفعال متعددة. من ناحية، انطلقت حملة سياسية وإعلامية ضد، تتهمه بـ«الاستعلاء» وتصفه بأنه «الرئيس المشروط»، وأن حديثه عن تعديل الدستور سيقود إلى «انقلاب دستورى». فى الوقت نفسه، رحبت شخصيات أكاديمية وسياسية وإعلامية بموقفه، الذى «يحرك الكثير من المياه الراكدة فى المشهد السياسى المصرى».

سافرت إليه «الشروق» فى فيينا، وفتحت معه هذا الحوار لتتعرف على رؤيته للأوضاع الراهنة فى مصر، ونواياه وتوقعاته للمستقبل..

متى بدأت التفكير فى الترشح للانتخابات الرئاسية؟

موضوع الترشيح للرئاسة جاء بالنسبة لى كمفاجأة لم تكن فى حسبانى. بالطبع أتابع كأى مصرى ما يمر فى الوطن، لكننى أعلنت نيتى فى عدم الانخراط بالعمل العام مرة أخرى، خاصة أن الاثنى عشر عاما الأخيرة من عملى كانت فترة صعبة، وكنا نريد أنا وزوجتى أن نقضى أخيرا بعض من الوقت فى حياتنا بهدوء، ونقوم بالأشياء الذى حرمنا لفترة طويلة أن نقوم بها.

لكنك تلقيت «المفاجأة» بهدوء، وأعلنت أن ترشحك رهن بإجراء تعديلات قانونية ودستورية، وصفها البعض بأنها مستحيلة..

ما أطالب به يتجاوز مصطلح «تعديلات». إذا كنا نريد أن نبدأ بداية جديدة وجدية فى مصر، يجب أن نتوقف عن الحديث عن «تعديلات» لإزالة عوائق قانونية ودستورية فقط، لأن مثل هذه التعديلات قد تساعدنا فى انتخاب رئيس فى ظروف نزيهة فى عام 2011، إلا أنها تبقى مجرد عملية «ترقيع». المهم هو ما يأتى بعد ذلك، فالأمر لا يتعلق بشخص واحد فقط، وإنما بمصير وطن».

الديمقراطية تستغرق وقتا طويلا. هى ليست مثل صنع فنجان القهوة، فهى تحتاج إلى وقت. ولكن هذا لا يعنى ألا نستفيد من تجارب الآخرين، مثل ذلك الذى حدث فى شرق أوروبا فى أعقاب الاتحاد السوفييتى، من نظام شيوعى استمر 60 عاما إلى نظام ديمقراطى يتمتع بانتخاب حر وصحافة حرة. فى الوقت نفسه لا يجب أن نتخذ من الوقت ذريعة، فقد نحتاج إلى سنة أو سنتين لإنجاز ما نريد، ولكن من العبث أن نقول إننا نحتاج إلى 50 عاما، والحجج الذى تقال حجج واهية.

ما حجج تأجيل الديمقراطية التى ترى أنها «واهية»؟

على سبيل المثال، نقول إن مصر فقيرة، وهذا ليس سببا كافيا، فأنا كنت منذ فترة قصيرة فى الهند، لأتسلم جائزة أنديرا غاندى للسلام. والهند رغم ما فيها من أمية وفقر أكثر من مصر، استطاعت مرتين على الأقل أن تسقط الحكومة، لأنها لم تستجب لمطالب الفقراء، والفقراء الذين لم تصلهم نتائج هذا الانفتاح الاقتصادى هم الذين أسقطوا الحكومة وليس الطبقة الوسطى.

إذا كنا جادين نحو الديمقراطية، فيجب أن يكون هناك عدة خطوات. الخطوة الأولى والسريعة هى ضمان شفافية ونزاهة الانتخابات، وإشراف قضائى كامل. الإشراف الدولى ضمانة أخرى مهمة، والاعتقاد أن هذا تدخل فى شئون الدولة، تفكير عقيم، فهذا لا ينتقص من سيادة الدولة فى شىء بل هذا يزيد منها، لأنه يؤكد شفافيتها ويوصل رسالة إلى المجتمع الدولى بأننا جزء من هذا المجتمع، الذى ينضوى تحت منظومة عالمية لا يمكن أن نخرج منها.

هل ضمان شفافية الانتخابات كخطوة أولى وسريعة يكفى لتقرر المشاركة؟

قبل أن يفكر الإنسان فى الانتخابات، أرفض الدخول فى نظام لا يعطينى الحق فى أن أترشح كمستقل. ليس هناك نظام برلمانى فى العالم يسلب الشخص الحق فى أن يدخل الانتخابات كمستقل. راجعت الدستور الفرنسى، يقول لكى يترشح أحد المستقلين يجب أن يحصل من المجالس المحلية على 500 صوت، من 45 ألف صوت، أى أقل من 1%. الدستور المكسيكي لا يضع أي شروط. راجعت الدستور الأمريكى، والشيلى، والسنغالى، وغيرها. أجريت مسحا للأنظمة الدستورية شرقا وغربا، شمالا وجنوبا. لم أصادف ما يوجد عندنا فى مصر، حيث يضع الدستور شرطين متناقضين، معناهما أنه لا يمكن لأى مستقل أن يترشح، فى ظروف مصر الحالية.

اليوم، نحن نتحدث عن حزب له أغلبية فى البرلمان، والشروط الموضوعة تجعل من المستحيل لمرشح مستقل أن يحصل على هذه التوقيعات. الدستور من الناحية النظرية لا يحرم المستقل أن يدخل الانتخابات وإنما من الناحية العملية يجعلها مستحيلة، والدستور لا يجب أن يكون إطارا شكليا، وإنما يجب أن يكون إطارا قابلا للتطبيق.


هل هناك تفاصيل أخرى لفتت نظرك فى الدستور الحالى، وتنادى بإعادة النظر فيها؟


كل الدساتير، التى تصنف كديمقراطية، لا يوجد منها ما يسمح بأكثر من فترتين للرئاسة، ودستور مصر لا يحدد فترات الرئاسة. الدستور المصرى به 15 خطأ مطبعيا، إذا كنا لا نستطيع أن نطبع أو ندقق القوانين، فهذا أكبر دليل على ما وصل إليه حالنا. إذا كان هذا حال دستورنا فما الذى وصلت إليه الخدمات الأخرى، من علاج شخص فقير فى الريف، إلى تعليم طفل فى قرية، وهذا هو ما يعكس القيم الذى ننظر إليها؟

وفى الدستور الذى يسعى لترسيخ الديمقراطية، لا تطغى سلطة على الأخرى، لكن فى دستور مصر أجد أن هناك سلطة واحدة طاغية بشكل لم أشاهده فى أى دولة أخرى، وهى السلطة التنفيذية الممثلة فى رئيس الجمهورية، على السلطة التشريعية. الدستور هو الذى يجب أن يرعى الحدود بين السلطات لضمان تأمين دورها فى الوطن.

ما الفرق بين «يقرر أو يضع»، من الذى يعمل ومن الذى يقرر، مجلس الشعب أم الرئيس؟

هناك 33 مشروع قانون مكمل للدستور، وهذه بدعة لم أرها من قبل. الدستور يجب أن يكون له مضمون واكتفاء ذاتى يكفل حرية الشعب، ولكن مواده متناقضة، مثلا هناك مادة لمكافحة الإرهاب، ومن ثم نجد الدستور يسمح بدخول منزلك والتنصت على مكالماتك. من الذى يملك قانونيا تعريف جريمة الإرهاب؟ القاضى المدنى وليس الرئيس. ولكن حين تنظر فى الدستور فهو على العكس، يتحدث بصورة نظرية عن كل الحقوق ويسلب معظمها بعد ذلك. هناك فرق بين القانونية والمشروعية. والكثير من مواد الدستور تفتقر إلى المشروعية، لأنها لا تتفق مع القيم الموجودة فى العالم، ولأنها فى كثير من أوقاته لا تطبق لأنها مسنودة بقوانين.

قانون الطوارئ يحكم مصر منذ 30 سنة، والدستور عبارة عن قصاصات ورق، لأن المعيار فى الحقيقة هو: هل الدستور يحمينى أصلا؟ هل يكفل لى الحرية أم لا؟ سنة 1975، أنور السادات طلب من إسماعيل فهمى أن يعد دستورا جديدا، واشتغلت أنا وزميل لى فى إعداد دستور جديد أرسلناه عام 75 إلى السادات. لم نؤلف بل كان هناك موسوعة دساتير العالم صادرة من مجلس الأمة أو مجلس الشعب، أخذنا منها أحسن الموجود، طبعا لم أسمع عن هذا الدستور منذ ذلك اليوم، ويا ريت أجد نسخة منه الآن. لقد استغرقنا فيه لأكثر من شهر، وضمنا فيه ما يكفل التوازن الدقيق بين السلطات، وما يحقق حرية الأفراد.

وما الدوافع التى جعلت السادات يطلب دستورا جديدا؟

ربما كانت الدوافع تبدو وقتها ضرورية بعد حرب 1973، وكل ما أعلمه أن السادات كان يريد دستورا جديدا، وطلب من إسماعيل فهمى ذلك بشكل سرى. نحن نحتاج إلى دستور، وصياغة دستور جديد تعنى إيجاد إنسان جديد، يعرّف المواطن حقوقه ويكفل له التوازن بين حياة عادلة، حقه فى الحرية، والتنمية الاقتصادية. الدستور ليس ورقة وإنما عقد اجتماعى بين جميع طبقات الشعب، نحن نريد أن نسير على هذا الطريق، وهذه هى الأهداف الذى نريد أن نحققها.

الشعب أيضا لازم يطالب بهذا، المسألة ليست فقط أن نصوغ مادة، أو نجرى تصويتا، بل يجب أن يكون لدينا نظرة شاملة. نحن وطن، يجب أن تكون نظرتنا على الأقل إلى ثلاثة أو أربعة أو حتى خمسة عقود مقبلة. الهدف قصير الأمد هو تعديل الدستور لانتخاب الرئيس، إنما هذا لن يؤدى إلى حل مشكلاتنا، لأنه من الممكن أن يأتى لنا هذا الدستور بـ«المستبد العادل»، إنما نحن نريد نظاما جديدا يقوم على الديمقراطية ويكفل حياة كريمة للمواطن المصرى.


فى تعديلاته الأخيرة خصص الدستور حصة للمرأة، ورأى البعض فى الفكرة استكمالا لتخصيص مقاعد للعمال والفلاحين، بما يعنى صياغة «عقد اجتماعى بين جميع طبقات الشعب» كما تقول؟ لماذا يضع الدستور حصة أو «كوتة» للفلاحين والعمال؟


كان لهذا مبرره بعد 1952. الآن يضع كوتة أخرى للنساء، فماذا عن الأقباط؟ المجلس به كم قبطيا؟ بالانتخاب يوجد نائب قبطى واحد، بينما الأقباط لا يقلون عن 8% من إجمالى الشعب، إذن هناك مشكلة.
للسيدات الآن 64 مقعدا، وللفلاحين 50 مقعدا، وللأقباط مقعد واحد، كل هذه مسائل ديماجوجية، ليست مبينة على تفكير عقلانى، ولذلك كل هذه الاعتبارات يجب وضعها فى بوتقة فى إطار لجنة تأسيسية تمثل جميع الشعب من الإسلام السياسى إلى الماركسيين، ونتفق كيف تتوافر مقومات المساواة والعدالة الاجتماعية فى دستورنا. لن تكون العملية سهلة لأن هناك طوائف مختلفة، ولكن لابد من العمل على ذلك.

الدستور الجديد لابد أن يحقق السلام الاجتماعى لكل طائفة: مسلم، قبطى، بهائى، طفل، إمرأة، و لابد أن يثق الجميع بأن حقوقه مكفولة وأن الدولة تتعامل معه على قدم المساواة مع زملاء المواطنة. الدستور الحالى هو الخامس منذ الثورة، بعد دساتير 53 و56 58، ثم 64 و71. خمسة دساتير فى خمسين سنة فقط. إذا وجدنا الدستور متخلفا عن متطلباتنا فلابد أن نسارع بوضع دستور جديد يضمن للمواطن مصالحه وحقوقه فى الوقت الحالى، ويضمن استقلال الدولة، ويكفل أن تتطور بأسلوب منضبط. الفرق بين الثورة والنظام التشريعى هو التقدم وفقا لتغيير منضبط بالدستور والقوانين.

نحن نحتاج إلى نوع من المصالحة والمصارحة الوطنية. يجوز أن تسير بالتوازى مع الدستور، لكى يعبر الدستور بالفعل عن حقيقتنا وليس عن القناع الذى نضعه.


وأين ترى نقطة البداية لاستعادة الدستور هيبته ودوره؟

إذا كنا نريد أن نبدأ بداية حقيقية يجب أن نضع دستورا جديدا، لأنه حتى إذا جاء أعظم إنسان فى ظل هذا الدستور، سيواجه مشكلات حقيقية سياسية واجتماعية واقتصادية. ولن يكون هناك ديمقراطية أو حرية بدون دستور جديد لأن الحرية والتنمية والعدالة الاجتماعية كلهم مرتبطون ببعض.

نحن اليوم فى وضع عدم استقرار، ولا يجب أن ننتظر سنتين. والمشكلة هى أنه لا يوجد فكر متكامل لمعنى الدستور، والتوازن الذى يضمنه بين السلطات بحيث لا تطغى واحدة على الأخرى. لذلك أنا أدعو الرئيس مبارك إلى إنشاء لجنة تأسيسية لصياغة دستور جديد، على أن تكون هذه اللجنة بالانتخاب المباشر، وتضم خبراء القانون الدستورى. ويجب أن تكون لجنة معبرة فى نهاية المطاف عن جميع انتماءات الشعب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لأن وظيفة هذه اللجنة ستكون إعداد دستور يمهد لبناء سلام اجتماعى قوى فى مصر.

نحن لا نصنع العجلة، يجوز أن تضم عددا من فقهاء القانون بالتعيين، على أن يقوموا هم باختيار الأفضل من بينهم. وهذا السلام الاجتماعى يجب أن يكون قائما على نوع من المصالحة الوطنية. نحن لدينا مشكلات؛ مثلا التوتر بين المسلمين والأقباط، ولا يكفى أن نقول إننا نسيج اجتماعى، فنحن نضحك على أنفسنا، لابد أن نعترف أن هناك أقليات، والأقليات دائما يكون لديها حماية خاصة من الجهاز القضائى، ولا يمكن أن ندفن رأسنا فى الرمل. فإذا واصلنا القول إننا «قماشة وطنية واحدة وليس لدينا مشكلات، ونقوم على قيم مصرية أصيلة»، فليحدد لى أحد ما القيم المصرية الأصيلة اليوم؟.

الشروط المضحكة


شروط تكوين الأحزاب فى مصر مضحكة. لو رغب مواطن فى تشكيل حزب جديد، يجب أن يعرض الأمر على لجنة يرأسها الحزب الحاكم، إذن سأدخل تحت مظلة الحزب الحاكم. وهناك مثلا شرط أن يكون الحزب الجديد مختلفا عن أى حزب موجود، وبصراحة أصبحت الفروق بين الأحزاب معدومة، ومن ثم شرط أن يكون الحزب مختلفا لا يتحقق بسهولة. فكرة أن الحزب الحاكم يوافق على فكرة تشكيل حزب جديد يجعل من العملية كلها مسرحية، لأن الحزب يعنى الحق فى التجمع، وعليه فقط أن يخطر الحزب الحاكم بتأسيسه، وليس من حق الحزب الحاكم أن يقرر من يتكلم، وكيف يتكلم، كيف يتظاهر وبأى أسلوب.

إذا كان الدستور بصورته الحالية يطلب منى أن أمثل أمام الحزب الحاكم إذا أردت أن أؤسس حزبا، لأذكر أسباب رغبتى فى إنشاء الحزب الجديد، ثم يصدر الحزب الحاكم قراره بالموافقة أو الرفض، فهذا شرف لا يمكن أن أعطيه له نهائيا، لأنه لا يتفق مع أبسط مبادئ الديمقراطية. هذه الأوضاع، لا يستطيع أى إنسان يحترم نفسه أن يدخل فى إطارها، لأنها تجعل كل العملية عملية اصطناعية، وبالتالى فإن مطالبى ليست شروطا أو استعلاء، ولكن لن أدخل الانتخابات إلا إذا كانت لدىّ فرصة لأن أفوز، وإلا سأكون جزءا من ديكور.

ولماذا طالبت فى بيانك بأن يكون الرئيس المقبل «رئيسا توافقيا يلتف حوله الجميع»؟

طلبى أن يكون مرشح الرئاسة توافقيا لا يعنى أن أكون أنا مرشحا توافقيا، بل يجب أن يكون المرشح لرئاسة مصر فى هذه الفترة، «توافقيا»، لأن مصر تشرذمت، أصبحنا قبائل لا يجمعنا الكثير، وإنما لابد أن يكون هنا قيم مشتركة، تحدد لماذا يكون هناك «دولة اسمها مصر». هذه قيم مشتركة لا أظن أنها موجودة فى مصر لكنها ليست فى الحقيقية موجودة.


وما أهم مظاهر ما تصفه بالتشرذم فى «دولة اسمها مصر»؟


فى 1952 قامت ثورة صاحبتها فى نفس الوقت سياسة قمعية فى الداخل، بدء من محاكمات الإخوان إلى مطاردات الشيوعيين. ثم انتقلنا من رأسمالية الدولة إلى ما يطلق عليه نظام اقتصادى حر مفتوح. الدولة كانت تقوم على ما تعرفه، وليس على أساس من الحقيقية، ونتيجة هذا نجح البعض فى استغلال ثغرات موجودة لتحقيق المليارات. هناك تدهور كبير منذ الثورة، بعض الأشياء نفذت والكثير لم ينفذ، الطبقة الوسطى اندثرت، وهى حزام المجتمع. ونشأت طبقات ما يطلق عليها طبقة الأغنياء الجدد، وعمر قيم المجتمع ما يتم تحديدها من جانب الطبقة الغنية. نتيجة لكل هذا أصبحت القيمة الأساسية التى تحكم مصر الآن السلطة أو المال وليس العلم. السؤال أصبح: ما سلطتى وما المال الذى أملكه وليس علمى أو قدرتى.

منذ 1952 أصبحنا مجتمعا مشرذما، نعيش كقبائل لا يجمعها شىء. حصلت تطورات خلال الـ50 عامة الماضية خلقت وغيبت القيم المصرية، وزرعت فينا الروح القبلية.عندما انتقل إلى الشمال من العاصمة، أرى كيف يعيش الناس، الذين يملكون الفيللات والحياة السهلة والبذخ المذرى والقيم التى لا تمت إلى مصر بصلة. وعندما ألتفت إلى جهة أخرى اصطدم بأقصى درجات الفقر. نحن نسير فى الشارع ولا نرى الفقراء، فقد أصبحنا لا نرى مشكلات المجتمع الأساسية.

تتحدث عن مجتمع فقد خلال العقود الستة الماضية قيمه وسلم نفسه لروح القبلية والتشرذم، فكيف ترى الطريق لعلاج ذلك؟

الخطوة الأولى هى المصارحة بأخطائنا الذى ارتكبناها منذ سنة 1952. لقد قمنا بأشياء جيدة، ولكننا أخطأنا فى أشياء كثيرة، يجب أن نصارح نفسنا بأخطائنا، ومنها الأخطاء الاقتصادية. هناك مشروعات كبيرة تم إنفاق الملايين عليها، ولا نعرف مصيرها، مثل شرق التفريعة، من المسئول؟

ليس لدينا نظام للمحاسبة، وهذا لا يعنى أنى أطلب الآن محاسبة أى من هؤلاء الناس. فى هذه المرحلة نحن لا نستطيع أن نحول نظرنا من المستقبل إلى محاسبة هؤلاء، فنحن مشكلاتنا اليوم أكبر بكثير من أن نتطرق منها إلى محاكمات وعقوبات، الماضى له ما له، على الأقل فى المرحلة الحالية، هذه هى مصر بمشكلاتها الثقيلة، والسؤال الأهم هو كيف نسير إلى الأمام؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer