بقلم د. حسن نافعة ١٤/ ١٢/ ٢٠١٠ |
طرحت بعض القوى السياسية المعارضة فى مصر فكرة تأسيس «برلمان بديل» أو «برلمان مواز» عقب انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، والتى شهدت عمليات تزوير واسعة النطاق تشكك فى مصداقية «البرلمان الرسمى» وتطعن فى شرعيته. وتبدو الفكرة، للوهلة الأولى، براقة وشديدة الجاذبية وقادرة على منح الجماهير المحبطة والمتعطشة للتغيير إحساسا قويا بأن المعركة لا تزال مستمرة، وأن المعارضة لم تسلم بالهزيمة ولم تنسحب من الميدان ومازال بمقدورها أن ترد بشن حرب استنزاف طويلة الأمد. فوجود مجلس آخر «بديل» أو «مواز» تتفق المعارضة على تشكيله من نواب سابقين خسروا مقاعدهم، بسبب التزوير الذى مورس ضدهم، وأيضا من شخصيات عامة مستقلة أو ممثلين للقوى السياسية التى قاطعت الانتخابات، يمكن أن يتحول بالفعل إلى شوكة فى حلق «البرلمان الرسمى» - خصوصا إذا حظى بتأييد شعبى واضح والتفت الجماهير حوله، وبدأت، من خلال تفاعلها مع أنشطته ومواقفه، تأخذه على محمل الجد. وسيعد نجاح المعارضة فى تأسيس مؤسسة من هذا النوع فى حد ذاته دليلا على قدرتها على الرد على النظام، بطريقة عملية ومنهجية، وليس بالكلمات والشعارات، كما سيؤدى وجوده واستمراره إلى إضعاف البرلمان الرسمى والتقليل من شأنه، بالتشكيك الدائم فى شرعيته وتأكيد بطلانه وعدم منح النظام فرصة لطى صفحة المهازل التى شهدتها الانتخابات. غير أن الأمانة تفرض علينا فى الوقت نفسه، ألا نهمل فحص الجانب الآخر من الصورة، والذى قد لا يكون مشرقا بنفس القدرة، ربما يلقى بظلال قاتمة على قدرة المعارضة على وضع الفكرة موضع التطبيق أو تحقيق الأهداف المرجوة منها. إذ يلاحظ أن دعاة الفكرة وأصحابها كانوا قد سارعوا، كعادتهم، إلى طرحها على وسائل الإعلام قبل أن تنضج، وقبل أن يتم التأكد من قابليتها أصلا للتنفيذ أو دراسة المشكلات التى قد تعترض طريقها ووضع بدائل لمواجهة الاحتمالات المختلفة. بل وصل الأمر إلى حد طرح أسماء لرئاسة «البرلمان البديل» أو للمشاركة فيه دون تشاور مسبق معها للتأكد من موافقتها. وليس هذا بالأمر المستغرب أو الطارئ على أسلوب عمل شرائح من المعارضة المصرية، ويعكس واحدا من أمراض كثيرة أصيبت بها منذ فترة، ويبدو أنها غير قادرة على - أو حتى راغبة فى الشفاء منها. على صعيد آخر، يخشى أن يؤدى الاستغراق فى النقاش حول هذه المسألة إلى إثارة العديد من الخلافات، وهو ما يحدث عادة عند تشكيل أى لجنة، فما بالك حين يتعلق الأمر بتشكيل برلمان، بكل ما يحمله ذلك من مخاطر استنفاد طاقة وجهد المعارضة فى مسألة هى فى النهاية جزئية أو تفصيلية. فتشكيل برلمان «بديل» أو «مواز» قد يكون فكرة جيدة بشرط أن تكون جزءاً من استراتيجية عامة تطبق على الأرض بالتوازى، وبشكل يتكامل ويتناغم مع بقية مكوناتها. الاشتباك مع النظام الحالى، خاصة خلال سنة الانتخابات الرئاسية الحاسمة، يحتاج فى تقديرى إلى استراتيجية متعددة الأبعاد، تشتمل على مجموعة مكونات أهمها: ١- خوض معركة قضائية للحصول على حكم من المحكمة الدستورية ببطلان مجلس الشعب الحالى. ٢- تكثيف حملة التوقيعات على التعديلات الدستورية المطلوبة، لتمكين المستقلين من خوض انتخابات الرئاسة القادمة، وضمان نزاهتها. ٣- حملة إعلامية ضخمة للتأكيد على فساد نظام يقوم بعملية نهب منظم للبلاد بسبب سيطرة مجموعة فاسدة من رجال الأعمال عليه. ٤- تهيئة الشارع المصرى لتكثيف ضغوطه بجميع أشكال الطرق السلمية المشروعة لإجبار النظام على القيام بالتعديلات المطلوبة. قبل الدخول فى جدل عقيم حول تشكيل برلمان بديل، ولا مانع من ذلك مطلقا، يتعين على جميع فصائل المعارضة الراغبة فى إحداث التغيير حقا أن تتفق على إطار مؤسسى يضمها جميعاً، ويحتوى على آلية واضحة لاتخاذ قرارات فعالة تمكنها من تنظيم أنشطة منسقة تعكس وحدتها ورغبتها الحقيقية فى التغيير. فبدون هذا الإطار الجامع يصعب عمل أى شىء. وعلى الكل أن يدرك أن النظام لن يتحرك قيد أنملة لتقديم تنازلات تطالب بها المعارضة، إلا إذا أحس بالوجود الفعلى لهذه المعارضة، وبأن لها وزناً حقيقياً، وأنها قادرة على تحريك الشارع للتعبير عن حاجته للتغيير وإصراره عليه. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات