الأقسام الرئيسية

فيتو اميركي... على نص اميركي!

. . ليست هناك تعليقات:


لا يمكن للإدارة الأميركية أن تقف مرة مع الشعوب العربية عندما يتعلق الأمر بقمع الحكام العرب لشعوبهم، وتقف مرة أخرى ضد هذه الشعوب عندما يتعلق الأمر بقمع إسرائيل لحقوق الفلسطينيين المشروعة.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: خيرالله خيرالله


هل تمتلك الادارة الاميركية الحالية سياسة واضحة ومحددة في الشرق الاوسط؟ هل هي مع التغيير ام مع تكريس الاحتلال الاسرائيلي للارض العربية؟

كان في الامكان القول ان لهذه الادارة، ادارة اوباما، استراتيجية ما اكتشفناها اخيرا في ضوء مواقفها الايجابية من التغييرات ذات الطابع الايجابي التي شهدتها المنطقة. اتخذت واشنطن موقفا معقولا من الثورة الشعبية في تونس ثم عمدت الى ايجاد مخرج لائق، اقله حتى الآن، للرئيس حسني مبارك بعدما تبين ان التغيير حاصل لا محالة في مصر. لعبت واشنطن دورا اساسيا في جعل المؤسسة العسكرية المصرية تتخذ موقفا يتسم بالعقلانية من الثورة الشعبية حافظ الى حد كبير على احترام المواطن المصري للجيش بصفة كونه الطرف الضامن لانتقال مصر الى الديموقراطية.

اكدت الولايات المتحدة في الشهرين الماضيين انها تقف مع الشعوب العربية وليس مع الحكّام وانها تحترم ارادة التغيير وتوق العرب عموما الى دخول العالم المتحضر من ابوابه الواسعة. كانت التكنولوجيا الاميركية، تكنولوجيا الاتصالات الحديثة عاملا مهما ساهم في انجاح الثورتين المصرية والتونسية. بدا باراك اوباما للمرة الاولى منذ دخوله البيت الابيض انه يقرن كلامه الجميل عن الديموقراطية وحقوق الانسان بالافعال. استطاع الرئيس الاميركي في اقلّ من شهرين تغيير الصورة النمطية المعروفة للاميركي البشع والجشع الذي يقف في وجه كل شعب يسعى الى الحرية والتحرر. اكثر من ذلك، بدا ان باراك اوباما سيغيّر الشرق الاوسط وسيلعب دورا محوريا في نقل المنطقة الى مرحلة مختلفة، خصوصا ان ثورتي تونس ومصر كانتا بمثابة سقوط لجدار برلين في منطقة الشرق الاوسط. بكلام اوضح، بات في الإمكان الكلام عن شرق اوسط جديد بعد ثلاثة وعشرين عاما على انهيار جدار برلين في التاسع من تشرين الثاني- نوفمبر من العام 1989. وقتذاك، انهارت الانظمة الشمولية الواحد تلو الآخر في اوروبا الشرقية وما لبثت المانيا ان استعادت وحدتها...

ما فعله اوباما في اقلّ من شهرين كان انقلابا. لم يعد هناك عداء عربي تلقائي لكل ما هو اميركي. على العكس من ذلك، صار هناك بداية تفهم للسياسة الاميركية، خصوصا بعدما تبين ان واشنطن لعبت دورا مهما في الحؤول دون سفك مزيد من الدماء في تونس او في مصر ودفعت المؤسستين العسكريتين في البلدين على تشجيع الانتقال بهما الى ما يمكن تسميته "الحكم المدني" الذي يتناقض تماما مع الديكتاتورية.

كان هناك رهان على ان تستكمل الادارة الاميركية سياستها المنفتحة بما يجعلها تنسحب على فلسطين والشعب الفلسطيني. فجأة، توقف كل شيء. عندما صار الامر يتعلق بفلسطين نسي باراك اوباما كل تعهداته والتزاماته. نسي ان القرار الذي طرحته المجموعة العربية امام مجلس الامن التابع للامم المتحدة كان قرارا اميركيا ليس الاّ. كل كلمة في القرار الذي يدعو الى وقف الاستيطان الاسرائيلي في القدس والضفة الغربية كانت اقتباسا عن تصريحات لمسؤولين اميركيين بينهم اوباما نفسه ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون.

اذا كان على المرء ان يكون دقيقا، في الاستطاعة القول ان الادارة الاميركية استخدمت الـ"فيتو" في مجلس الامن لاسقاط مشروع قرار صيغ بلغة اميركية انطلاقا من عبارات سبق ان استخدمها كبار المسؤولين في واشنطن. وللتذكير فقط، ان اوباما نفسه هو الذي اعتبر الاستيطان عقبة في طريق السلام. كذلك فعلت هيلاري كلينتون. قبلهما، تحدث المبعوث الرئاسي جورج ميتشل عن ضرورة وقف الاستيطان من اجل الوصول الى السلام. هل تختفي الديموقراطية والليبيرالية الاميركيتان عندما يتعلق الامر باسرائيل وبالاحتلال الاسرائيلي؟

قبل وصوله الى البيت الابيض، وبعد دخوله مقر الرئاسة الاميركية، اكد باراك اوباما انه يؤيد الحل القائم على وجود دولتين على ارض فلسطين. كرر تمسكه بقيام "الدولة الفلسطينية القابلة للحياة" واعتبر ذلك هدفا من الاهداف التي تسعى ادارته الى تحقيقها خدمة للسلام والاستقرار والامن في الشرق الاوسط. كل ما كان مطلوبا منه قبل تقديم المجموعة العربية مشروع القرار الجديد لمجلس الامن وطرحه على التصويت توفير ضمانات للفلسطينيين فحواها ان الادارة الاميركية تعتبر الارض الفلسطينية التي احتلتها اسرائيل، بما في ذلك القدس الشرقية، ارضا يتوجب الانسحاب منها. سبق للوزيرة كوندوليزا رايس ان اقرت بان المطلوب انسحاب اسرائيل من الاراضي المحتلة في العام 1967 على ان يتفق الطرفان على تبادل للاراضي في مفاوضات تجري بينهما. لو وفرت ادارة اوباما تلك الضمانات، لما كانت السلطة الوطنية الفلسطينية مستعدة للذهاب الى حدّ الدفع في اتجاه تقديم مشروع القرار الى مجلس الامن. كانت السلطة الفلسطينية مستعدة حتى للعودة الى المفاوضات المباشرة بموجب الضمانات الاميركية!

ما حصل عندما استخدمت ادارة اوباما الـ"فيتو" في مجلس الامن لمنع صدور قرار يرفض الاستيطان الاسرائيلي لا يشكل ضربة لجهود السلام فحسب، بل انه يسيء ايضا الى مجمل السياسة الاميركية في الشرق الاوسط. عندما تقدم الولايات المتحدة على خطوة من هذا النوع، اي عندما تستخدم الـ"فيتو" لاسقاط نص اميركي هو قرار صيغ بلغة اميركية، فانها تخدم كل قوى التطرف في المنطقة. من سيصدق بعد اليوم ان الولايات المتحدة صادقة مع نفسها عندما تدعم قوى التغيير العربية في الشرق الاوسط، في الوقت الذي تفعل كل شيء من اجل تبرير استمرار الاحتلال الاسرائيلي للقدس الشرقية والضفة الغربية؟ لا يمكن لقوة عظمى تدعي احترامها لحقوق الانسان ان تكون مع الاحتلال الذي هو شكل من اشكال الارهاب. هل الولايات المتحدة مع التغيير نحو الافضل في الشرق الاوسط ومع الديموقراطية ام تقف ضدهما داعمة الاحتلال؟

خيرالله خيرالله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer