الأقسام الرئيسية

ارفع رأسك يا أخي..

. . ليست هناك تعليقات:


في غمرة التحديات والثغرات والخلخلات الداخلية والخارجية، لم ينتبه أحدا إلى انه ثمة جيل جديد ينشأ، جيل لا يعرف عن الماضي شيئا، لا عن ماضي النظم العربية، ولا عن ماضي الأحزاب والأيدلوجيات العربية، ولا عن الشعارات التي كانت تتغذى عليها.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: ماجد كيالي


قبل أكثر من نصف قرن أطلق الرئيس الراحل جمال عبدالناصر صيحته المشهورة، أن "ارفع رأسك يا أخي العربي فقد ولّى عهد الاستعمار"، والتي كان لها صداها، في أرجاء الوطن العربي، بعد حقبة طويلة من معاناة القهر الاستعماري.

لكن الرئيس الراحل ربما، بسبب تكوينه العسكري، وحداثة التجربة السياسية في البلدان العربية، وبسبب الصدمة التي أحدثتها نكبة فلسطين في وجدان العرب، كان قاصرا عن رؤية الترابط بين الاستبداد الداخلي والاستعباد الخارجي، كما عن إدراك العلاقة بين مقولته: "ارفع رأسك يا أخي" وبين مفهوم المواطنة الحقّة؛ برغم عبارته الأثيرة والمحببة" "أيها الأخوة المواطنون".

هكذا، فقد قدّر للبلدان العربية أن تعيش في بيئة سياسية راكدة، عمرها يزيد قليلا عن ستة عقود من الزمن، وأن تخوض معاناة الحرمان من الحقوق الأساسية، وتقييد الحريات، والتهميش والإقصاء، مسلمة أمرها لنوع من أنظمة سلطوية أفقرتها، من كل النواحي؛ أي ليس من النواحي الاقتصادية فقط، وإنما من النواحي السياسية والثقافية والروحية، أيضا.

على ذلك فقد دخلت المجتمعات العربية منذ ذلك الوقت في نوع من غيبوبة، أو في نوع من الموات، فثمة سلطات مطلقة، وشمولية، تتحكم بالبلاد وبالعباد، بالمجالين الدولتي والمجتمعي، بالسياسة وبالثقافة، بالفن والرياضة، بالحاضر والمستقبل، بالموارد كما بالأحلام!

اللافت أن سطوة هذه السلطات لم تتزحزح رغم هزيمة حزيران، ورغم الخزي أمام إسرائيل (باتفاقية كامب ديفيد 1978)، ورغم حصار بيروت (1982)، ورغم الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى (1987ـ1993) والثانية (2000ـ2005)، ورغم احتلال العراق (2003) والحربين الإسرائيليتين على لبنان (2006) وغزة (2008ـ2009).

كذلك فإن هذه السطوة لم تتزحزح رغم كل حال الاستبداد والفساد السلطوي، الذي يعم العالم العربي، والذي بلغ بحسب د. عامر الخياط (الأمين العام للمنظمة العربية لمكافحة الفساد)، في نصف القرن الماضي (1950- 2000)، حوالي ألف بليون دولار، ما يعادل ثلث الناتج الإجمالي العربي في تلك الفترة.

المعضلة أيضا أن الأنظمة المستبدة والفاسدة، صادرت الدولة وخصخصتها، لصالح سلطتها، وقوضت المجال العام، وهمشت المجتمع، وعملت على تنميطه وفق مواصفات طائفية ومذهبية واثنية ومناطقية، بدل إدماجه في دولة مواطنين. وفي كل ذلك فقد باتت معظم البلدان العربية تفتقد لمفهوم الدولة، باعتبارها دولة مؤسسات وقانون، كما باتت مجتمعاتها هشة، وتفتقد للاجماعات الداخلية.

في ظل هذه الأوضاع بدا بديهيا أن تعيش البلدان العربية واقعا من غياب السياسة أو مواتها، ليس على صعيد المجتمعات فحسب، حيث ليس ثمة أحزاب ولا نقابات فاعلة وحقيقية، ولا إعلام ولاحرية رأي، ولا مجال عام، وإنما أيضا على صعيد الحكومات (أو بالأحرى السلطات)، التي باتت السياسة بالنسبة لها مجرد إدارة أمنية، كما باتت مرتبطة فقط، بتعظيم موارد السلطة والثروة، الأمر الذي فاقم من حدة الفقر في المجتمعات العربية، ومن حدة الشعور بالمهانة والقهر.

بالمحصلة فإن هذا الواقع خلق نوعا من القناعة عند الفئات المسيطرة بأن أوضاعها باتت راسخة ومستديمة، أما عند الأجيال القديمة، في المجتمعات العربية، التي عاصرت نشوء النظم العربية السائدة، فنشأت قناعة مفادها أنه لم يعد ثمة جدوى، وأن ممكنات التغيير الداخلي في العالم العربي باتت مستحيلة، وأن الاستقرار بات مرهونا باستمرار الواقع الراهن (المحمول على الاستبداد والفساد)، لأن البديل عن ذلك ربما يفتح نحو الذهاب نحو الفوضى، أو نحو الاحتراب الأهلي، كما نحو مزيد من التشظي المجتمعي على محمولات طائفية ومذهبية واثنية (كما يحدث في العراق ولبنان والسودان واليمن).

في غمرة كل ذلك، وفي غمرة التحديات والثغرات والخلخلات الداخلية والخارجية، لم ينتبه أحدا، بالدرجة المناسبة، إلى انه ثمة جيل جديد ينشأ، جيل لايعرف عن الماضي شيئا، لا عن ماضي النظم العربية، ولا عن ماضي الأحزاب والأيدلوجيات العربية، ولا عن الشعارات التي كانت تتغذى عليها.

أيضا، ربما لم يفطن احد، إلى الدرجة اللازمة، إلى أن هذا الجيل لم يتربّ على الخوف، ولا على الخضوع، ولا على "احترام" النظام، أي نظام، حتى لو كان النظام الأبوي ذاته. ويبدو أن هذا الجيل، الذي لم نعد نحن "الآباء" نشكّل مرجعية معرفية له، لم تشكل الأنظمة السائدة له اي معنى، طالما أنها لم توفّر له شبكة الأمان اللائقة، التي تتعلق بالعمل والكرامة ومحاكاة التطورات الحاصلة في العالم.

هذا الجيل، الذي اتهمناه يوما بضعف القراءة، لأنه لايقرأ مثلنا الكتب والصحف الورقية، كان في غفلة عنا يبحث عن ذاته، ويتعرّف على العالم، وينهل المعرفة، عبر شبكة الانترنيت، وهذا الجيل الذي ظننا انه انصرف عن أحزابنا وعن شعاراتنا، ذهب نحو تشكيل شبكاته، وصوغ "أحزابه"، عبر شبكات واسعة عبر "الفيسبوك" و"التويتر" و"اليوتيوب".

هكذا، أطلقت الصرخة الأولى من نوعها لهؤلاء الشباب، من تونس، ومفادها أن "ارفع راسك يا أخي العربي فقد ولى عهد الاستبداد"، والتي فتحت من خلالها نافذة الحرية أمام الشباب في العالم العربي، حيث تلقفها شباب مصر، وأطلقوها مدوية في ميدان التحرير، وفي شوارع القاهرة والإسكندرية والسويس والفيوم وحلوان وطنطا وغيرها من مدن وشوارع مصر.

الآن، يتطلع جيلنا بكل فخر إلى جيل الشباب، الذي كسر طواطمهم، وحطم صمتهم، وبدّد خيبة أملهم، بأمل أن يسامحوه على تسرعه أو تبسطه في الحكم عليهم. والآن يتطلع شباب العرب، إلى مآلات تجربة شباب مصر في كتابة تاريخ جديد، لمصر، وللعالم العربي. نعم ارفع رأسك يا أخي العربي فقد انتهى عهد الاستبداد مثلما انتهى عهد الاستعمار.

ماجد كيالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer