بقلم سليمان جودة ١٤/ ١٢/ ٢٠١٠ |
قطعاً.. كانت هناك رسالة مهمة للغاية، موجهة إلينا، بشكل غير مباشر، من خلال مظاهرات الطلبة التى طافت العاصمة الإنجليزية لندن، أول هذا الأسبوع، ضد تمرير مشروع قانون فى البرلمان يسمح بزيادة رسوم الطالب فى الجامعة! الرسوم التى كان يدفعها كل طالب كانت تصل إلى ٣ آلاف جنيه إسترلينى، يعنى تقريباً ٣٠ ألف جنيه مصرى سنوياً، ولكن البرلمان اجتمع وقرر رفعها إلى ستة آلاف كحد أدنى، وتسعة آلاف فى حدها الأقصى، وكانت الموافقة بأغلبية ٣٢٣ وافقوا ضد ٣٠٢ اعترضوا، وهو ما يشير إلى ممارسة ديمقراطية حقيقية، وليس إلى تهريج من النوع الذى نراه فى مجلس الشعب، عند تمرير أى مشروع قانون على طريقة: الموافق يتفضل برفع يده.. موافقة! الطلبة طبعاً معترضون، وبقوة، لدرجة أنهم هاجموا سيارة الأمير تشارلز وحطموها، ولكن الحكومة، بقيادة الشاب ديفيد كاميرون، مصممة، بما أدى إلى تمرير المشروع فى النهاية بفارق ٢١ نائباً بين الذين أيدوا والذين اعترضوا! وسوف يخطئ بالطبع مَنْ يتصور أن رفع الرسوم هو مجرد جزئية من خطة عامة تتبناها الحكومة، فى سبيل التقشف، وضغط الإنفاق العام.. لا.. فالهدف، كما هو واضح، أن يظل الخريج الجامعى الإنجليزى محتفظاً بمكانته السامية كمنافس فى سوق العمل، على مستوى العالم المتطور، وليس فقط فى داخل بلاده، وليس أدل على ذلك من أن الحكومة قالت - ما معناه - إن الطالب الذى سوف يعجز عن دفع الرسوم بعد رفعها، لن يُحرم من التعليم، وإنما سوف تُقرضه الحكومة قيمة الزيادة، ليسددها فيما بعد، ليس فقط عندما يتخرج، ولكن عندما يجد عملاً، ثم يعمل فعلاً فيسدد، وقتها، ما اقترضه من الدولة من عائد عمله عليه! فما المعنى الموجع لنا فى هذه الحكاية؟!.. المعنى أننا أمام حكومة هناك لا تقوم بمسؤوليتها السياسية فقط، تجاه بلدها، وتجاه شبابها، وإنما - وهذا هو الأهم - تنهض بمسؤولية اجتماعية مثيرة للدهشة والإعجاب حقاً - ثم تنهض فى الوقت ذاته، بمسؤولية مستقبلية تجاه بلد، تحرص حكومته، المسؤولة عنه، على أن يظل فى مكانته التى تليق به! المعنى أن «ديفيد كاميرون» كان فى إمكانه أن يحتفظ بالرسوم عند ثلاثة آلاف جنيه، وأن يتجنب وجع الدماغ، وأن يكسب شعبية بين الطلبة، وأن يحملوه «بطلاً فوق أعناقهم»، وأن.. وأن.. ولكنه رجل مسؤول، ويدرك أن هذا لو حدث، فسوف تدفعه إنجلترا، كبلد، من مكانتها، ومن تعليمها، ومن مستوى خريجيها، حين يتدنى مستوى الخريج، لا لشىء إلا لأن الثلاثة آلاف جنيه ليست كافية لتعليمه تعليماً محترماً، ولذلك فضل رئيس الحكومة أن يتوارى هو للوراء، ليتقدم بلده! كان فى إمكان الرجل أن يساير الطلبة، وأن ينافق المواطنين، وأن يأخذهم على قد عقولهم، ولكنه رفض بحزم، واتخذ قرار الزيادة، ولسان حاله يقول إن هناك دولاً ترتقى من خلال تعليمها، كما أن هناك دولاً، فى المقابل، تنحدر، وأنه كرئيس وزراء، لديه القدر الكافى من الإحساس بالمسؤولية تجاه وطنه، ولا يتخيل لحظة تكون فيها بريطانيا من النوع الثانى، لتبقى الدول التى تنتمى إلى هذا النوع، تستمتع بجهلها، وغفلتها، وانعدام الإحساس بالمسؤولية فيها! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات