الأقسام الرئيسية

محكمة الحريرى وشهود الزور

. . ليست هناك تعليقات:

بقلم د.حسن نافعة ١٦/ ١١/ ٢٠١٠

يدور فى لبنان جدل مثير وخطير حول المحكمة «الدولية» المكلفة بالتحقيق فى قضية اغتيال رفيق الحريرى، والذى قد يؤدى انفلاته إلى تفجير الوضع، ودفع لبنان نحو حرب أهلية يبدو أن أطرافا دولية وإقليمية ومحلية تسعى إليها لدوافع وأسباب متباينة. وقد تصاعد هذا الجدل بسبب ما يتردد عن اعتزام المحكمة إصدار «قرار ظنى» يرجح أن يوجه الاتهام إلى عناصر فى حزب الله بالضلوع فى عملية اغتيال رفيق الحريرى.

ولأن قرارا كهذا، إن صدر، سيؤدى إلى خلط كبير فى الأوراق، ويعيد الوضع فى لبنان إلى أسوأ مما كان عليه قبل تشكيل الحكومة الحالية، والتى يشارك فيها حزب الله. وتحسباً لصدور هذا القرار بدأ حزب الله سلسلة من الإجراءات الاستباقية أثارت ردوداً تدفع فى اتجاه التصعيد على نحو قد يؤدى إلى انفلات الزمام والانزلاق بالبلاد على طريق حرب أهلية جديدة. ويلاحظ أن السيد حسن نصر الله لم يكتف فى خطبه الأخيرة بإعلان عدم التعاون مع المحكمة، ولكنه بدأ ينظر إلى كل من يؤيدها أو يتعاون معها باعتباره عدواً للمقاومة ونصيراً لإسرائيل ولحلفائها، الساعين لتصفية المقاومة ونزع سلاحها.

الجدل حول المحكمة الدولية فى لبنان ليس جديدا وإنما بدأ فى اللحظة التى تلت اغتيال رفيق الحريرى فى ١٤ فبراير عام ٢٠٠٥ عندما بدأ البعض يروج لمقولة أن التدويل هو الوسيلة الوحيدة للكشف عن الجناة الحقيقيين لأن القضية أكبر من قدرات القضاء اللبنانى. ورغم إجماع جميع القوى اللبنانية على أهمية وضرورة الكشف عن الجهة أو الجهات المتورطة فى جريمة الاغتيال، فإن البعض، وعلى رأسه حزب الله بالطبع، كان يرى منذ البداية أن محكمة دولية يشكلها مجلس الأمن للنظر فى هذه القضية ستكون عرضة للتسييس لا محالة، ومن ثم قد لا تكون أقصر الطرق أو أصلحها لإظهار الحقيقة. وقد ثبت بالفعل أن لهذه المخاوف ما يبررها خصوصا أن لجنة التحقيق الدولية ارتكبت أخطاء فادحة، خصوصا إبان رئاسة المحقق ديتليف ميليس لها.

فقد اعتمدت فى التقارير التى اتجهت بأصابع الاتهام نحو سوريا على شهود تبين فيما بعد أنهم شهود زور، وأن شهادتهم تسببت فى إلقاء القبض ظلماً على أربعة من كبار أجهزة الأمن اللبنانية بقيادة جميل السيد، مكثوا فى السجن ظلما أربع سنوات كاملة. صحيح أن المحكمة الدولية، بعد تشكيلها عام ٢٠٠٩، هى التى أمرت بالإفراج عنهم، لكن سمعة «القضاة الدوليين» كان قد لحقها ضرر كبير، ومن ثم أصبح «التسييس» تهمة تطارد المحكمة، دون أن تستطيع لها دفعاً.

يرى حزب الله أنه من الضرورى، قبل أن تتولى المحكمة توجيه اتهام ظنى أو غير ظنى لأحد، أن تبدأ بالتحقيق مع «شهود الزور» لأنه قد يساعد على الإمساك بخيوط يمكن أن تقود للكشف عن المتورطين الحقيقيين فى جريمة اغتيال الحريرى، مؤكدا أن هؤلاء لم يتصرفوا من تلقاء أنفسهم وأنهم دفعوا من جانب قوى كانت لها مصلحة فى توجيه الاتهام إلى سوريا، لطردها من لبنان، ولها اليوم مصلحة فى توجيه الاتهام إلى حزب الله، لخلق ظروف مواتية لتجريده من سلاحه. لكن قوى الرابع عشر من آزار ترفض هذا المنطق وتؤكد أنه لا سلطان لها على محكمة دولية لا يملك أحد غيرها تحديد أساليب وآليات عملها، وعليها التزام بالتعاون معها، لأنها شكلت فى الأصل بطلب منها.

الخروج من المأزق اللبنانى الراهن ليس أمراً سهلاً، ويتطلب العثور على صيغة توفق، من ناحية، بين حتمية القبض على شهود الزور ومحاكمتهم والكشف عمن يقف وراءهم، وبين تمكين المحكمة الدولية من ممارسة عملها للكشف عن قتلة الحريرى مع اتخاذ جميع الضمانات، من ناحية أخرى، للحيلولة دون تسييسها.

غير أنه يتعين على كل الأطراف أن تدرك أنه ما لم يتوفر غطاء إقليمى يسمح بالتوصل إلى هذه الصيغة لن يكون هناك حل لبنانى. ولأن الطريق لتوفير هذا الغطاء يمر حتماً بتفاهم سعودى - سورى، يبدو أنه بات بعيد المنال، بعد أن خسر أوباما معركة التجديد النصفى فى انتخابات الكونجرس الأمريكى، فليس هناك للأسف حل فى الأفق!. ولن يستطيع أحد أن ينزع سلاح حزب الله إلا إذا كان مصمماً على تدمير لبنان والمنطقة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer