الأقسام الرئيسية

ثورة شباب التحرير في خطر

. . ليست هناك تعليقات:



ثمة تدافع لقوى محلية وإقليمية ودولية للدخول على خط الثورة وتوجيهها لصالح تلك القوى وبعيدا عن رغبة صانعيها الحقيقيين. كلما زاد التدافع مشهد الثورة ارتباكا، كلما تمكن النظام من لملمة أوراقه والنجاح في إجهاض الثورة.


ميدل ايست أونلاين


بقلم: إبراهيم الزبيدي


قيل الكثير عن انتفاضة شباب التحرير ونزاهتها وعفويتها ووطنيتها. وتعلقت بها وترقبت انتصارها ملايينُ الغاضبين العرب على حكام ربما كان ظلمهم وفسادهم أكبر مما ثار المصريون عليه بكثير. وتوقع كثيرون أن يعمل مبارك بنصيحته التي قدمها لصدام حسين قبيل الغزو الأميركي بقليل، حين قال له: ''أنقذ العراق وأهل العراق واستقيل، وممكن قبل الحرب تقعد في أي دولة ويستضيفوك، لكن بعد الحرب بقت صعبة''.

وظن كثيرون أيضا أن الرئيس الأميركي باراك أوباما حازم في طلب ترحيل مبارك، وصادق في طلب الانتقال من النظام البوليسي القمعي إلى نظام ديمقراطي حقيقي في مصر، لا وصاية لأحد عليه، ولا يد لأميركا ولا لإسرائيل ولا لغيرهما في اختيار قياداته.

لم يفطن هؤلاء المتفائلون ذوو النوايا الحسنة إلى أن أميركا وإسرائيل وقادة النظام العربي ليسوا في حاجة إلى نظام من هذا النوع.

فلا أميركا ولا إسرائيل ولا القادة العرب يريدون أن تُفلح انتفاضة مصر، كما أفلحت الانتفاضة التونسية، فتسقط النظام كله، وتفرض حكومة انتقالية ليس لجنرالات النظام الحالي سطوة على أعضائها وتوجهاتها وقراراتها.

فمصر ليست تونس، بمقاييس وحسابات عديدة، أكثرُها إلحاحا وأهمية ما ارتبطت به مصر من اتفاقات وعهود وإلتزامات دولية وإقليمية، وخاصة ما يتعلق منها بإسرائيل، وبما يسمى بقوى الاعتدال التي حافظت على استقرار المنطقة تحت الخيمة الأميركية، طيلة العقود الماضية. لكن الواقع والزمن أثبتا أن أميركا وإسرائيل ليستا أقوى من صحوة الشعوب، ومن طوفان جماهيرها حين تثور.

وكل ما في الأمر أن انتفاضة شباب التحرير صعقت الجميع وأذهلتهم وأفقدتهم التوازن، وخلطت عليهم الأمور، وصاروا، جميعا، لا يحتاجون إلا إلى تأجيل الحسم، ومنع انهيار النظام، وكسب ما يمكن من وقت إضافي لفهم هذه الثورة، وتحليل دوافعها، ومعرفة قواها الفاعلة، والبحث عن أقصر الطرق وأنجعها لتفكيكها وإفراغها من مضامينها الشبابية العفوية البريئة الصادقة في ثوريتها.

فراحوا جميعا، مبارك وأعوانُه المصريون والعرب والأميركيون وغيرُهم، يعملون على اصطياد عناصرَ من داخلها، أو أحزابٍ دخلتها طمعا في السلطة، لاستخدامها في مهمة إبطال مفعول الثورة، بأقل الخسائر.

ومنذ الساعات الأولى لاندلاع التظاهرات، وحتى اليوم، تميزت المواقفُ الأميركية ُ المعلنة بالحذر الشديد، وبالغموض، أحيانا، وعدم الوضوح. فهي من ناحية تواصل تأييدها لمطالب الشعب المصري، لكنها في الوقت نفسه لا تريد لنظام مبارك الرحيل. وحين كشف مبعوث الرئيس الأميركي إلى مصر، فرانك ويسنر، حقيقة الرغبة الأميركية في بقاء مبارك سارع البيت الأبيض إلى إعفائه واعتبار تصريحاته رأيا شخصيا لا يمثل الإدارة.

إن أميركا لا تريد حربا أهلية مصرية، هذا أكيد. وربما لا تريد حسني مبارك، وهذا ممكن. ولكن ما ترغب فيه بقوة وتعمل على تحقيقه، بالصبر وبسياسة النفس الطويل، هو ترقيع النظام ببعض الوجوه الجديدة من المعارضة، وبقيادة عمر سليمان، بالتحديد.

من أجل ذلك أشير على حسني مبارك بعدم التنازل العاجل، وبالمماطلة، والمراهنة على عنصر الزمن، لإعادة ترتيب الأوراق والمواقف، بعناية.

ومن أجل ذلك تم اعتماد الخطة الجديدة التي بدأ النظام باستخدامها منذ يوم الخميس الماضي، والتي تقوم على ثلاثة محاور:

- الأول يتميز بوقف استخدام العنف وعدم استفزاز شباب الانتفاضة، لمنع اندلاع حرب أهلية مخاطرُها أكثر من منافعها على الجميع.

- والثاني يتلخص بأن يقوم النظام ببعض الإصلاحات الصغيرة العاجلة. وكان منها إقالة بعض كبار رموز الحزب والحكومة السابقة ومنع بعضهم من السفر والوعد بالتحقيق في أحاداث الأيام الأخيرة ومعاقبة المسؤولين عنها. ومنها أيضا تخصيص بعض المال لتعويض المتضررين.

- والثالث يركز على هدف زرع الفتنة بين الشباب أنفسهم، وبينهم وبين الأحزاب والتنظيمات التي انضمت إليهم أو التحقت بهم، وذلك بتكرار الدعوة إلى التفاهم والحوار. وفي هذا الإطار يُكثر عمر سليمان وأحمد شفيق من مطالبة الشباب بتعيين قيادة منهم للحوار. وبالفعل، كان أولَ الخارجين على الإجماع الشعبي هم الإخوان المسلمون الذين سارعوا إلى التحاور مع النظام.

وفي هذا الإطار أيضا تعمد رئيس الوزراء الفريق أحمد شفيق أن يعلن أكثر من مرة أن للنظام، داخل ميدان التحرير، عيونا وعناصرَ عديدة زعم أنها موجودة لرؤية الواقع داخل الميدان. وهو يهدف من ذلك إلى زرع الخوف من العقاب في نفوس بعض المنتفضين، وخلخلة قناعات البعض الآخر بجدوى الانتظار الطويل، بالتزامن مع إطلاق إشاعات ينهمك إعلام النظام بترويجها، بمعاونة الإعلام العربي والأميركي، عن توبة كثيرين من الشباب، وعودتهم إلى بيوتهم، بعد أن اقتنعوا بضرورة منح الحكومة الجديدة فرصة لاختبار النوايا، والحكم على الإنجاز.

افق ذلك كله تأزيم حياة الموطن المعاشية اليومية، وتعطيل بعض المصالح والمؤسسات الحيوية، والتسبب في شحة الغذاء والمواد الأساسية، وغلاء الأسعار، لإلقاء المسؤولية على شباب التحرير، وتأليب المصريين عليهم، باعتبارهم سبب هذه الأزمات الخانقة.

وفي هذا الإطار لم يكف إعلام النظام عن ترديد الشكوى من تضرر الاقتصاد وانهيار السياحة، والتحذير من ازدياد البطالة والفقر والمعاناة.

وقد يكون وقف ضخ الغاز لإسرائيل والأردن عملا تخريبيا قام به "بلطجية" النظام نفسه لمضاعفة مخاوف أميركا وإسرائيل وتأليبهما على الانتفاضة وبذل دعم إضافي لإنقاذ النظام، وربما مبارك نفسه أيضا.

ومن العوامل المساعدة المُضافة التي رفعت معنويات النظام، وضاعفت مخاوف أميركا والغرب، دخولُ خامنئي على الخط بدفاعه الشديد العنيف عن الانتفاضة، ودعوته إلى إقامة نظام ديني متزمت كنظام الملالي في إيران، رغم علمه بأنها ثورة وطنية علمانية غير دينية، بكل تأكيد.

إن شباب التحرير في خطر. فالنظام يَستخرج كل خبراته المتراكمة في الغش والتلاعب والتآمر والدس والوقيعة للفتك بشباب يافعين لم يتمرسوا في السياسة، ولم يتعلموا ألاعيبها. مع تظافر قوى وعوامل داخلية وخارجية مساعدة تعمل بمنهجية حازمة على إفراغ الثورة من قوة اندفاعها، وصولا إلى إجهاضها، ليس لحماية النظام المصري وحده، بل لمنع انتقال العدوى إلى عواصم عربية أخرى عديدة، واليمن مثال على ذلك.

فإذا لم تستطع ثورة الشباب أن تصنع انتصارها، بسرعة، وتجبر مبارك على الرحيل فسوف تكون في خطر أكيد، لأن الانتظار الطويل ليس في صالحها، بل في صالح النظام. ومؤكد أن استمرار حالة اللا حل سوف يصيب الشباب ومؤيديهم بالوهن والتعب والملل، لتصل ثورتهم، في النهاية، إلى طريق مسدود.

وكانت فكرة الزحف الشعبي من ميدان التحرير إلى القصر الرئاسي رائدة وحاسمة. لكنها فقدت إمكانية تحقيقها بسبب حياد الجيش المصري السلبي، ووقوفه سدا منيعا على حدود ميدان التحرير، بحجة حماية المنتفضين.

لابد من عمل شيء مبتكر جديد ينقذ الثورة ويعجل انتصارَها. وقد يكون هذا الشيء الناجز هو اقتحام الجماهير لمواقع حكومية ومؤسسات حيوية في محافظات أخرى مهمة خارج القاهرة، واحتلالها وإعلان الاعتصام فيها، خيارا يربك النظام ويُجبره على الرضوخ لإرادة الجماهير.

إبراهيم الزبيدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer