في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز، كتب تشاس فريمان -مساعد وزير الدفاع الأميركي خلال 1993 و1994، وسفير الولايات المتحدة لدى السعودية أثناء حرب الخليج- أن محرر ويكيليكس جوليان أسانج لديه الكثير من القواسم المشتركة مع الفوضويين في بداية القرن العشرين، حيث إنه يهدف إلى زعزعة النظام العالمي المقرر بتشويه تحالفاته واختراق آدابه. وبنشره ربع مليون وثيقة كتبها دبلوماسيون أميركيون في الداخل والخارج، كثير منها صريح للغاية، يكون أسانج قد قطع مسافة نحو تحقيق هذا الأمر.
وضرب فريمان مثلا بالشرق الأوسط وقال إن أبرز التسريبات هي تلك التي كانت متعلقة بالمخاوف العربية بشأن تطلعات إيران من أجل هيمنة إقليمية وبرامجها النووية. وأشار إلى وثيقة في هذا الصدد أوعز فيها ملك السعودية إلى الولايات المتحدة بشل حركة برامج إيران النووية بضربات جوية، وحثها على "قطع رأس الأفعى".
وعلق فريمان بأنه رغم أن بعض المحللين والنقاد المتشددين يشعرون بالارتياح من وجود العرب إلى جانبنا، ويشعرون بأن هذا الإفشاء سيساعدنا في تشكيل تحالف أقوى ضد طهران، فإن هذه التسريبات على الأرجح سترفع مكانة إيران بإضافة المزيد من المغالاة المستمرة في تقدير نفوذها وقدراتها.
"
أعظم إنجاز لجوليان أسانج لن يتعدى جعل الأمر أصعب على الدبلوماسيين الأميركيين للحصول على إجابات صريحة من نظرائهم الإسرائيليين والخليجيين
"
تشاس فريمان/نيويورك تايمز
والأكثر إزعاجا هو أن هذه التسريبات ستقلل صراحة الحوار الأميركي في المنطقة وفي أماكن أخرى. وسيفكر القادة العرب الآن مرتين قبل التحدث بصراحة أو إبلاغ الزوار الأميركيين أو الدبلوماسيين بما تريد واشنطن أن تسمعه.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحكام العرب -رغم كل الأسلحة التي اشترتها دولهم من أميركا ومن أماكن أخرى- سيجدون أنفسهم مرة أخرى مكشوفين أمام شعوبهم كعاجزين عن معالجة مشكلة إقليمية خطيرة. وسيظهرون وكأنهم يعتمدون اعتمادا كليا على الولايات المتحدة -ذاك البلد الذي لا يتمتع بشعبية في أوساط العرب بسبب سياساته في المنطقة- لتهتم بالأمر نيابة عنهم.
وأشار فريمان إلى أن إسرائيل من جانبها سارعت في تأكيد الموقف العربي، وأكدت أن هذه التسريبات تبين أنها ودول الخليج لديهم وجهة نظر مشتركة بشأن إيران، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن "المزيد والمزيد من الدول والحكومات والقادة في الشرق الأوسط والمنطقة الأوسع والعالم يعتقدون أن هذا هو التهديد الأصولي".
واستطرد فريمان بأنه خلافا لآمال ومخاوف البعض، فإن التسريبات لا تجعل احتمال الحرب مع إيران راجحا، أو تبرهن على وجود أساس لتضامن عربي إسرائيلي ضد طهران. وأعظم إنجاز لأسانج لن يتعدى جعل الأمر أصعب على الدبلوماسيين الأميركيين للحصول على إجابات صريحة من نظرائهم الإسرائيليين والخليجيين.
وختم بأن الشرق الأوسط هو المكان الذي فيه كلمة "نعم" تعني "ربما"، و"ربما" تعني "لا"، ولا غير مسموعة أبدا (سوى في إسرائيل)، كما أن طلب حل أجنبي لمشاكل إقليمية هو تهرب من المشكلة وليس طلبا جادا بالعمل. وهو المكان الذي كسب فيه النفاق اسما سيئا. وويكيليكس أضرت أميركا دون تغيير هذا الأمر.
المصدر: نيويورك تايمز
الجزيرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات