الأقسام الرئيسية

محنة مصر محنة العرب ايضا...

. . ليست هناك تعليقات:


على الشامتين بمصر ان يفكروا في ان هناك دولا في المنطقة، بينها ايران، تعاني من مشاكل ضخمة، تبدو مشاكل مصر صغيرة لدى مقارنتها بها.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: خيرالله خيرالله


لا حاجة الى عبقري من اي نوع كان للتأكد من ان الشرق الاوسط دخل مرحلة جديدة في ضوء ما جرى في تونس، التي طوت صفحة الرئيس زين العابدين بن علي والعائلة المتفرعة عن زوجته السيدة ليلى طرابلسي، وفي ضوء ما تشهده مصر من تطورات حاليا. ليس صحيحا ان مصر لن تتأثر بالثورة الحقيقية التي شهدتها تونس على حدّ قول احد الوزراء المصريين. قال هذا الوزير بالحرف الواحد ان الكلام عن انعكاسات للحدث التونسي على مصر "كلام فارغ". تبين بعد اسبوع من اضطرار بن علي الى مغادرة تونس ان الكلام الفارغ هو كلام الوزير المصري الذي لم يدرك حجم التحولات التي تشهدها المنطقة التي "يعاد تشكيلها". وعبارة "اعادة تشكيل المنطقة" هي تلك التي استخدمها وزير الخارجية الاميركي كولن باول في سياق تبريره للحرب الاميركية على العراق التي بدأت في آذار- مارس من العام 2003.

ما زلنا في بدايات البدايات. الدول المرشحة لان تشهد ثورات من داخل كثيرة. لا يزال مبكرا على وزير الخارجية الايراني الجديد علي اكبر صالحي الكلام عن قيام "شرق اوسط اسلامي"، اي عن شرق اوسط تهيمن عليه ايران بسبب ما يجري في مصر. كلّ ما في الامر ان مصر ستكون قادرة عاجلا ام آجلا على تجاوز محنتها. اكثر من ذلك ان اي نظام جديد في مصر لابدّ من ان يسعى الى استعادة الدور الذي يفترض في اكبر الدول العربية ان تلعبه على الصعيد الاقليمي. في السنوات القليلة الماضية، كان هناك فراغ في المنطقة لانّ مصر لم تلعب الدور الذي يتوجب عليها ان تلعبه في مجال صدّ الهجمة الايرانية على كل ما هو عربي في الشرق الاوسط. بكلام اوضح، لم يكن هناك تصد مصري فعال للخطر الذي تشكله ايران الساعية الى ان تكون قوة اقليمية فاعلة تسعى الى تقاسم النفوذ مع اسرائيل...

اذا كان من مأخذ على السياسة الخارجية لمصر في السنوات الاخيرة، فان هذا المأخذ يتلخص بان القاهرة كانت في وضع الرد على الهجمات التي تتعرض لها بدل ان تكون مبادرة الى فرض اجندتها على الآخرين. على سبيل المثال وليس الحصر، كان الهدف من وراء استيلاء "حماس" على قطاع غزة منتصف العام 2007، اقامة "امارة اسلامية" على حدود مصر، على ان تدار هذه الامارة من طهران وليس من اي مكان آخر. وهذا ما دفع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عبّاس (ابو مازن) الى الاعلان صراحة خلال زيارة قام بها اخيرا للقاهرة ان ايران هي التي تمنع "حماس" من توقيع وثيقة المصالحة الفلسطينية. لو كان الوضع طبيعيا في مصر، هل كان لـ"حماس" ان ترفض توقيع وثيقة مصالحة مع "فتح" لان الوثيقة تلك صاغتها مصر ولان التوقيع يجب ان يكون في القاهرة وليس في اي مكان آخر.

على الذين يفرحون حاليا بما اصاب مصر ان لا يبالغوا في الشماتة. يقول المثل الفرنسي: يضحك طويلا من يضحك اخيرا.على الشامتين بمصر ان يفكروا في ان هناك دولا في المنطقة، بينها ايران تعاني من مشاكل ضخمة، تبدو مشاكل مصر صغيرة لدى مقارنتها بها. نعم، حصلت اخطاء في مصر. نعم كان هناك ترهل على مستوى القيادة. وكان هناك افتقاد لاي نوع من المبادرات. كانت مصر في وضع المتلقي لا اكثر. كان هناك فساد وكان هناك سوء توزيع للثروة. وكان هناك نقص في التخطيط ونمو غير طبيعي في عدد السكان. في القاهرة نفسها، كان هناك ازدياد للمناطق العشوائية التي انطلق منها المشاغبون الذين ارتكبوا السرقات والاعتداءات طوال يومي الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من كانون الثاني- يناير الماضي...

تبدو مصر الآن عند مفترق طرق. في حال استطاعت تجاوز محنتها، سيتمكن العالم العربي من تجاوز محنته ايضا. المهم ان يؤمن الجيش المصري انتقالا طبيعيا وآمنا للسلطة. متى تأمن ذلك، سيكون هناك نظام ديموقراطي معقول الى حدّ ما وحياة حزبية سليمة. سينعكس ذلك ايجابيا على المنطقة ككل. الاهم من ذلك كله، ان تعافي مصر سيعني تعافيا للدور العربي. ستكون الدولة العربية الكبرى قادرة على ان تقول لاسرائيل ان كفى تعني كفى وان لا مجال لاستمرار الاحتلال الى ما لا نهاية. وستكون قادرة على ان ترسم لايران حدودا لدورها، اكان ذلك في الخليج او في العراق او في اليمن او في لبنان...

هل الرهان على مصر في مكانه؟ الارجح انه كذلك، لا لشيء سوى لان ما يدور في المنطقة ليس طبيعيا. صار الكبير والصغير يتجرآن على مصر وعلى سياسة مصر. صارت مصر مكسر عصا. صارت تخاف بدل ان تُخيف. ولذلك، صارت استعادة مصر ضرورة عربية. انها ضرورة للتوازن الاقليمي الذي اختل بعد الاجتياح الاميركي للعراق الذي امن انتصارا لايران ومكنها من اختراق الامن العربي عن طريق العراق واستخدام الغرائز المذهبية. اثبتت مصر في الماضي ان العرب من دونها ليسوا شيئا وانهم في حاجة الى وزنها. ولذلك، يبدو الانتقال الهادئ للسلطة فيها، في حال حصوله، حدثا تاريخيا. سيمهد ذلك لتغييرات في دول عدة تعاني من انظمة فاسدة وديكتاتورية في الوقت ذاته تتاجر بالقضية الفلسطينية وتحاضر في الوطنية والعروبة.

تلك اهمية مصر وتلك اهمية ما تشهده ارض الكنانة هذه الايام. اذا اصطلحت اصطلح الوضع العربي. واذا لم تصطلح، سيكون في الامكان القول الف سلام على استقرار الشرق الاوسط وعلى كل ما هو عربي فيه...

خيرالله خيرالله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer