بقلم سليمان جودة ٢٠/ ١٢/ ٢٠١٠
القصة التى رواها «بوتين»، رئيس وزراء روسيا، للصحفيين، يوم الجمعة، قصة طريفة، ولكنها ليست الشىء المهم الذى يجب أن يلفت نظرنا فى شخصية الرجل.. فهو يقول إنه يتبادل النوم مع الرئيس الروسى «ميدفيديف» ولا ينام حتى يستيقظ الرئيس، ليضمن، من ناحيته، إدارة جيدة لبلاد فى حجم بلاده! وبطبيعة الحال، فإن الذين سمعوا الحكاية منه، وهو يرويها، ضحكوا طويلاً، وتساءلوا قطعاً بينهم وبين أنفسهم، عما إذا كان رئيس الوزراء يتكلم بجد، أم أنه نوع من الهزار، ولابد أنه هزار طبعاً، لأنه ليس من المتصور، أن يظل رئيس الوزراء فى أى دولة، وليس فى روسيا وحدها، ساهراً حتى الفجر ـ مثلاً ـ فإذا استيقظ الرئيس نام هو.. وهكذا فى دورات متتالية بينهما! ثم إن مثل هذه الدول لا يديرها أشخاص، بحيث إذا نام الشخص، أو غاب، تعطل حال البلد والناس، وإنما تديرها مؤسسات راسخة.. وإلا.. فمَنْ الذى يدير الولايات المتحدة، إذا نام أوباما؟! هذه الحكاية المسلية قد تكون مهمة، ولكن الأهم منها بالنسبة لـ«بوتين» أنه سوف تبقى من ورائه قيمة تظل فى حسابه إلى الأبد، وهى أنه عندما انتهت فترة رئاسته غادر قصر الرئاسة، فى هدوء، ودون نقاش، ولم يفكر فى تعديل الدستور، ليظل فى مكانه، وقد كان فى إمكانه أن يفعل ذلك، لولا أنه قد رأى أن ينصرف، ولم يشأ أن يعبث بدستور بلاده، فعاش بلده بالتالى، وازدهر، ولايزال، وتأخر هو خطوة إلى الخلف، ليأتى من بعده الرئيس الحالى! صحيح أن هناك مَنْ يقول، إن «بوتين» هو الذى جاء بـ«ميدفيديف» رئيساً، وإنه - أى بوتين - سوف يعود رئيساً مرة أخرى، بعد انقضاء فترة الرئيس الحالية، وإنه قد خرج من الباب، ليعود مستقبلاً من النافذة، وإنه.. وإنه.. صحيح هذا كله، ولكن الأصح منه، أنه رجل احترم دستور بلده، ولم يتلاعب به، ولم يلعب فيه، ولم يقف فوقه بقدميه.. ولذلك، فهذه فى حد ذاتها، هى القيمة الباقية فى حياته الآن، وفى المستقبل، وسوف يأتى ناس فى بلده، فيما بعد، ليقولوا وقتها إن رجلاً اسمه «بوتين» كان فى القصر، ذات يوم، وإنه لما انتهت سنواته فى الحكم، قام ومضى إلى حال سبيله، دون فصال، رغم أن إنجازه فى البلد، على مدى السنوات الثمانى التى كان يحكم خلالها، كان سوف يشفع له، لو أنه فكر فى البقاء!.. ولكنه، فيما نتخيل، قد سأل نفسه فى تلك اللحظة، عما سوف يقول عنه التاريخ، لاحقاً، لو أنه بقى رغم أنف الدستور، ففضل أن يخاطب التاريخ، بدلاً من أن يتجاوب مع نوازع أعماقه!.. كان فى مقدوره أن يتصرف مثلما يفعل الآن حاكم ساحل العاج الذى يتحصن داخل القصر، ويرفض المغادرة، رغم أن انتخابات حرة جرت فى البلد، فاز فيها منافس له، ولكنه مصمم، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، على أن يجلس هو، والحال كذلك، فوق جثثهم، فى مكتبه بالقصر، ويأبى الانصراف! فى موسكو، يتباهون برئيس بقى ثمانية أعوام، على فترتين، واكتفى.. وفى القاهرة، نتكلم عن فترة سادسة للرئيس! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات